79
1
أحمد جوادي... صانع الذاكرة وأستاذ الأجيال بين نبض القسم وصوت الإعلام

يمثل أحمد جوادي حالة فريدة من التوازن بين رسالتين نبيلتين لطالما صنعتا الوعي الجماعي للأمة: التعليم والإعلام. أستاذ مكون منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، وإعلامي بصم اسمه بحبر المسؤولية والاحترافية في كبرى الصحف الوطنية، وصوت متميز في إذاعة سعيدة الجهوية. رجل جمع بين صرامة العلم ودفء الحكاية، وسخر سنواته في خدمة الحقيقة، سواء بين جدران القسم أو في أثير الإذاعة وصفحات الجرائد.
الحاج شريفي
يحمل أحمد جوادي في رصيده شهادة الدراسات العليا من جامعة وهران، إضافة إلى شهادة ليسانس، وهو ما أتاح له خوض غمار مهنة التعليم بعمق أكاديمي، وبعد تربوي تجاوز التلقين إلى التأثير الحقيقي في أجيال من التلاميذ. خبرة طويلة جعلته أستاذا مكوّنا يعول عليه في إعداد الكفاءات، متقنا أدوات التعليم ومتشبعا بثقافة وطنية وإنسانية أصيلة.
في موازاة هذه المهمة، خاض جوادي تجربة إعلامية مميزة انطلقت عام 1997، مراسلا صحفيا لعدد من الجرائد الوطنية المعروفة مثل: الجمهورية، الأحداث، الوصل، الأمة العربية، الخبر، النهار، الشباك، الكرة، المجتمع وغيرها، حيث عرف بكتاباته الرزينة التي تغوص في قضايا المجتمع، وتنبش في جذور التاريخ، وتسلط الضوء على المهمش والمسكوت عنه.
منذ عام 2010، أطل على جمهور أوسع عبر أثير إذاعة سعيدة الجهوية، حيث برع في إعداد برامج متنوعة: تاريخية، رياضية، ثقافية ومسابقات، واضعا تجربته التربوية والإعلامية في خدمة المتلقي البسيط، ومضيئا زوايا مجهولة من الذاكرة المحلية والوطنية.
لا يتوقف عطاؤه عند حدود الكلمة المسموعة أو المكتوبة، بل يمتد نحو مشروع معرفي رصين يعمل عليه حاليا، يتمثل في تأليف كتاب تاريخي حول معارك المنطقة الخامسة بالولاية السادسة التاريخية. يولي اهتماما خاصا لـمعركة المرجة ببلدية ذوي ثابت – أكتوبر 1958، ومرقب السبع ببلدية أولاد إبراهيم أواخر نفس السنة، إضافة إلى تسليط الضوء على مركز التعذيب بقرية يعقوبي سنوسي (لاسياو) ببلدية مولاي العربي بولاية سعيدة، في محاولة لإعادة سرد الأحداث كما عايشها الشهود، لا كما قرأها المؤرخون.
أحمد جوادي لا يكتب التاريخ فقط، بل يمنحه نبضا وحياة، يروي تفاصيله ويبعث شخوصه من رماد النسيان، ليساهم بذلك في ترسيخ الذاكرة الوطنية لدى الأجيال القادمة. إن الجمع بين مهنة التعليم وموهبة الإعلام، وبين التاريخ الميداني والحس المهني، يمنح لتجربة هذا الرجل بعدا إنسانيا وثقافيا نادرا في زمن تتآكل فيه المعاني وتختلط فيه الرسائل.
قصة أحمد جوادي ليست سيرة شخصية فقط، بل مرآة صادقة لعطاء متواصل لا يعرف الانقطاع، ولرجل أدرك مبكرا أن خدمة الوطن لا تكون بشعارات عالية، بل بعمل متقن، وضمير يقظ، وصوت لا يخاف أن يحكي الحقيقة.