ما أعظم تاريخ بلدتي ومسقط رأسي
وأنا لموطنِ خافقي أتضوَّرُ
و جَنينُ أشواقي غَدَا يتكوَّرُ
و غَدًا أَمرُّ عَساهُ يَهْدأُ لاعِجِي
فهوَى و عشقُ (بني عزيزَ ) مُجذَّرُ
بني عزيز هي دائرة بولاية سطيف الجزائرية عدد سكانها يتجاوز 40 ألف نسمة وهي تابعة إداريًا لولاية سطيف ، و كانت تسمى شوفرول Chevreul في الفترة الاستعمارية وبعد الاستقلال عرباون ثم بني عزيز حاليا وتبعد عن مقر الولاية سطيف ب60 كلم وعن الجزائر العاصمة ب 360 كلم. تضم الدائرة عدة بلديات هي: عين السبت، بني عزيز و معاوية واذكر لكم بعض القرى و مداشر مثل الفردوي أولاد الحاج ،القرية الفلاحية ،البحباحة ،أولاد بــــاديس ،بورديــــــم ،بحيرة عافية ،شعاب الزكار… إلخ
بني عزيز بلدة تاريخية تضم اقليم أكجان (لحجار حاليا) وكان مقر عاصمة الدولة الفاطمية سابقا والذي يضم في جوفه الآثار الفاطمية المدفونة والتي تروي حكاية المعز لدين الله الفاطمي و تشهد على أيام حكمه ،ثم رِحلته من هذه البلدة العريقة إلى مصر بجيش عظيم قاده جوهر الصقيلي حيث أسس القاهرة ، و أصبح الجميع الآن يكتب هذه العبارة( من قاهرة المعز… )
أثناء غزوه للقاهرة اخذ معه فوانيسا من اكجان ليضيئ بها القاهرة ومصر عامة،
وَ بَنَى المُعِزُّ الفاطِميُّ قِلاعَه
و اكتظَّ في ( أَكْجانَ) رتلٌ مُذعِرٌ
بِبَنِي عزيزَ توهَّجتْ أَقْواسُه
و انسابَ سهمٌ رادعٌ و مُسَيْطرُ
حطّ الرِّحالَ بمصْرَ و ابنةُ رَحْلِهِ
فانوسُ ( لَحْجارٍ ) و نورٌ مرمرُ
و أضاءَ قاهرةَ المعزِّ سِجِنْجِلا
و الصّائمون على ضِيائِه أَفْطَروا
جَعلوه عُرفًا كالنَّسيم بِعِيدِهِ
وقْتَ الغُروبِ بهِ الشوارعُ تُقْمرُ
ماضيكَ يا (لَحْجارُ) يرْوي مَجْدَنا
إنِّا هُنا أصحابُ جِذعٍ يُثمرُ
توالت الدول الحاكمة والغزو الاستعماري الذي عانت منه الجزائر و تجرع مرارته معظم سكان بني عزيز من قهر وظلم وتشريد وخاصة أيام الاستعمار الفرنسي الغاشم الذي نهب خيرات وثروات الجزائر ثم محاولة فرنسة الجزائر واستعباد شعبها.
انفجرت الحرب العالمية الثانية وشاركت فرنسا مع حلفائها ضد النازية الألمانية و جندت كل قواتها للإطاحة بألمانيا فعززت قواتها وجيوشها بشعوب مستعمراتها و ضمتهم الى ترسانتها العسكرية و رحَّلتهم إلى ساحة الحرب والمعارك الضارية، فاستعملتهم كدروع بشرية بالصفوف الأمامية لحماية جيوشها من بطش وقوة هتلر .
و كان بينهم كَمٌّ هائل من الجزائريين الذين وعدتهم بمنحهم الاستقلال بعد الحرب و الانتصار، انتصر الحلفاء وانتهت الحرب العالمية الثانية ،عاد الناجون إلى الجزائر واحتفلوا بالنصر وقاموا بمظاهرات سلمية مطالبين بالاستقلال الذاتي للجزائر يوم 8 ماي 1945 في كل من سطيف ،قالمة وخراطة لكن فرنسا اخلفت الوعد وهاجمتهم بكل قوة برًّا و جوًّا وأبادتْ الجميع فكان عدد ضحايا المجزرة أكثر من 45 ألف شهيد .
مايُو تَنفّسَ يَوْمَ ثامنِه أسًى
والموتُ مَلْحمةٌ و للدَّمِ تَهْصِرُ
مذْ صار حبُّ النّصرِ سوءَ خَطيئةٍ
أضحى دَثارُ الأرضِ بالدَّمِ يَقطُرُ
نجا البعض من سكان بني عزيز الذين شاركوا في المظاهرات من هذه المجازر الرهيبة بسطيف وعادوا إلى ديارهم و أخبروا السكان بوحشية وهمجية فرنسا وبشاعة المجزرة الرهيبة في حق المتظاهرين العُزّل.
قرر الأهالي الانتقام من فرنسا فكان إعلان الثأر لاخوانهم و لوطنهم النفيس الجزائر ، فهاجموا الكولون المتواجد في بني عزيز و قُتل منهم ستة فرنسيين من بينهم
M. Georges Caste, de Mme et M. Bovo
- أما أفراد الكولون الذين نجوا من انتقام الأهالي بعد تلقيهم الخبر فقد اختبأوا بالثكنة العسكرية وكانوا يطلقون الرصاص بالرشاشات على كل شخص يقترب منهم.
- فشل الأهالي في اقتحام الثكنة العسكرية وليس بحوزتهم سوى الشجاعة وبعض بنادق الصيد التي تعجز عن التصدي لهذه الرشاشات .
*سيطر الأهالي على الوضع وكانت الفرحة كبيرة حيث شاركهم فيها كل سكان القرى المجاورة والمداشر. *فرنسا جندت جيشا قويا و هاجمت أهل بني عزيز و أبادتهم بالرصاص والحرق في الخنادق و المطامير و طاردتهم في كل مكان من الجبال والوديان والقرى…
*أحرقت كل البيوت ،اقتلعت كل الأشجار والنباتات، قتلت الصغار والكبار و حتى الحيوان، فرنسا لم تترك شيئا أخضرا أو يابسا إلا و أهلكته و أبادته .
*فرَّ الأهالي إلى جبال بابور و سيدي ميمون والفردوي والاربعاء وغيرها من المناطق الصعبة فأهلكهم الجوع حتى أصبحوا يأكلون الحشيش لمدة ستة أشهر .
فرنسا تعلن عفوها عنهم وتطالبهم بالعودة إلى بني عزيز وإلى مداشرهم
يطمئن الأهالي لدعوتها ويعودون فتحاصرهم فرنسا في ساحة كبيرة ببني عزيز وتكبل الرجال لتستبيح حرمة النساء أمامهم و تطلق الرصاص على كل من يحاول الدفاع عن عرضه .
* حوالي 300 شخص عرضتهم للشمس والعطش والجوع لمدة 48 ساعة ثم طلبت منهم تادية الصلاة عكس جهة القِبلة . *قامت بالتعذيب الكهربائي و وضع الأهالي في أحواض مائية حتى تنتفخ أجسادهم ثم تصعقهم بالكهرباء بشكل متتالي دون شفقة أو رحمة لمدة 17 يوما ثم نقلتهم الى السجون بولاية سطيف وقسنطينة و الحكم عليهم بالمؤبد أو الإعدام.
هذا جزء صغير مما استطعت أن اكتبه عن فظاعة الأحداث بدائرة بني عزيز .
يوم تاريخي مأساوي موشوم بذاكرة السكان وثكنة عسكرية شاهدة بصورها على بشاعة المجازر ،تلك الثكنة التي كنت اتعجب في بنائها الشاهق بالحجر والقرميد ولها جمال بديع لكي تنكل وتعذب وتذبح سكان بني عزيز داخلها بكل وحشية ولحد الآن لا ندري ماسبب هدمها بالاضافة الى قنطرة الزنڨروط التي كانت مسرحا لعمليات القتل و رمي الجثث منها الى الوادي.
في (زَنْڨَرُوطَ) الظُّلمُ عَرَّى وجهَه
كفُّ المنايا النازفاتِ تَسَعّرُ
أذْكتْ فرنسا الموتَ بينَ شِعابِها
و الشعبُ يُرمى بالرَّصاصِ ويُنحرُ
أسوارُها صُقِلتْ بِملحِ دمائِهِ
و صدى العويلِ بِجسرِها يَتكرّرُ
هذه هي فرنسا الحقيقية الأخطبوط الاستدماري والامبراطورية الاستعمارية التي تجردت من الانسانية لأجل أطماعها ومصالحها. رحم الله شهداء الوطن وحفظ الجزائر من كل يد تدنس ترابها المبارك .