339
0
عبد الحليم بن سماية: رائد النهضة الفكرية والتربوية في الجزائر

عبد الحليم بن سماية، يعتبر رمزاً للنضال والحرية، ومرآةً تعكس آمال وتطلعات شعبٍ كامل،ويعد من اهم الشخصيات الوطنية التي قادت معركة الاصلاح في الجزائر.
نور اليقين بن ناجي
وُلد عبد الحليم بن سماية عام 1866 في الجزائر العاصمة، ونشأ في بيئة محافظة تهتم بالعلم والثقافة. تلقى تعليمه الأولي في الكتاتيب، حيث درس القرآن الكريم ومبادئ اللغة العربية، ثم واصل تعليمه في المدارس الشرعية التي كانت آنذاك منبرًا لنشر العلوم الإسلامية.
نظرًا لشغفه بالعلم، انتقل إلى تونس لمواصلة دراسته في جامع الزيتونة، الذي كان يُعتبر من أهم مراكز التعليم الإسلامي في العالم العربي آنذاك.
في الزيتونة، تعمق في دراسة الفقه، اللغة، والأدب العربي، إلى جانب الفلسفة والعلوم الاجتماعية، ما أكسبه معرفة واسعة مكنته لاحقًا من خوض معركة فكرية ضد الجهل والاستعمار.
مناهضة فرنسة التعليم وإصلاح الفكر التربوي
يعد عبد الحليم بن سماية من رواد النهضة التربوية والفكرية في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية، آمن بأن التعليم هو أساس النهوض بالأمة الجزائرية، وسعى إلى نشر المعرفة رغم القيود التي فرضها الاستعمار على التعليم العربي والإسلامي.
أدرك بن سماية أن الاحتلال الفرنسي لم يكن مجرد هيمنة سياسية، بل كان يسعى إلى طمس الهوية الجزائرية من خلال فرنسة التعليم. ولهذا، ركز على ترسيخ الهوية الوطنية عبر تعزيز التعليم باللغة العربية ونشر المعارف الدينية واللغوية بين الأجيال الصاعدة.
شغل عدة مناصب في قطاع التعليم، وساهم في تطوير مناهج تدريسية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، مع التركيز على بناء الشخصية وتعزيز قيم الاستقلال والوعي الثقافي.
المساهمة في انشاء المدارس
ساهم في تأسيس مدارس عربية وإسلامية للحفاظ على اللغة العربية في التعليم، رغم المضايقات الاستعمارية.
كما كتب مقالات ودراسات تناولت قضايا التربية، محذرًا من مخاطر الجهل والتبعية الفكرية، وداعيًا إلى تبني الفكر النقدي والعقلاني لمواجهة الاستعمار ثقافيًا.
رغم التحديات، نجح بن سماية في ترسيخ مبادئ الإصلاح التربوي والفكري، مما جعله أحد الملهمين للحركة الإصلاحية الجزائرية ليظل اسمه رمزًا للمقاومة الفكرية، حيث آمن بأن التعليم والمعرفة هما السلاح الأقوى في مواجهة الاستعمار والحفاظ على الهوية الوطنية.
إسهاماته الفكرية والأدبية
إلى جانب عمله في التعليم، كان عبد الحليم بن سماية مفكرًا بارعًا وكاتبًا غزير الإنتاج، كتب العديد من المقالات والدراسات حول قضايا التربية، الثقافة، والهوية الوطنية، وكان من دعاة الإصلاح الاجتماعي والفكري.
كان له دور كبير في نشر الوعي بين الجزائريين، حيث عمل على محاربة الجهل والخرافات، ودعا إلى تبني أساليب التفكير العلمي والانفتاح على العالم مع الحفاظ على القيم الإسلامية، كما كان أحد المدافعين عن حقوق الجزائريين في التعليم والكرامة الإنسانية، في وقت كانت فيه فرنسا تسعى إلى محو الشخصية الجزائرية.
خاض معركة فكرية
لم يكن عبد الحليم بن سماية مجرد عالم ومصلح تربوي، بل كان أيضًا من أوائل المفكرين الذين أدركوا أن الاحتلال الفرنسي لم يكن يسعى فقط إلى السيطرة العسكرية على الجزائر، بل كان يعمل على طمس الهوية الجزائرية عبر فرنسة التعليم والثقافة، ومن هذا المنطلق، خاض معركة فكرية وثقافية ضد الاستعمار، معتبرًا أن المقاومة ليست فقط بالسلاح، وإنما أيضًا بالقلم والمعرفة.
كانت السلطات الفرنسية تسعى إلى طمس الهوية الجزائرية من خلال فرض اللغة الفرنسية في المدارس وإضعاف التعليم العربي والإسلامي، لذلك
كان يرى أن نشر التعليم والوعي هو السبيل الوحيد لمواجهة الاستعمار، ولذلك ركّز على تثقيف الشباب الجزائري وتعليمهم مبادئ دينهم ولغتهم وتاريخهم، حتى يكونوا على دراية بماضيهم وهويتهم، ولا يقبلوا الذوبان في المشروع الاستعماري
محاربة الاستعمار فكريًا وإعلاميًا
لم تقتصر مقاومة بن سماية على المجال التعليمي، بل امتدت إلى المجال الفكري والإعلامي. كتب العديد من المقالات والدراسات التي فضح فيها سياسات الاستعمار، محذرًا الجزائريين من محاولات مسخ هويتهم.
كما دعا إلى ضرورة التمسك بالثقافة الإسلامية والعربية، وعدم الانسياق وراء سياسات الاستعمار التي كانت تهدف إلى خلق جيل جزائري منسلخ عن هويته. كانت أفكاره بمثابة حجر الأساس للحركات الإصلاحية التي ظهرت لاحقًا، وعلى رأسها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي حملت راية الدفاع عن الإسلام والعروبة ضد الاستعمار الفرنسي.
التضييق الاستعماري عليه
بسبب مواقفه المناهضة للاستعمار، تعرض عبد الحليم بن سماية لمضايقات من السلطات الفرنسية، التي كانت تعتبره مصدر إلهام للحركات الوطنية الجزائرية الناشئة، فقد حاولت السلطات تقييد أنشطته التعليمية والفكرية، لكنها لم تستطع إيقاف تأثيره الكبير على المجتمع الجزائري.
ورغم كل الضغوط، ظل ثابتًا على مواقفه، وواصل جهوده في نشر التعليم والثقافة، مؤمنًا بأن المعرفة هي السلاح الأقوى في مواجهة الاستعمار.
وفاته وإرثه
توفي عبد الحليم بن سماية سنة 1933، تاركًا خلفه إرثًا فكريًا وتعليميًا غنيًا. ورغم رحيله، إلا أن أفكاره ومبادئه ظلت حية، واستمر تأثيره في الأجيال اللاحقة، خاصة في الحركة الإصلاحية التي قادتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
اليوم، يُذكر عبد الحليم بن سماية كواحد من أبرز الشخصيات التي ساهمت في حماية الهوية الجزائرية خلال الاستعمار، ومهدت الطريق للنهضة الفكرية والثقافية التي شهدتها الجزائر فيما بعد.،ونموذج للعالم والمصلح الذي آمن بأن التعليم والمعرفة هما السلاح الأقوى في مواجهة الاستعمار، وهو ما يجعل اسمه محفورًا في ذاكرة الأمة الجزائرية.
بعد وفاته، استمرت أفكاره في التأثير على الأجيال اللاحقة، وساهمت في تشكيل الوعي الوطني الجزائري. كما كان لفكره التربوي والإصلاحي دور كبير في دعم الحركة الوطنية الجزائرية التي واصلت الكفاح حتى تحقيق الاستقلال.