52
0
ذكرى المبايعة الأولى للأمير عبد القادر.. اللبنة الأولى للدولة الجزائرية الحديثة ومشروع المقاومة الوطني

في الذكرى الثالثة والتسعين بعد المائة لها، تظل المبايعة الأولى للأمير عبد القادر، التي جرت تحت شجرة "الدردارة" بمنطقة غريس في 27 نوفمبر 1832، حدثاً تأسيسياً في الذاكرة الوطنية، لا مجرد حادثة عابرة في مسيرة الكفاح الجزائري ضد الإستعمار الفرنسي.
قسم التحرير
ويرى باحثون ومؤرخون من ولاية معسكر أن هذه المبايعة كانت الإنطلاقة الفعلية لبناء مشروع وطني متكامل، جمع الشتات ووحد الصفوف أمام المستعمر الغاشم. فبحسب الأستاذ لحسن جاكر، المختص في تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر من جامعة مصطفى اسطمبولي بمعسكر، فإن هذه البيعة "جمعت الكلمة ووحدت صفوف القبائل الجزائرية لمواجهة المستعمر"، مؤكداً أنها منحت مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة "شرعية وشعبية لقيادة الجهاد".
ولم تكن البيعة مجرد إجراء شكلي، بل كانت، كما يوضح الباحث في تاريخ المقاومة الشعبية أحمد طواقين، "تكريساً لمشروع وطني يرتكز على هدف واحد متمثل في طرد القوات الإستعمارية الفرنسية وإعادة بعث الدولة الجزائرية". مشيراً إلى أن الطريقة التي تمت بها، "في إطار مبدأ الشورى وبحضور شيوخ القبائل والأعيان والعلماء والفقهاء"، قد أضفت عليها "طابعاً شرعياً يربطها بالدفاع عن الدين والأرض والعرض".
وأبرز الباحث طواقين البعد الحضاري والتأسيسي لهذه المرحلة، حيث كانت البيعة لحظة مفصلية "لتأسيس دولة وطنية حديثة قائمة على مؤسسات منظمة"، من خلال "إنشاء جيش نظامي ودواوين تعنى بالإدارة والقضاء والمالية، فضلاً عن ربطها علاقات دبلوماسية مع عديد دول العالم". مؤكداً أن هذه المحطة "غيرت مجرى تاريخ الجزائر الحديث وأسست لمقاومة وطنية منظمة وأرست دعائم الدولة".
من جانبه سلط الأستاذ تقي الدين بوكعبر، من جامعة معسكر أيضاً، الضوء على حجم التحدي الذي واجه هذا المشروع الناشئ، مشيراً إلى أن المبايعة شكلت "اللبنة الأولى للدولة الجزائرية الحديثة التي واجهت من 1832 إلى 1847 واحدة من أقوى جيوش العالم آنذاك". وكشف أن الأمير عبد القادر كان يعتمد في إدارة معركته على الكفاءات العلمية، حيث "نصب العلماء والفقهاء قادة لجيشه وخلفاء له في مناطق عديدة بالوطن، على غرار مصطفى بن التهامي ومحمد البوحميدي الولهاصي ومحمد بن علال".
وتظل ذكرى المبايعة الأولى للأمير عبد القادر تذكيراً بأحد أعظم الدروس في التاريخ الجزائري أن الإرادة الجماعية عندما تتوحد حول مشروع وطني واضح وتؤسس على الشرعية والعلم قادرة على مواجهة أعتى القوى ووضع اللبنات الأولى لدولة عصرية، حتى في أحلك الظروف.

