273
0
عالمٌ المادة فيه أفضل من الإنسان
بقلم/ مسعود القرار
كلما تطور العالم الحديث تباعد على المهمة المنوط بها و انغمس في حب المادة و جعلها العامل الأساسي في الحياة و اتخذها من الأولويات حتى جردته من إنسانيته و معاملته اتجاه بني جلدته و سيطرت عليه تماما فأصبحت تسيّره كآلة لا تفكر إلا في ما تجمعه من مادة ليسيطر بها على الأخرين.
فأبعدته عن إنسانيته و كل ما يتعلق بعالم الروحيات و غمسته في عالم الشهوات تحت شعار الحرية و التفتح و صَبَّ تفكيره في تدمير أخيه و تفقيره ليتربع على عرش الكرة الأرضية كلها.
إنها صورة نعيشها اليوم في هذا العصر فلا تكاد تجد إلا أن تقول ما أصعب على الإنسان معرفة نفسه، هي عبارة متداولة و مدلولها يفسر على إتجاه رؤية قائلها.
فعلى مر الزمان كان الإنسان يَكِد في الحياة و يبذل كل جهده و يشيد و يمتلك و هو يدري أنه راحل من هذه الحياة و في نفس الوقت يتناسى و يتجاهل ذلك، نتيجة الهجوم الشرس المسلط عليه من حب التملك و التمسك و التوسع أكثر فأكثر من الأخرين فتدفعه قوته للغزو و التحكم لكل في ما يحدث أو يتحرك ضده في المعمورة كلها بدون اهتمام و شفقة على حساب ما يواجهه مهما كان نوعه، وبتصرفه و سلوكه المستمر بدون هوادة يقترب شيئا فشيئا من الزوال و الهلاك.
إنما ما يحدث الآن في فلسطين من حرب الكيان صهيوني على شعب أعزل أمام مَرْأىً وَمَسْمَعٍ مِنَ العالم يوميا، فهي دوامة خالية من كل تفكير و حكمة و تبصر و ليست منصبة إلا على مَنْ هو البطل الإعلامي و على تخويف الضعيف أمام الملأ و على شحنة التكبر لتحقيق مخطط مادي بامتياز لإبادة المخلوق المظلوم رغم إدانة الشرع الإلهي و الوضعي، و على تحطيم كل شيء و لو كانت البشرية جمعاء بدون مبالاة بالعواقب و بتجاهل الرؤية المخالفة العازمة على أن جوهر التحرير و النصر هو الثبات في الأرض مهما تطلب الأمر من جهاد طالت المعركة أو قصرت.
هذه العزيمة مستمدة بإيمان يقيني من سنة سيرورة البشرية في الكون التي لا أحد له القدرة عليها مهما كانت قوته و عزيمته و وسائله.
إن ظهور التصادم في الآونة الأخيرة بين نظرة تسيير العالم بقوة المادة و النظرة معاكسة لها، أصبحت ملفتة و منبهة للمجتمعات أكثر نظرا للتواصل و الإحتكاك فيما بينهم و أدركت الشعوب أن ما سارت عليه المعمورة بعد ما خطط منذ الحرب العالمية الثانية، كان عبارة عن مجتمعين واحد يعيش في الحديقة و أخر في الأدغال.
في علم السياسة أو التسيير بصفة عامة مهما تكن من قدرة تفكيرية لا تستوفي و لا تلبي رغبات المجتمع ككل محكوم عليها بالزوال بعد مدة معينة. (الشيوعية – الرأسمالية إلخ...).
فمصطلح و شعار القطبية المتعددة أو المساواة بين مواطني العالم له رغبته و الأخذ به في درب الحياة الحالية لمدة معينة كما سبقه من رُؤىً من قبل.
هذا البرنامج أو المخطط ما زال في بدايته و لم تعرف عنه البشرية الشيء الكثير و لم يكن كسابقيه مدعم بالقوة العسكرية بل جاء مكيف بحسب تطور الإنسان علميا و إجتماعيا و يوحي بحماية المجتمعات الفقيرة و إعطائها حقها من العيش و لو نسبيا فلو يتركز على هذا الجانب ربما تكون له مدة أكثر من سابقيه.
فالحرب على شكل عصابات اثبتت عبر الزمان جدواها ناهيك عن أن المظلوم يطالب بحقوقه و كرامته وبقائه صامدا في مبادئه و مكافحته عبر الأجيال و لم يستسلم رغم البطش و التشريد و الإبادة، لأنها حرب المنافس فيها خفي و محمي من وسطه و أرضه و مجتمعه.
وفي تصوري ما يجري في غزة هو صراع بين كيان يخطط للتوسع و بين مَنْ أعد العدة ضمن ما يطمح له كل مستضعف في هذا الكون ممزوج بإيمان عقائدي لا ينتهي.