347

0

صهيل الشعر عند فرحان الخطيب

 

 بقلم : سامي مهنا

           

ليس غريبًا على شاعرٍ عربيٍّ سوريٍّ أصيل التّماهي مع فلسطينَ وقضيّتها بروحٍ قوميّة جيّاشة، وهو سليل دوحة محاربي الاستعمار في جبل العرب الأشمّ، الّذي سطّر تاريخ البطولات والثّورات والعزّة والكرامة الوطنيّة والقوميّة والانسانيّة. من يقرأ هذه المجموعة الشّعريّة دون أن يعرف الشّاعر، لا يمكنه إلاّ الاعتقاد أنّه فلسطينيٌّ حتّى النّخاع وآخر الوجد، فالقضيّة الفلسطينيّة كانت ولا تزال قضيّة الشّرفاء من العرب وأحرار العالم، بغضّ النّظر عن انتماءاتهم الاقليميّة، ولكنّ المدهش أنّ شاعرنا الأستاذ فرحان الخطيب، يكتب عن فلسطين كأنّه يكتبها من داخلها، فهو يعيش تفاصيل الأمكنة والتّاريخ والحاضر والأحداث والرّموز والأسماء والرّؤية والمقولة الوطنيّة المتّسعة، فهو يرى فلسطين بكامل ترابها ومائها وسمائها ولا يجتزئ منها ما أجتزئ في نكبة عام 48. وقد يكون هذا الدّيوان أو هذه المجموعة الشّعريّة هي الأولى الّتي تصدر مُواكبة الحرب الأخيرة على غزّة، في أعقاب عمليّة طوفان الأقصى، وإنّما تتطرّق إلى ما هو أبعد من هذه الحرب، وتدخل في طيّات وأبعاد وأعماق القضيّة الفلسطينيّة برمتّها، وهنا يتحدّ العربيّ السوريّ بتراب وشعب وتاريخ ومقدّسات وواقع فلسطين، لا بمشاعره العروبيّة فحسب، بل بانتماءٍ كامل الأبعاد لفلسطين، الّتي هي في الواقع التّاريخي جزء لا يتجزّأ من بلاد الشّام، فجنوب بلاد الشّام، هي أحد مسميّات فلسطين تاريخيّاً. ويجد القارئ أيضًا الرّوح الانسانيّة الّتي تحرّك مشاعر الشّاعر، فهو يتحدّث إلى جانب الأمل، عن المأساة، فالظّلم الّذي وقع على الشّعب الفلسطيني منذ قرن من الزّمان، حرّك ولا يزال المشاعر الإنسانيّة لدى أصحاب القلوب اليقظة، فالقضيّة الفلسطينيّة، ليست قضيّةً سياسيّةً فحسب، وإنّما هي قضيّة انسانيّة من الدّرجة الأولى، وهي محكٌّ لإنسانيّة المتضامنين معها، أينما وُجدوا. الأستاذ فرحان الخطيب، شاعرٌ متمكّنٌ، قابض على ناصية اللّغّة، ومتحكّمٌ بلجام مهرتها، وحركات وساكنات وايقاعاتِ عَروض الشّعر، فهو يكتب على البحور الفراهيديّة المتنوّعة، متنقّلاً بين القصيدة العموديّة وقصيدة التّفعيلة، بمهارة العارف المتحكّم باختلاف الأساليب، مستخدمًا ومطوّعًا البلاغة والبيان، بما يخدم الشّعر بأسلوبه ومعانيه.

فهو من الشّعراء الّذين يجمعون بين الشّعر الكلاسيكيّ والحداثة في آن، فالحداثة الشّعريّة ليست انقطاعًا عن التّراث الشّعريّ القديم، بل اتصال به وانفصال عنه بالقوّة ذاتها. وينوّع الشّاعر أيضًا بين القصيدة المباشرة، والواضحة كوضوح دم الشّهداء المراق، وحجم الدّمار، الّذي يصفهما بحرقةٍ ودمعٍ متجسّدٍ بالكلمات، وبين القصيدة الّتي تميل إلى الغموض، كما تستدعي معانيها. وهناك مقولة لشاعر المقاومة الفلسطينيّة سميح القاسم، الّذي خصّه شاعرنا بقصيدة في هذا الدّيوان، إلى جانب الأسماء الحسنى لشعراء المقاومة محمود درويش وفدوى طوقان، يقول فيها: "لا يمكن وصف الدّم والمأساة الواضحة بالغموض. والوضوح امتحان؛ يُكرّمُ فيه الشّاعرُ أو يُهان". وشاعرنا فرحان الخطيب، يُكرّمُ ابداعًا في هذه المجموعة حتّى في قصائده الّتي لا تحتمل إلاّ المباشرة والوضوح نسبة لمضامينها.

ويجيد شاعرنا التّأمل بهذا النّموذج كمثالٍ لا للحصر بقوله:

"ولأنّنا لا نملكُ العزفَ الجميلَ..

ولا المُلوّنَ بالحكاياتِ القديمة ِ انتصاراً هاهنا..

جئنا..

لكي نبكي عليكْ..

ولعلّنا نحتاجُ حلمكَ كي نُعمّرَ من حجارتهِ..

مداميكَ اشتياقٍ صُغْتَها..

من نبضكَ الممتدِّ من يافا ليقظةِ ناظريكْ"..

وبهذا هذا النّموذج العالي أترك القرّاء لمسيرة قراءة هذا الدّيوان، الّذي تشرّفت بتقديمهِ، متمنّيًا للأخ الكبير الشّاعر فرحان الخطيب، دوام الصّحة والابداع والعطاء الأجمل.

--------------------- 

 سامي مهنا : شاعر وأديب فلسطيني ، ولد في البقيعة، الجليل في فلسطين .

  •  الرئيس السابق للاتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين 48  .
  •  

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services