159
1
اضطراب التبغ.. السحابة السوداء في سماء الأناقة
بقلم الدكتورة يمنى أبو زريق / باحثة بسلك الدكتوراه الإرشاد النفسي والتربوي -جامعة القدس المفتوحة
لطالما ارتبط التدخين ببعض الصور النمطية، باعتباره رمزاً للأناقة والاستقلال، إلا أن هذه الصورة الوردية سرعان ما تتلاشى عندما ننظر إلى الحقيقة المرة وراء تلك السحابة الدخانية، فالتدخين ليس مجرد عادة اجتماعية، بل هو اضطراب معقد يؤثر على الصحة الجسدية والنفسية، ويخلف آثاراً خطيرة جداً على الفرد والمجتمع.
تعريف اضطراب التبغ.
يُعرَّف اضطراب التبغ بأنه حالة طبية مزمنة تتميز برغبة شديدة في التدخين وصعوبة الإقلاع عنه على الرغم من معرفة الأضرار الصحية المرتبطة به. ويشبه هذا الاضطراب إلى حد كبير الإدمان على مواد أخرى، حيث تسبب مادة النيكوتين الموجودة في التبغ تغيرات في الدماغ تؤدي إلى رغبة شديدة في التدخين.
ويستمر التأثر بحالة الاعتماد النفسي والجسدي على النيكوتين في الجسم، ويعتبر هذا الاضطراب من أكثر مشاكل الصحة العامة شيوعاً، حيث يصيب ملايين الأشخاص حول العالم. ويتجلى هذا الإدمان في عدم القدرة على مقاومة التدخين، مما يؤدي إلى أضرار جسيمة على الصحة الجسدية والنفسية.
أسباب اضطراب التبغ
هناك العديد من العوامل التي تساهم في تطور اضطراب التبغ، ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
العوامل البيئية: الأسرة والأصدقاء المدخنون، وتسويق إعلانات التبغ، والضغوط الاجتماعية.
العوامل النفسية: القلق، والاكتئاب، والبحث عن الإشباع الفوري.
العوامل البيولوجية: الجينات الوراثية، وخصائص الدماغ التي تزيد من الاستعداد للإدمان.
الإعلانات التجارية: الحملات الدعائية التي تروج منتجات التبغ يمكن أن تجعلها تبدو جذابة، خصوصًا للشباب.
آثار اضطراب التبغ
يؤدي التدخين إلى مجموعة واسعة من الأمراض المزمنة الخطيرة، بما في ذلك:
أمراض القلب والأوعية الدموية: النوبات القلبية، والسكتات الدماغية، وتصلب الشرايين.
أمراض الرئة: سرطان الرئة، وانتفاخ الرئة، والتهاب الشعب الهوائية المزمن.
السرطانات: سرطان الحلق والمريء والبنكرياس والمثانة والكلى.
مشاكل صحية أخرى: ضعف الجهاز المناعي، ومشاكل الخصوبة، والشيخوخة المبكرة.
الأعراض الرئيسية
وفقًا للـ DSM 5 TR، يتم تشخيص اضطراب التبغ عندما يستوفي الشخص عددًا معينًا من المعايير التالية خلال فترة 12 شهرًا:
صعوبة في التحكم في استخدام التبغ:
صعوبة في تقليل كمية التبغ المدخن أو التوقف عن التدخين.
قضاء وقت كبير في الحصول على التبغ، استخدامه، أو التعافي من آثاره.
التوقعات:
رغبة قوية ملحة في التدخين.
مشاكل في الحياة اليومية:
عدم القدرة على الوفاء بالالتزامات الرئيسية في العمل، المدرسة، أو المنزل بسبب التدخين.
استخدام مستمر رغم المشاكل:
الاستمرار في التدخين رغم معرفة الأضرار الصحية الجسدية أو النفسية.
تسامح:
الحاجة إلى زيادة كمية التبغ المدخن للحصول على نفس التأثير.
انسحاب:
ظهور أعراض انسحاب جسدية أو نفسية عند محاولة التوقف عن التدخين، مثل التوتر، القلق، الأرق، صعوبة في التركيز، والرغبة الشديدة في التدخين.
شدة الاضطراب:
تختلف شدة اضطراب التبغ بناءً على عدد المعايير التي يستوفيها الشخص:
خفيف: وجود 2-3 معايير.
متوسط: وجود 4-5 معايير.
شديد: وجود 6 معايير أو أكثر.
عوامل الخطر
هناك العديد من العوامل التي تزيد من خطر الإصابة باضطراب التبغ، مثل:
العمر عند بدء التدخين: كلما بدأ الشخص التدخين في سن أصغر، زاد خطر الإدمان.
الوراثة: تلعب الجينات دورًا مهمًا في قابلية الشخص للإدمان.
الضغوط النفسية: يستخدم بعض الأشخاص التدخين كآلية للتكيف مع الضغوط.
البيئة الاجتماعية: التعرض للتدخين في البيئة الاجتماعية قد يزيد من خطر البدء في التدخين والإدمان.
التشخيص
التاريخ الطبي: تفاصيل السابق والحالي للتبغ.
المقابلات: استخدام أدوات تقييم مثل استبيانات خاصة باضطرابات الإدمان.
يتم تشخيص اضطراب التبغ على أساس المعايير الواردة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5). يتضمن التشخيص تقييم الأعراض السلوكية والنفسية المرتبطة بالإدمان، مثل الرغبة الشديدة في التدخين، وصعوبة الإقلاع عن التدخين، والوقت والجهد اللازمين للحصول على النيكوتين.
التدخلات العلاجية والإرشادية
الإقلاع عن التدخين عملية صعبة تتطلب الالتزام والتدخلات المتعددة، بما في ذلك:
العلاج الدوائي: تساعد الأدوية التي تحتوي على النيكوتين أو التي تحجب مستقبلات النيكوتين في تخفيف أعراض الانسحاب.
العلاج السلوكي المعرفي: يساعد هذا النوع من العلاج الفرد على تغيير الأفكار والسلوكيات المرتبطة بالتدخين.
الدعم الجماعي: توفر مجموعات الدعم بيئة آمنة لمشاركة الخبرات والمعلومات مع الآخرين الذين يحاولون الإقلاع عن التدخين.
التدخلات الإرشادية: يلعب المرشدون دورًا مهمًا في تقديم الدعم والتشجيع للمدخنين، وتزويدهم بالمهارات اللازمة للتعامل مع الرغبة الشديدة.
الحلول والتوصيات
يمكنك اتخاذ المزيد من التدابير:
التوعية والتعليم: الترويج لبرامج التوعية حول التدخين وعواقبه على الصحة.
تشجيع إيقاف التبغ: توفير الموارد لمساعدة الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة في إيقاف التدخين.
القوانين: تنفيذ القوانين اللازمة حول بيع منتجات التبغ والترويج لها.
البحث والدراسة: دعم الأبحاث التي تستكشف الطرق الجديدة لعلاج إدمان التبغ.
إن اضطراب التدخين يشكل تهديدًا خطيرًا للصحة العامة، ولابد من بذل جهود كبيرة للحد من انتشاره. ومن خلال زيادة الوعي بأضرار التدخين وتوفير برامج علاجية فعالة، يمكننا مساعدة المدخنين على التخلص من هذه العادة الضارة وتحسين نوعية حياتهم.