606

0

الخبير الأسري أحمد رباح لبركة نيوز: ’’ الأسرة في مجتمعنا أمام حرب حقيقية وهذه السبل للحفاظ عليها’’

تعيش الأسرة -وهي النواة الأولى للمجتمع- في الأزمنة المتأخرة تحولات جذرية وتحديات عديدة وخاصة في مجتمعاتنا لما تلاقيه من مد فكري وإعلامي دخيل مس مبادئنا وثقافتنا في الصميم، هذه الظاهرة التي تزيد استفحالا يوما بعد يوم جرت معها الكثير من الإشكاليات العميقة داخل الأسرة، من حيث بنائها وسبل المحافظة عليها والعمل على قيامها بالدور المنوط بها في ظل المحافظة على المقومات الثقافية والأخلاقية والإنسانية.

و للحديث عن هذه الإشكاليات وغيرها جمعنا لقاء مع الخبير الأسري الدكتور أحمد رباح ليميط اللثام عنها، وعن سبل معالجتها.

عبد النور بصحراوي

في البداية سيدي نود أن نطلع قراءنا على نبذة من سيرتكم الذاتية?

اسمي الكامل أحمد رباح من مواليد 6 فيفري 1983 بدمشق، تحصلت على الشهادة الثانوية – الفرع الأدبي سنة 2004، وقبلها الشهادة الثانوية الشرعية من المعهد الشرعي للدعوة والإرشاد بدمشق سنة 2001، تلتها شهادة البكالوريوس في الدراسات الإسلامية من كلية أصول الدين بدمشق سنة 2005.

أشرفت على المكتب العلمي للدكتور محمد خير الشعال، وعلى فريق الإعداد والتدريب للدورة التأهيلية للحياة الزوجية من سنة 2005 إلى 2014 بالإضافة إلى الإمامة والتدريس ببعض مدارس ومساجد دمشق وريفها، إلى جانب إدارتي لمؤسسة ذكرى للإنتاج السمعي البصري (2014.2013).

كما حصلت على شهادتي الماجيستير والدكتوراه من الجامعة الأمريكية للعلوم الإنسانية (قسم الإرشاد الأسري) سنتي 2015 و2020 على التوالي، مواصلة للمشوار الذي بدأته في هذا المجال منذ سنة 2005.

و كما تعلمون أنا مستقر بالجزائر منذ 2014، عملت فيها على مشروع البناء الأسري الذي طفت به ما يقارب ال 40 ولاية، أين استفاد من نشاطات ودورات واستشارات ومقالات المشروع ما يزيد عن 1000 شاب وفتاة، هذا إلى جانب حضوري الإعلامي المستمر في القنوات الخاصة والعمومية وأنا منذ سنة 2017 ذو ظهور ثابت على قناة القرآن الكريم، من خلال برنامج الفكرة المفقودة الذي وصل لموسمه السادس، والمشاركة في عدة حصص وأيام مفتوحة لأصل إلى 1100 مشاركة وظهور عبر وسائل الإعلام المختلفة.

بحكم تخصصكم في مجال التأهيل الأسري كيف ترون واقع الأسرة حاليا، وماهي أهم التحديات التي تواجهها?

في حقيقة الأمر الأسرة حاليا لا تواجه تحديات ولا تصارع من أجل رهانات فحسب، بل هي في صدد معركة حقيقية للإبقاء على وجودها والمحافظة على كينونتها، لما تلاقيه من محاولات دؤوبة للقضاء على قدسيتها من خلال الترويج لنقض تلك العلاقة الفطرية بين الرجل والمرأة، إلى جانب العبث بأدوارها وإشغال ركيزتي هذا الصرح (الرجل والمرأة) عن واجباتهما الأساسية في رعاية الحضن الأسري، والقيام بواجب تربية الأبناء الذين يعانون هم الآخرون من الغزو الفكري عبر وسائل الإعلام المختلفة.

وفي نفس السياق وأمام هذا الفضاء المفتوح المخترق تعاني الأسرة في مجتمعاتنا كذلك من مد وعمل مؤسساتي ضخم لهد أركانها، مقابل عمل فردي أو مؤسساتي ضعيف يتمثل في بعض المبادرات والنشاطات الجمعوية التي تحاول تثبيت قوام الأسرة بما يتواءم مع الفطرة والدين والتي تبقى في نظري -رغم ما تقدمه من مجهودات طيبة- غير كافية.

مادامت الأسرة حيال هذا المعترك المصيري فماهي سبل المقاومة للحفاظ على هذا الكيان الحيوي?

في الوقع أن سبل المقاومة والحفاظ على الكيان الأسري مردها الاستناد إلى الفطرة، التي هي بمثابة نظام عمل زودنا به الله تعالى بعث لنا من خلاله رسالة طمأنة مفادها أن كل باطل وفساد لا محالة زائل، وعبثه لا يربو أن يكون في القشور غير اللب مصداقا لقوله تعالى: ’’ فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون’’.

بالإضافة للتمسك بمعالم الفطرة الأنسانية، لابد أيضا من التسلح بسلاح العلم من خلال المنبعين الصافيين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والنهل منهما من حيث أنهما رسما مخططا لقيام الأسرة وعيشها في توازن واستقرار، من خلال عديد الآيات والأحاديث والأفعال والممارسات التي يجب أن تكون منصة الانطلاق ومرجع التحاكم لتكون صمام الأمان الذي يحمي ويرد عن الأسرة كل ما يراد لها من مكائد.

تحدثنا عن التحديات التي تواجه الأسرة، ماذا عن الصعوبات والعراقيل التي تحول بين الشباب وتكوين أسرهم وبخاصة في مجتمعنا?

في الحقيقة أن الشباب في مجتمعاتنا يعانون الأمرين في سبيل الزواج، ومن ثم تكوين وتأسيس أسرة، إذ يعتبر مشروع الارتباط أكبر مشروع للشاب دون سن الأربعين، لما يلاقيه من صعوبات جمة حيال هذا الأمر تتجلى في تقاليد اجتماعية معقدة وما يتعلق بها من الكلف المادية التي ترهق كاهل الشاب المقبل على الزواج.

من جهة أخرى فإن احتكام الشاب لهذه العادات القائمة على البذخ واستعراض العضلات والتنافس في المظاهر كثيرا ما يحمله على الاستدانة التي تبقى تبعاتها إلى ما بعد الزواج، وتقود في كثير من الأحيان إلى التنافر بين الزوجين و تنتهي بالطلاق أو الخلع اللذان يشهدان انفجارا في الجزائر، حيث وصلت حالات الطلاق سنة 2018 إلى 68 ألف حالة فيما سجل في السداسي الأول لسنة 2021 أربع و أربعين ألف حالة طلاق وعشرين ألف حالة خلع ما ينذر بخطر مداهم للحلقة الأساسية في المجتمع ألا وهي الأسرة.

وفي نفس السياق فإن تأخير الزواج أو استمراره على وتيرة التقاليد المخالفة للشرع قادنا ويقودنا حتما إلى تزايد وارتفاع نسبة العنوسة والأطفال غير الشرعيين ومختلف الآفات الاجتماعية المرتبطة به.

تحت وطأة التقاليد المرافقة للزواج في مجتمعاتنا تطرحون فكرة مضادة لهذا النهج تضمنها آخر كتاب لكم ’’ ثورة على الزواج’’ حدثنا عن هذه الرؤية?

حقيقة صدر لي قبل أشهر كتاب ’’ ثورة على الزواج’’ وسيكون متوفرا بالصالون الدولي المقبل للكتاب في الجزائر، وهو حجر الأساس الذي بنيت عليه رسالتي للدكتوراه ’’ الزواج في المجتمع المسلم بين التشريع والتطبيق’’ وملخص فكرة الكتاب هو ضرورة التخلص من قيد العادات والتقاليد التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بهذه الرابطة المقدسة، والتي طوعناها لتأخذ القوة بالتقادم فحالت دون تحقيق مقاصد الشرع في الزواج، ومنطلقاته القائمة على التيسير والتبكير، والتي آلت إلى التعسير والتأخير.

كما أطرح في الكتاب تجليات الثورة على هذه التقاليد المنهكة للشاب والفتاة، والتي تقع مجملها في الرجوع بالزواج إلى المسجد باعتباره المؤسسة الجامعة، بالإضافة إلى دعم الزواج الجماعي لما له من أثر في رفع الغبن والعبء على الفرد الواحد، كما أدعو فيه الشباب إلى مواجهة الأعراف المجتمعية ومقاومتها، إلى جانب تولي أعيان القوم التكريس لثقافة تيسير الزواج ليكونوا قدوة لبقية أفراد المجتمع، مع المحاولة على أن يتم هذا الأمر في إطار مؤسساتي منظم يختصر الكثير من العادات والتقاليد المكلفة.

بحكم مساركم الطويل في مجال التأهيل والإرشاد الأسري كيف تقيمون واقعه? وما مدى إقبال الشباب عليه?

يمكن القول بأن مجال التأهيل والإرشاد الأسري ثغر من الثغور الحساسة في الأمة، وقلة من لهم من الإمكانيات لسده والوقوف عليه فهو يعاني الدخلاء الذين أفقدوا الثقة في أهل الاختصاص الحقيقيين لما وقعوا فيه من أخطاء تخص الجانب التربوي والشرعي وحتى الإنساني، هذا من جهة ومن جهة أخرى فنحن نعاني كذلك من انعدام أو نقص الوعي بأهمية هذا المجال الحيوي بالنسبة للمجتمع، والذي يتطلب منا جهودا استباقية مضاعفة للتحسيس بأهميته وبما يعانيه الشباب خاصة قبل وأثناء وبعد بناء عشهم الأسري.

هل من توضيح وإضافة فيما يخص الدخلاء على مجال التأهيل الأسري?

في الحقيقة نحن لا نسيئ الظن بمن يعملون في هذا المجال، إلا أن المشاهد في الواقع يرى بأم عينيه من يدخل المجال ربما عن حسن نية أو عن تجربة زواج فاشلة أو قصة خلافات أسرية، لكنه لم يتسلح بما يلزم ’’فيتطبب بغير طب’’ كما يقال فيفسد أكثر مما يصلح، ومنهم من يدخله بعقلية المتاجرة، وبعضهم يأتيه من باب أنه مؤهل لأنه يحمل شهادة تدريب لسويعات، وهذا لا يكفي لأن التأهيل مسألة تتطلب زمنا طويلا، وخبرة في التعامل في مع مختلف القضايا الواردة بحكمة وروية وأمانة.

ويبقى الصنف الأخطر صنف الأقلام المأجورة التي تعمل على زعزعة قيم مجتمعاتنا وتسريب الآفات إليها والتعامل معها على أنها تدخل في دائرة ’’ العادي’’ وهذا ما يجب التنبه إليه والتحذير منه، خاصة مع تعدد الوسائط التي تبث مثل هذا المحتوى الذي يصيب قيم الأسرة في مقتل.
وفي المقابل هناك فئة رسالية تزاحم على هذا الثغر وتعمل بكل ما أوتيت من جهد وفكر في سبيل الإصلاح ونشر القيم الحميدة التي من شأنها الحفاظ على الكيان الأسري.

يلاحظ المتتبع لكتاباتكم وحضوركم الإعلامي تعلقكم ببلدكم الثاني الجزائر، ما سر هذا التعلق?

منذ أن حللت بالجزائر سنة 2014 وأنا بصراحة لا أرغب في إبداء هويتي السورية حتى أعيش ببساطة وأبقي الصلة العفوية مع الشعب الجزائري الطيب والذي نتقاسم معه اللغة والدين ويربطنا به تاريخ مشترك فكما تعلمون فقد حل بسوريا إبان الاستعمار الفرنسي مليون و200 ألف جزائري وعلى رأسهم الأمير عبد القادر.
كما أذكر بأنه كانت لي علاقات مع أساتذة جزائريين درسوا في سوريا ما خلق توافقا وإلفا كبيرين بالجزائر البلد الذي يحبنا ونحبه.

وآمل من خلالي استقراري بالجزائر أن أتابع المسار والبصمة التي وضعها الأساتذة السوريون،الخ الذين حلوا بالجزائر قبلي لأقدم شيئا من الواجب تجاه الجزائر البلد الذي احتضننا بكل أخوة ومحبة.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services