540
0
هذه طقوس وعادات سكان القصبة في رمضان

مع حلول شهر رمضان المبارك، يشهد حي القصبة العتيق في العاصمة أجواءً رمضانية متميزة، حيث يحرص السكان على الحفاظ على التقاليد والعادات القديمة التي تشكل جزءًا من هويتهم الثقافية والدينية.
نسرين بوزيان
كما يمثل هذا الشهر الفضيل فرصة لإعادة إحياء الطقوس التي يتمسك بها سكان هذا الحي التاريخي، ليعيشوا معًا أجواءً روحانية واجتماعية فريدة.
تقاليد استقبال الشهر الفضيل
تبدأ تحضيرات شهر رمضان في حي القصبة قبل أسابيع من دخوله، حيث يعكف السكان على تجهيز بيوتهم عبر طلاء جدرانها باستخدام الجير المخلوط بالنيلة الزرقاء وطحين ورق التين البربري، كما تُغسل جدران المنازل إذا لم يكن بإمكانهم طلاءها،ويُعتبر هذا التحضير جزءًا من تقاليد استقبال الشهر الفضيل.
وهذه الطقوس لا تقتصر على البيوت فقط، بل تمتد لتشمل المساجد التي يتم تنظيفها وتزيينها بالمصابيح، إلى جانب الزوايا المنتشرة في أزقة المدينة القديمة.
عادات لا تأبى الزوال
من العادات التي تشتهر بها النساء في حي القصبة، إعداد “راس الحانوت”، وهي خلطة توابل خاصة تُحضّر على الأسطح حيث كانت النساء تجتمع متلحفات بلباس الحايك في جو بهيج لتحضيره.
كما يحضرن ما يعرف ب“النافخ”، وهو عبارة فرن جمر يدوي تقوم النساء بإعداده لتحضير الطعام الرمضاني، كما تقوم العائلات بتجفيف الطماطم، وتقشير الثوم، وتحضير مختلف العجائن التقليدية من “الديول”، “القطايف” والكسكسي وغيرها من المأكولات التي ترافق موائد الإفطار.
صغير الدار صائم لأول مرة
في حي القصبة، يعد صوم الطفل الصغير لأول مرة من العادات الراسخة، حيث يُعتبر هذا اليوم من أبرز الأحداث الرمضانية في العائلة، تقول رئيسة جمعية “حواء النسوية” دليلة حميس في حديثها "لبركة نيوز": “عندما يصوم الطفل لأول مرة، يتم تحضير مائدة خاصة له فوق سطح المنزل أو على الشرفة، ويُقدَّم له التمر والحليب عند أذان المغرب، كما يرتدي ملابس جديدة ويُشجَّع على الاستمرار في صيام أيام أخرى".
وتُختتم المناسبة بترديد البوقالات التي تحمل معاني الأمل والتفاؤل مثل: “ربي يكبره في طاعتو ويفرحنا بيه نهار العيد، ويجعل صيامو ليه عادة، ويفرح بيه ميمتو وباباه”.
طقوس ليلة القدر
تُعتبر ليلة القدر من أبرز الليالي التي ينتظرها سكان حي القصبة بلهفة، حيث تعدّ هذه الليلة فرصة اجتماع العائلة على طاولة واحدة تُقدّم فيها أشهى الأطباق، كما يتم الاحتفال بختان الأطفال في هذه الليلة، حيث يُؤخذ الأطفال إلى الحمام صباحًا، وفي المساء تُقام احتفالات تزين أيد الأطفال بالحناء وسط أجواء من الفرح والبهجة.
وفي هذا السياق، أشارت دليلة حميس إلى أن الجمعيات في هذه الليلة تعرف طابعًا مميزًا من خلال تنظيم حفل ختان جماعي لفائدة الأطفال اليتامى والمعوزين في أوساط احتفالية بهيجة للعائلات بحضور فرقة الزرنة.
البوقالات والسهرات الرمضانية
بعد الإفطار، تبدأ السهرات الرمضانية في حي القصبة، حيث تُبخر المنازل بالجاوي والعنبر، وتتجمع النساء على الأسطح حول أطباق البقلاوة وقلب اللوز وأكواب الشاي والقهوة، وتسترسل تلك التي تحفظ البوقالات عن ظهر قلب في تلاوة أشعارها، ومن أساسيات “البوقالة” أن لا تنال المرأة حظها من الأبيات الشعرية إلا بعدما تمسك بجزء من خمارها أو أي قطعة قماش أمامها وتصنع منها عقدة صغيرة مرة واحدة قبل أن تفتح هذه العقدة بعد الاستماع إلى البوقالة.
وتقول دليلة حميس إن النساء يرددن ما يلي:“يا ليل رمضان يا ليل، فيك الخير وفيك البركة، ربي يكتب لي فيك دعوة مقبولة،ويحقق لي اللي في قلبي”.
طابع روحاني يعكس عبق الماضي
تُضفي الزينة الرمضانية على أزقة حي القصبة أجواءً سحرية، حيث يتم تعليق الفوانيس التقليدية والزينة القماشية على الجدران، بينما تتناثر المشاعل في الأرجاء، مما يعكس الطابع التراثي العميق للحي، يصف رئيس جمعية “أفق التراث الثقافي” توفيق فاضل ،هذه الزينة بأنها تضفي طابعًا روحانيًا خاصًا يعكس عبق الماضي.
تعزيز الروابط الاجتماعية
ويُعبر توفيق فاضل في حديثه "لبركة نيوز " عن الأجواء الروحانية لشهر رمضان في القصبة قائلاً: “شهر رمضان في حي القصبة ليس مجرد فترة صيام، بل هو فرصة لتعزيز الروابط الاجتماعية بين الجيران، حيث يتشاركون وجبات الإفطار، ويقيمون موائد الرحمة للفقراء، ما يعكس روح التكافل بين العائلات.
”
فعاليات دينية وثقافية
وأشار رئيس جمعية “أفق التراث الثقافي” إلى أن حي القصبة أيضًا يشهد تنظيم فعاليات دينية وثقافية، مثل الدروس الدينية في المساجد التاريخية وحلقات تلاوة القرآن في المساجد الكبرى مثل مسجد كتشاوة، وفي حال تزامن شهر رمضان مع المولد النبوي، تنظم مواكب الإنشاد والمدائح النبوية، مما يضيف أجواء من الفرح والروحانية إلى المدينة.
زيارة معالم القصبة الرمضانية
وعن أبرز معالم القصبة التاريخية ووجهات مميزة للزيارة في رمضان، يقول توفيق فاضل إن مسجد كتشاوة يُعد وجهة أساسية لأداء صلاة التراويح، بالإضافة إلى قصر الداي الذي يعكس التراث العثماني الغني، وسوق “باب عزون” الذي يعد وجهة مثالية لشراء التمور والحلويات الرمضانية.
القصبة بين الأمس واليوم
أبرز المتحدث أن الأجواء الرمضانية في حي القصبة كانت تتميز بالبساطة والروحانية العميقة، حيث كانت العائلات تعتمد على وسائل تقليدية في إعداد الطعام، وكانت الشوارع تعج بالمارة الذين يتسامرون بعد التراويح.
ومع مرور الزمن، تغيرت بعض العادات بسبب التطور التكنولوجي، إلا أن حي القصبة لا يزال يحتفظ بالأجواء الروحانية الرمضانية من خلال الحفاظ على بعض التقاليد الرمضانية العريقة مثل التجمعات العائلية والأمسيات الدينية.
يظل شهر رمضان في حي القصبة مناسبة ثقافية ودينية لإحياء الروح الجماعية والتآخي بين الأفراد، في مزيج من الروحانية والفرح.