202
0
عادات وطقوس ترفض الإندثار.. هكذا يحيي سكان منطقة القبائل رأس السنة الأمازيغية
يتزامن تاريخ 12 جانفي 2025 مع حلول رأس السنة الأمازيغية الجديدة الموافق ل 1 يناير 2975حيث يعود الاحتفال بهذه المناسبة حسب المؤرخين إلى سنة 950 قبل ميلاد المسيح عليه السلام عندما هزم الملك الأمازيغي ششناق، ملك فرعون رامسيس الثاني و جيوشه الذين حاولوا عدة مرّات غزو بلاد الأمازيغ عبر الحدود المصرية الليبية إلاّ أنّ قوة الملك ششناق و جيوشة كانت أعظم و أقوى و كانت لهم بالمرصاد.
رشيد محمودي
ومنذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا والأمازيغيون بما فيهم بلاد القبائل و الشاويين و الترقيين و كذا بني ميزاب بالإضافة إلى عدة مناطق أخرى عبر مختلف ربوع الوطن يحتفلون بالمناسبة حيث أن لكل منطقة طريقتها الخاصة بالإحتفال، إذ تستعد العائلات القبائلية بولايات تيزي وزو وبحاية والبويرة وبني ورثيلان شمال ولاية سطيف للإحتفال بحلول رأس السنة الأمازيغية الجديدة قبل أيام قليلة من الحدث آملة منها أن يكون العام الجديد فال خير عليهم و يرجون بداية سنة جديدة أفضل من سابقتها.
ومن العادات و الطقوس الموروثة أبا عن جد و المشتركة بين كافة سكان هذه المناطق و التي لا تزال تحييها كل العائلات سواء في المدن أو القرى هي طبق الكسكسي المشهور مع سبعة أنواع من البقول الجافة وهي الفاصولياء ، العدس ، الحمص ، الشعير، الفول القمح و الرز و يكون الدجاج المذبوح في المنزل هو السيد في هذا الطبق و الذي يكون قد إشتراه رب العائلة قبل يوم أو يومين عن بداية السنة و تكون عادة ذبح الدجاج في البيت و إسالة الدماء شرط أساسي للإحتفال برأس السنة الأمازيغية و ذلك –حسبهم- لإبعاد العين و النحس و كل الأمور السيئة التي من شأنها أن تصيبهم خلال السنة الجديدة .
وإضافة إلى طبق الكسكسي، تقوم ربات البيوت بإعداد المعجنات و مختلف المأكولات التقليدية مثل المسمن البغرير الخفاف المطلوع و غيرها من المأكولات الشعبية التي تشترك فيها أغلب العائلات القبائلية، و تكون الغاية الأسمى من الإحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة لدى سكان منطقة القبائل هو لم الشمل و كذا صلة الرحم حيث يجتمع كل أفراد العائلة حول مائدة العشاء ، كما تقوم العائلات أيضا بتبادل الزيارات فيما بينها و تبادل الأطباق المحضرة وهذا لتعميم الفرحة و ترسيخ مبادئ الأخوة و التراحم بين الجميع، و للأطفال طريقتهم الخاصة بالإحتفال بالمناسبة وهذا بإقتنائهم أجمل الملابس لإرتدائها في هذا اليوم ليقابلوا السنة الجديدة في أحسن حلة، كما تتخذ بعض العائلات هذا اليوم عادة لحلق شعر الطفل الذي بلغ سنة واحدة من عمره.
و من جهتها تقوم عائلات أخرى بعملية ختان لأبنائها وسط جو بهيج من الفرحة بحضور الأقارب و الأصدقاء ، وفي السهرة تجتمع النساء فيما بينهن حول طاولة الشاي مرفوقة بالخفاف و المسمن لترديد الأغاني الخاصة بتراث منطقة القبائل كما توزع في الأخيرالحلويات و المكسرات على الذين حضروا الإحتفال شاكرين الله عز و جل على نعمه متضرّعين له ان تكون سنة خير للجميع و أن يرزقهم من فضله ما يشاء.
مناسبة للم شمل العائلات والاستعداد لموسم الزرع
هذا وتحرص العائلات القبائلية بالمناسبة على الاحتفال بإحياء العادات والطقوس المتوارثة عن الأجداد بكل تفاصيلها رغم تعاقب السنين والأجيال وتغير نمط الحياة، فربات البيوت يحضرن مختلف الحلويات التقليدية مسبقا كي يتناولها أفراد العائلة، كما يوزع جزء منها على الأحباب والأقارب والمحتاجين، ويقوم الرجال باقتناء الدجاج وذبحه في البيت، ليتم تحضير طبق الكسكسي بالمرق الذي يحوي مختلف أنواع البقول ويجتمع على المائدة كل أفراد الأسرة، ومن بين التقاليد المتوارثة؛ نحر ديك على كل رجل من البيت ودجاجة عن كل امرأة، وديك ودجاجة على الحامل، لأن المعتقدات السائدة تشير إلى أن سيلان الدماء يقي أهل البيت من الأمراض والحسد على مدار أيام تلك السنة.
كما تقوم النساء بتحضير أطباق مختلفة من الطبيعة، فخدمة المرأة القبائلية للأرض ليس من أجل توفير متطلباتها فحسب، وإنما عادة ورثتها عن الأجداد الذين يخدمون الأرض بقلوبهم، فالعادات بالمنطقة شيء لا يختلف فيه اثنان، الهدف منها جمع شمل الأسر وتوحيدها.
فعلى مائدة يناير يجتمع أفراد العائلة الواحدة لتناول طبق المناسبة التي يتم التحضير لها على مدار أيام السنة، من خلال ادخار عدة بقول وخضر جافة بهدف تحضير طبق “ثاربوث إيسوفار” أي الطبق متعدد البقول، حيث يشترط أن يضم 7 أنواع من البقول الجافة، مع إضافة لحم الأضحية.
وأهم ما يميز مائدة يناير؛ تقديم مختلف الأكلات في صحون من الفخار، تعيد إلى الأذهان ذكريات من الزمن القديم، حيث كان أفراد العائلة لا يتخلفون عن العشاء، ويكون “إمنسي نيناير” فرصة رائعة للاجتماع على مائدة العشاء، لأنه سيحدد مستقبل العائلة ورزقها طوال أيام السنة الجديدة، لذلك تحرص النساء على تنوع المأكولات، لاسيما منها المحضرة من العجائن كـ”الخفاف”، “المسمن”، “ثيغريفين”، “أشباظ”، احدور، “أغروم بولحوال”، “ثاحنونت بشراو”، وغيرها لما لها من معان وقوة التمسك بموروث الأجداد.
ومن جملة العادات المتوارثة أيضا، أن يسأل كل واحد الآخر إذا شبع 3 مرات، وعلى الفرد الذي سئل الإجابة بنعم 3 مرات، ويسأله هو الآخر بنفس السؤال بعد الانتهاء من الأكل، بنية أن يبقى الفرد شبعانا طيلة السنة، كما تعمد ربة البيت إلى الاحتفاظ بحصة المغترب التي تعمد إلى تحضيرها ووضعها على الطاولة طيلة ليلة كاملة.
كما تتفق النساء على ضرورة وصول عشاء يناير إلى كل البيوت، وإذا أمطرت السماء في تلك الليلة أو في اليوم الأول من السنة الجديدة، فإن الأمطار ستنزل بغزارة خلال هذه السنة، وسيكون الموسم الفلاحي جيدا وتكون المحاصيل الزراعية وافرة، كما لا يتم غسل الصحون في هذا اليوم، وتترك لليوم الموالي.
من جهتها، تقدم الزوايا بالمنطقة طبق الكسكسي باللحم لطلبة “تمعمرت”، كما يتم قراءة القرآن، والدعاء إلى الله بحفظ وستر العائلات ورزقها بالصحة والخير وجمع شمل أفرادها مع الصلاة على الرسول الحبيب، وختمها بأدعية والتذكير بأحاديثه في حب الغير.
وتتواصل أجواء الفرحة والبهجة في سهرة طويلة تجمع الأسرة بأحبابها وأقاربها لقضاء وقت ممتع في جو احتفالي، لاسيما مع “أشويق” و”أورار” الذي تؤدي فيه النساء أغاني جميلة تجمع بين الرقص والفكاهة، مع الدعاء بالصحة والخير الوفير في السنة الجديدة وتبادل التهاني والتحيات، ولعل اهتمام سكان القبائل بمثل هذه العادات ليس فقط لأنها موروثة كذلك، كونها مناسبة تنسى فيها العائلات النزاعات والخلافات.