60
0
الذكرى الـ67 لرحيل الفنان علي معاشي: صوتا غنى للوطن و استشهد لأجله

علي معاشي، الشاب العشريني القادم من ولاية تيارت غرب الجزائر، كان يحمل سلاحًا آخر غير السلاح التقليدي، وهو فن الموسيقى، الذي استخدمه هو ونخبة من الفنانين الجزائريين ضد المحتل الفرنسي.
نسرين بوزيان
كانت كلمات أغانيه كالرصاص في صدر العدو، تردد صداه في أرجاء العالم، معبراً عن القضية الوطنية الجزائرية وصوت ثورة التحرير من خلال أغانٍ صدحت بها المسارح والإذاعات خلال سنوات النضال وبعد الاستقلال.
وتوقع الكثيرون له مستقبلًا فنيًا باهرًا، إلا أن مسيرته توقفت بعد عامين فقط، إذ لم يتجاوز عمره الثلاثين سنة.
النشأة
ولد علي معاشي في 12 أوت 1927، بحي رأس السوق الشعبي في حوش المعاشات وسط ولاية تيارت، ونشأ في شارع "كليبار"الذي أُعيد تسميته لاحقًا إلى "شارع الشهيد حمداني"، وكان والده من أعيان المدينة ومترشحًا في السلك الثاني، كما شغل منصب مستشار بلدي بين عامي 1929 و1932.
وزوال معاشي تعليمه الابتدائي في مدرسة الكرمة، لكنه اضطر إلى ترك الدراسة لمساعدة والده في العمل الفلاحي.
ليلتحق فيما بعد بالخدمة العسكرية في البحرية الفرنسية عام 1945 بمدينة بنزرت التونسية، حيث أتاح له عمله زيارة العديد من البلدان العربية والأجنبية، مما ساهم في توسيع آفاقه الثقافية وتطور خبراته الموسيقية، وخاصة في الموسيقى العربية، متأثرًا بفنانين كبار مثل الفنان التونسي قدور.
التحاقه بالثورة
مع اندلاع الثورة التحريرية عام 1954، لم يتردد معاشي في دعمها بكل وسائله الفنية، فأصبح ذراعًا فنيًا للثورة من خلال كلماته وألحانه وأداءه الغنائي.
في عام 1957، التحق بصفوف الثورة، وأسندت إليه قيادة الثورة مهمة نسخ النشيد الوطني الجزائري، الذي كتبه الشاعر مفدي زكريا، من النسخة الأصلية المستقدمة من تونس، وتوزيعه على الأوساط الشعبية لتعزيز الروح الوطنية وتوحيد الصفوف في مواجهة المحتل.
المشوار الفني
رغم قصر مشواره الفني الذي لم يتجاوز العامين، إلا أن علي معاشي ترك بصمة مميزة في الساحة الفنية ، حيث ألف ولحن وغنى العديد من الأغاني التي تناولت موضوعات المرأة والحب والوطن والثورة.
وتأثر في صغره بالقصيدة الشهيرة "مولاة الحايك" للشاعر الملحون محمد بلطرش، ثم أسس معاشي فرقة فنية سميت "سفير الطرب"،كان أعضاؤها يرتدون لباسًا وطنيًا موحدًا خلال العروض، ما أكسبهم طابعًا وطنياً واضحاً، وطاف مع فرقته عدة مناطق من مسقط رأسه بولاية تيارت إلى تونس ومصر، رغم صغر سنه الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة حينها، مستغلاً إقامته بالخدمة العسكرية في البحرية.
كما تميز بمزج النغمة الوهرانية الأصيلة بصوته العذب، مما أضفى على أغانِه طابعًا خاصًا، واشتهر بأغانٍ مثل "يا بابور"التي كانت أول ما ألف، و"تحت سماء الجزائر"و"طريق وهران"،"زيارة سيدي خالد"،و"النجمة والهلال".
ثم انتقل بعدها إلى العاصمة الجزائرية، حيث تلقى تكوينًا في الهندسة الصوتية، مكنه من العمل مهندس صوت في الإذاعة الجزائرية.
في عام 1956، سجل أغنيته الشهيرة "أنغام الجزائر"، التي جمع فيها مختلف الطبوع الموسيقية الجزائرية في عمل فني استمر لأكثر من خمس عشرة دقيقة، تم تصنيفه رمزًا للأصالة والوطنية، وقد أعاد غناؤها فيما بعد فنانون بارزون منهم نورة ووراد بومدين.
قصة أغنيته الشهيرة "أنغام بلادي"
غنى الفنان الشهيد أغنيته الشهيرة "أنغام بلادي" التي يقول مطلعها: "يا ناس ما هو عزي الأكبر… يا ناس ما هو حبي الأكبر… لو تسألوني نفرح ونبشر ونقول بلادي الجزائر"، وكانت هذه الأغنية ردا على أغنية الفنان المصري فريد الأطرش "بساط الريح" التي قدّمها عام 1950 ضمن فيلم "آخر كذبة"،حيث ذكر فيها العديد من البلدان العربية متجاهلاً الجزائر.
بعد ما غنى الأطرش خلال حفلا فنيا أقيم بعنابة إبان الثورة الجزائرية، عند انتهاء الحفل شكر السلطات الفرنسية على الاستقبال، فثار الجمهور الجزائري المؤمن بالقضية الوطنية واحتج بشدة، ما أدى إلى تكسير الكراسي، وأجبر الأطرش على شطب اسم الجزائر من أغنيته " بساط الريح".
ثم أبى علي معاشي إلا أن يرد الاعتبار لوطنه من خلال أداة الفن نفسها، فألف أغنية "أنغام بلادي"، التي أشادت بجميع المناطق الجزائرية من الشرق إلى الغرب، ومن الجنوب إلى منطقة القبائل والعاصمة، مما أكسب الأغنية مكانة وطنية خاصة.
اعدامه
في 7 جوان 1958، لاحظ الاحتلال الفرنسي التأثير القوي لأغاني علي معاشي على الرأي العام الوطني والدولي، خلال حفل غنائي ارتدى فيه أعضاء فرقة " سفير الطرب" ألوان العلم الجزائري، لتقوم قوات الاحتلال فيما بعد باختطاف معاشي مع اثنين من رفقائه، ثم نقل المحتل الثلاثة في اليوم التالي 8 جوان إلى "ساحة كارنو" (ساحة الشهداء حاليا) في ولاية تيارت، حيث تعرضوا لتعذيب شديد قبل أن يعدموا شنقا ، وتم التنكيل بجثثهم في مشهد أراد الاحتلال من خلاله بث الرعب بين الجزائريين.
و استشهد علي معاشي وهو لا يتجاوز 31 عامًا، لكن استشهاده لم يكن نهاية لصوته، بل تحول إلى رمز للتضحية والفداء في سبيل الوطن.
اليوم الوطني للفنان
تحولت ذكرى استشهاد علي معاشي إلى " اليوم الوطني للفنان" في الجزائر، حيث تُقام فعاليات ثقافية وفنية تُخلد روحه ورسالة فنه الوطني، ويتم في هذا اليوم تكريم الفنانين الجزائريين.
من بين هذه الفعاليات توزيع "جائزة علي معاشي للمبدعين الشباب"التي أُحدثت عام 2007 تزامناً مع احتضان الجزائر لتظاهرة عاصمة الثقافة العربية.
تُمنح الجائزة للمبدعين الجزائريين الشباب تحت سن الثلاثين في مجالات الرواية والشعر والعمل المسرحي المكتوب، والأعمال الموسيقية، والفنون الغنائية والرقص، والفنون السينمائية والسمعية البصرية، والفنون التشكيلية، وغيرها.
يبقى علي معاشي شهيد الوطن الذي امن برسالة التحرر باستخدام القلم والصوت والكلمات ، فكان صوتا غنى للوطن واستشهد لأجله .