352
0
شهادة أسير من داخل المسالخ الإسرائيلية
بقلم الأديب والأسير المحرر : وليد الهودلي
وصلتني رسالة (لا يريد المحامي ذكر اسمه كي لا يتضرر صاحبها) من خلف جدران المسالخ الاسرائيلية، هذا الذي كان يسمّى سجونا اسرائيلية أو زنازين أو باستيلات أو معتقلات، اليوم أصبح المسمّى الذي أخذه بكل جدارة واستحقاق هو المسلخ الاسرائيلي، وقد تجاوز بذلك سجن أبو غريب وسجن جوانتمالا الامريكية سيئة الصيت والسمعة، السجون صارت مسلخا سريّا للغاية تمارس فيها كلّ أشكال الوحشية والسادية ويتفنّنون في كل أشكال الإهانة والتعذيب، لنقرأ الرسالة كما وردت:
الأهل الأعزاء انا مشتاق لكم جدا ومحتاج لدعائكم كثيرا
لقد تم اعتقالي كما تعلمون قبل خمسين يوما، حينها تم تقييدي من الرجلين واليدين وتعصيب العينين، وتم ضربي ضربا مبرحا في اليوم الأول، عدا عن الشتم والاهانات بكلمات لم أسمع بها في حياتي من قبل، عدا عن الإهانة والتحقير بطرق تشعرك أنهم لا يرونك تعدل حشرة أو بعوضة، كنت أشعر بأن حقد العالم كلّه قد تجسّد فيهم وارادوا أن يذيقونا شرّه دفعة واحدة وبلا حدود، وفي اليوم السادس والسادس عشر تم أخذي للمخابرات وأيضا تم ضربي وإهانتي بشكل كبير، تفنّنوا فينا بتجليات سادية يصعب وصفها، ولست أنا وحدي وإنما كل الاسرى.
كانت أيام لا أتمنّاها لا لصديق ولا لعدوّ، لم أتخيّل أبدا أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه من شرّ مطلق رغم أنّي عانيت من شرّهم خمس عشر سنة في سجونهم، أخضعت فيها للتحقيق مرات عديدة وقمعت كثيرا وتعرضت للتنكيل أكثر من مرّة لكن مثل هذه المرّة لا أعتبر ما مرّ عليّ سابقا عشر ما رأيته في هذه الخمسين يوما . أمّا الظروف التي أعيش بها الان فانا اتواجد في غرفة بها عشر شباب ينام قسم منا على الأرض، أمّا عن اللباس: فمنذ اليوم الأول لم ألبس الا ملابس الإدارة القميص والبنطال رغم دخول فصل الشتاء وشدّة البرد، نوافذ مفتوحة والنصف العلوي من الباب مفتوح، لقد نصلت أجسادنا من البرد وأغلبنا أصبح يعاني من آلام في الصدر والمعدة ومن كان مريضا تفاقم مرضه ولا علاج أبدا.
لم أحلق ذقني أو شعري وان اردتم أن تتخيلوا منظري فانظروا في صورة الانسان في العصر الحجري، أما الاكل فهو قليل جدا ولنا خمسين يوما نعاني من جوع على مدار الأربع وعشرين ساعة، تحسّن قليلا قبل أيام ليصبح مخصص الفرد يوميا أربع شرائح خبز وصحن رز صغير وبيضة وملعقة لبنة، انا منذ اثنين وثلاثين يوما صائم ومعي مجموعة كذلك نصوم كي نوفّر للشباب الصغار ما يقيم أودهم .
بالنسبة للخروج للساحة نخرج اليها عشر دقائق إلى ربع ساعة وهي لا تكفي للحمام حيث أنه خارج الغرف في الفورة وهي ست حمامات لمائة وعشرين معتقلا ، تم منعنا من الصلاة. نتعرّض للتفتيشات والاقتحامات بصورة متكررة وفيها ما فيها من توجيه الاهانات والضرب لأتفه الأسباب أو دون أن يكون سبب لذلك أبدا لأن المعتقلين حريصين جدا على ضبط النفس وعدم إعطائهم أيّ مبرر. وحقيقة اوضاعنا صعبة للغاية والأسرى كلهم صابرون ينتظرون الحرية في الصفقات القادمة. لا بدّ من الملاحظة أن هذه الرسالة موجّهة من المعتقل إلى أهله وفي هذه الحالة يجري التخفيف كي يقلّل من القلق والتوتّر الذي يعاني منه أهل الأسير.
أولا: ما الهدف من هذا التنكيل؟
للعلم الشاهد مجموع حبساته خمس عشر سنة، لم ير فيها مثل هذا التعذيب ، مرّ بتحقيق عسكري وفي فترات متعدّدة، خاض تجربة التحقيق ومرّ عليه عشرات المحقّقين الذين عذّبوه كثيرا من صنوف التعذيب النفسي والجسدي، لكنه لم يمرّ بمثل ما مرّ به هذه الأيام كما ذكر في شهادته، كان الهدف سابقا للحصول على الاعتراف بينما اليوم الهدف هو اشباع شهوة الانتقام لديهم، التعذيب من أجل التعذيب، أصبح التعذيب بحدّ ذاته هدفا ولم يعد وسيلة لتحقيق مآرب معيّنة.
ثانيا: من المسئول ومن صانع القرار لهذه الساديّة؟
هل هي انفلات من قبل ضباط معينين أم تصرفات فردية أو ردّة فعل أو حميّة أخذتهم فيها العزّة بالاثم؟ ليس كلّ هذا وإنما هو بكل تأكيد قرار أتخذه ما يسمّى وزير الامن الداخلي بن غفير بتفويض كامل من اعلى مستويات اتخاذ القرار عندهم، وقد صرّح سابقا بنيّته تطبيق حكم الإعدام وبأن الاسرى يعيشون في فنادق خمس نجوم وما إلى ذلك كاشفا نيّته في سحق المعتقلات والمعتقلين، جاءته أحداث السابع من أكتوبر ليعلّق على شمّاعتها ما كان ينويه من قبل وليخرج أنيابه ويعمل ما يشاء في السجون.
ويضاف إلى هذا خطاب الكراهية والعنصرية التي انتهجتها الحكومة الإسرائيلية وإعلامها وقوّة التحريض العالية على ممارسة القتل والاجرام وفرق القمع التي تدير السجون جاهزة لتحويل هذا الخطاب العنصري إلى تطبيقات عملية تمارسها في السجون وتحوّلها إلى هولوكوست كما يمارس الجيش القتل والتدمير في هولوكوست غزّة.
ثالثا: جحيم أو هولوكوست
هذه القرارات التي بموجبها تحوّلت السجون إلى جحيم أو هولوكوست تكشف بكلّ وضوح الطبيعة العنصرية المقيتة التي تتمتع بها هذه الحكومة الإسرائيلية بكلّ جدارة، وهي تأتي بذلك ترجمة عملية للمقولات التي تؤكد أنهم ينظرون لأنفسهم بأنهم صنف من البشر أعلى جينيّا وأن الفلسطيني يبدو لهم بأنه مجرّد حشرة او أفعي سامّة وبالتالي يشرعنون التعذيب، ولو نظروا للفلسطينيين على أنهم بشر لما أجازوا لأنفسهم مثل هذا الصنيع.
رابعا: ما هو المطلوب منا؟
لا يمكن أن نبقى على ذات الوتيرة في التعامل مع قضيّة الاسرى كما كنّا قبل السابع من أكتوبر، هم غيّروا قواعد اللعبة مائة بالمائة وبالتالي علينا ان نفكّر خارج الصندوق الذي عفى عليه الزمن وأن نبتكر طرق ووسائل لا أدّعي في هذا المقال أنّي أمتلكها ولكن لا بدّ من القوى الفاعلة والمهتمّة بشان الاسرى فلسطينيّا أن تخرج عن النمط القديم وذلك على صعيدين: الاوّل مقاومة الاعتقال وان لا يبقى الفلسطينيّ لقمة سائغة بين يدي المحتلّ ، والثاني العمل على تحرير أسرانا ومتابعة مأساتهم بإبداعات جديدة في معركة الوعي أولا (محليّا وعالميّا) ومعركة استرجاع حقوقهم القانونية ثانيا وكذلك متابعة ملفّات شهداء الحركة الاسيرة بصورة جديّة وفاعلة في المحاكم الدوليّة .
متنفَّس عبرَ القضبان (97)
كتب: حسن عبادي- حيفا
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّبت ولاء صوالحة (أخت الأسيرة إخلاص): "فك الله قيدك بالعز يا عزيزتي. لا أخفيك سراً أستاذ أنا لم أنم الليل وأنا أنتظر هذه الرسالة منك فأشكرك.
إخلاص قدها وقدود وربنا يوقف معك ويثبّتك ويقوّيك يا رب".وعقّبت الصديقة مي الغصين (أسيرة محرّرة وكاتبة): "الفرج القريب لإخلاص وجميع الأسرى والأسيرات، ربنا يجمع إخلاص وإبراهيم ع خير يا رب... كل التحية والتقدير لك استاذ حسن... حقا الكلمات لا توفيك حقك... كنا قلقين فعلا على إخلاص خاصة في هذه الظروف الصعبة، طمأنتنا عنها ولبّيت النداء سريعا... ربنا يبارك بجهودك أستاذ"كنت متفائلاً حين نشرت خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي.
عُدت لزيارة الدامون لأسمع عن انتهاكات بحق أسيراتنا تقشعرّ لها الأبدان؛وتبيّن لي أن عدد الأسيرات صار 80، منهن الثمانينيات ومنهن القاصرات ومنهن الحامل (الأكل محروق أو نيء ومحرومة من كأس الحليب الساخن اليوميّ رغم قرار القاضي). الأسيرات بحاجة ماسّة لملابس شتويّة ولغيارات؛ وضع السجن كارثيّ، وأسيرات ينمن بالجوع، فش إشي سخن بدخل المعدة غير كأسة شاي مرّة خلال عدّة أيام، الدخان مقطوع تماماً، وكاميرات مراقبة على مدار الساعة، يلازمهن غطاء الرأس خلال النوم "ما بنشوفهم ولّا هم داخلين علينا"، الاكتظاظ، الإهمال الطبّي (مسكّنات فقط)، وظاهرة "العصافير"، بدون راديو أو تلفزيون وعزل تام عن العالم، غسّالة ونشّافة واحدة لكل الأسيرات ولساعات محدودة يومياً، السجّانون يصرخون كلّ الوقت ويطرقون الأبواب بشكل مزعج...إنجازات الحركة الأسيرة طارت. صُعقت من جديد حين سمعت عن التنكيل خلال التحقيق، طقوس التفتيش العاري بالكامل، المسبّات والشتائم الشخصيّة وللذات الإلهيّة، والتهديدات المتكرّرة.
إدعيلي يمّا
زرت صباح يوم الثلاثاء 26 كانون الأول 2023 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي بالأسيرة إخلاص يوسف حسن صوالحة (مواليد 06.09.1999)، أطلّت عبر الممرّ واثقة الخطى، وأخبرتني مع التحيّة أنّها شاركتنا حفل إطلاق "الكتابة على ضوء شمعة" في رام الله، برفقة أهل الصديق هيثم جابر.
أخذت تصوّر لي (وكأنّها تقدّم تقريراً إعلاميّاً) وضع زميلات الأسر؛ 80 أسيرة (منهن 40 أسيرة من غزة) وحدّثتني عن زميلات الزنزانة (9 بالغرفة)، الوضع كارثيّ، ساعة واحدة يومياً للفورة والحمام، الأكل سيئ جداً (مش مستوي وقليل جداً، الشوكولاتة مرّة بالأسبوع، بدون لحمة أو دجاج، فش سكّر)، وقالت فجأة: "مرّات بنام جوعانة"، برد قارس، الغرفة بدون شباك مسكّر، وفش كانتينا (فقط لآية مسموح، ومن كانتينتها بتشتري للكل صابون وشامبو وفوط صحيّة)، والميّة بطعم الصدأ. أوصلتها سلامات الصديقة مي الغصين، وآلاء وبشرى وولاء وألفت وعلي وهناء فانفرجت أساريرها.
هذا لقاؤها الأول بمحامٍ منذ لحظة الاعتقال؛ حدّثتني عن التعذيب في مرحلة التحقيق؛ بطريقها من بيت سيرا إلى كفر راعي لزيارة الأهل، أوقف الجنود السيارة قرب حاجز دير شرف، كانت مستهدفة، أنزلوها من السيارة وقيّدوها بالكلبشات وعصّبوا عينيها، أخذوها بجيب عسكري إلى معتقل هشارون، مرميّة على أرضيّته الحديديّة، مربّطة، وحدّثتني عن طقوس التفتيش العاري بالكامل، ثلاث مرّت، مع ضربها المتكرّر بالبسطار، والتهديد المتواصل. وفجأة تقول: "فِكرك إبراهيم بعرِف أنهم اعتقلوني؟" (زوجها الصحفي إبراهيم أبو صفيّة أسير في سجن عوفر)، بدّي أعرف شو وضعه.
حدّثتني عن وضع أسيرات غزّة، غالبيّتهن يفترشن الأرض، وأرجلهن مكلبشة كلّ الوقت، وقلقات على الأهل، منهن الثمانينيات ومنهن القاصرات، وأوصلتهن عبرها رسائل الأهل للاطمئنان.
قلقة على العائلة، وطلبت إيصال سلاماتها لعائلتها وعائلة زوجها ولكلّ من يسأل عنها. لازمتها ابتسامة عفويّة ساعتيّ اللقاء، ومعنويّاتها عالية جداً، وحين افترقنا طلبت منّي أن أوصل والدتها: "أنا كثير كويّسة، إدعيلي يمّا".لك عزيزتي إخلاص أحلى التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة. (حيفا/ كانون أوّل 2023 )
رسالة تعزية للأسير حسام شاهين
كتب: جميل السلحوت
الأخ الكريم الأسير : حسام شاهين
بعد التّحيّة والأمنيات لك بالصّحّة والعافية والحرّيّة.
وددت أن أكتب إليك وأنت حرّ طليق، وفي مناسبة غير هذه المناسبة، لكنّ الأمنيات شيء والواقع شيء آخر. فأن أكتب إليك معزّيا إيّاك وأشقّاءك وشقيقاتك بوفاة والدتك المرحومة آمنة كريّم خلايلة، فهذا لم يكن بالحسبان، لكنّ إرادة الله هي الغالبة، فالموت حقّ لا مفرّ منه، وكلّ الأحياء مصيرهم الموت و"كلّ نفس ذائقة الموت"، ووالدتك ليست استثناء، وأنا أعلم صبرك وإرادتك الصّلبة التي لا تلين.
وكما تعلم فإنّ وفاة الأمّ هي التي تُشعر المرء باليتم مهما كان عمره، وها أنت تعيش مرارة الموت والفقد وأنت مغيّب وراء القضبان مرّتين، الأولى عندما اختطف الموت أباك، والثّانية عندما عاد واختطف والدتك، دون أن تستطيع وداعهما، مثلما هما لم يستطيعا وداعك، ودون أن تكتحل عيونهما برؤيتك.
ولم يكتف الفقد بذلك، فظلم المرحلة منعك حتّى من المشاركة في جنازتيهما، أو تقبّل العزاء فيهما.
أعرف يا حسام صلابتك وصبرك، وهما نتاج طبيعي لوعيك، وإدراكك لمعاني الحياة والموت، وأنّ في الموت حياة، وهذه دورة الحياة وجدليّة الموت التي لا تنتهي، وأعلم يا حسام أنّك ستستقبل هذا الخبر المفجع بابتسامتك المعهودة، كابتا أحزانك في صدرك، لتنفجر دموعك وأنت تتدثّر بغطائك الذي لا يحميك من البرد أو الحرّ، مع علمك المسبق أنّ البكاء حالة إنسانيّة، فهو يغسل القلب ويمسح الأحزان، فلا تكبت دموعك يا حسام، وتذكّر أنّ خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلّم بكى عندما عاش حالة الفقد" فهو القائل" وإنا لموتك يا ابراهيم لمحزونون".
نشاركك يا حسام أنت وإخوانك وأخواتك الأحزان بوفاة الوالدة، وندعو للرّاحلة بالرّحمة، ونعزّيكم بهذا المصاب الجلل، على أمل اللقاء بك وأنت حرّ طليق.
أسير محرر: تعرضتُ للضرب والإهمال الطبي في سجون الاحتلال
قال المعتقل المحرر جميل إبراهيم الدرعاوي (43 عاما) من قرية الشواورة شرق مدينة بيت لحم، إنه تعرض قبل يومين لاعتداء بالضرب المبرح من السجانين، ما استدعى نقله إلى المستشفى.
وأفاد الدرعاوي الذي أُفرج عنه، اليوم الخميس، بعد أن أنهى محكوميته البالغة أربعة أعوام في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بأن السجانين اعتدوا عليه مجددا صباح اليوم قبل لحظات من الإفراج عنه.
وأكد أن إدارة سجون الاحتلال صعّدت انتهاكاتها بحق المعتقلين منذ السابع من تشرين الأول الماضي، إذ يتعرضون لتعذيب قاسٍ، ووصف السجون اليوم بأنها كالمقابر، إلى جانب الوضع الصحي السيئ جدا الذي يعانيه العديد من المعتقلين.
ولفت الدرعاوي إلى أنه أمضى في سجون الاحتلال ما مجموعه 18 عاما، في المرة الأولى 14 عاما، قبل أن يتم اعتقاله مرة ثانية والحكم عليه أربعة أعوام أمضاها في ظل أوضاع صحية صعبة.
وأشار إلى أنه خلال اعتقاله في المرة الثانية خضع لتحقيق عسكري قاسٍ، وتعرض فيه للتعذيب، ما أدى إلى خلع في الفك والكتف، وألم حاد في العمود الفقري تسبب بعدم قدرته على الوقف أو السير لمدة طويلة، كما فقد البصر في عينه اليمنى، فيما حُرم من تلقي العلاج. وقال مدير مستشفى بيت جالا الحكومي الدكتور هيثم الهدري، إن المحرر الدرعاوي وصل إلى المستشفى في حالة إعياء كبيرة، وتبينت بالفحص الأولي إصابته برضوض في أنحاء جسده جراء الضرب، إضافة إلى معاناته صعوبة في المشي والنطق.
ما بين بن غوريون ونتنياهو وجابوتنسكي والرؤية الحديدية الفاشلة
بقلم الأسير : محمد أبو عليا
لقد لخصت عبارة دافيد بن - غوريون، أول رئيس وزراء للاحتلال: "إن الوضع في فلسطين سيُسوى بالقوة العسكرية" أهمالمنطلقات الاستراتيجية لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية ودولة الاحتلال ومستوطنيه، وتنفيذ برامجهم التوسعية في فلسطين والمنطقةالعربية، فكانت المجازر المنظمة ضد أهالي القرى والمدن الفلسطينية من جانب العصابات اليهودية المسلحة، وجيش الاحتلال فيما بعد، من أبرزالعناوين لتوجهات هذه المنظمة، بغرض حمل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين على الرحيل من أرضهم وإحلال اليهود مكانهم.
وطوال اكثر من 75 عاماً من الاحتلال للأراضي الفلسطينية، كان سجلّه مليئاً بمجازر وحشية ارتكبها جيش الاحتلال والمستوطنون بحق أبناء الشعب الفلسطيني، إلى درجة أن الأخيرة التي ارتُكبت بعد قصف الجيش مستشفى "المعمداني" في حي الزيتون،جنوبي مدينة غزة، والتي وصل عدد ضحاياها إلى أكثر من 500 شهيد، لا تظهر سوى كحلقة صغيرة من مسلسل المجازر المستمرة منذ مايقرب من 90 يوماً من الحرب الهمجية التي أودت بحياة عشرات آلاف الفلسطينيين المدنيين العزّل ،ومئات الاف الاصابات، وملايين المشردين بلا مأوى واغلبهم من الشيوخ والنساء والأطفال.
كان زئيف جابوتنسكي أول زعيم مهم يقر بأن الفلسطينيين شعب, وأنه لا يتوقع منهم التخلي طوعا عن حقهم القومي في تقريرالمصير. لهذا كان يرى أنه من غير المجدي في تلك المرحلة المبكرة من المشروع الصهيوني فتح حوار معهم, ولا مفر من تنفيذ البرنامج الصهيوني من طرف واحد وبالقوة. وانطلقت رؤية جابوتنسكي لهذه القضية من ضرورة تنفيذ المشروع الصهيوني خلف جدار من حديد يعجز السكان العرب المحليون عن هدمه. غير أن نموذج جابوتنسكي لم يعارض فتح حوار مع الفلسطينيين في مراحل تاليه. بل على العكس كان يؤمن أنه وبعد أن يشج الفلسطينيون رؤوسهم بلا جدوى في هذا الجدار سيقرون مع الوقت بأنهم في وضع دائم من الضعف, وعندها يحين أو ان تدشين مفاوضات معهم حول وضعهم وحقوقهم القومية في فلسطين، لا يمكن فهم سياسات إسرائيل، والعقيدة السياسية لنتنياهو المجدده لعقيدة جابوتنسكى مؤسس الصهيونية التحريفية فيما يتعلق بضم ألآراضى الفلسطينيىة والعربية وموقفه من التسوية السياسية ، وبناء المستوطنات ورفض فكرة الدولة الفلسطينية إلا من خلال العودة لقراءة سياسة الجدار الحديدى والتي يحاول نتياهو تطبيقها على الابرياء والاطفال والنساء والشيوخ العُزل . بعد مرور زهاء ثلاثة اشهر على بدء العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة، ما زال الاحتلال غير قادر على تقديم صورة نصر ولو مزعومًا في القطاع؛ رغم ما اقترفه فيه من مجازر وجرائم حرب، كما أن هذه الأخيرة لم تستطع إجبار سكان القطاع على الهجرة؛ ما أفشل حتى اللحظة مشروع التهجير. صمود شعبي وعسكري للمقاومة يحمل الكثير من الدلالات ويضع على الجميع مسؤوليات محددة.
خطط الاحتلال
منذ اللحظات الأولى لتخطيط عدوانها على قطاع غزة، أعلنت سلطات الاحتلال عن أهداف ذات سقف مرتفع جدًا بخصوص قطاع غزة والمقاومة فيه، وخصوصًا حركة حماس.
كان الهدف المعلن للعدوان يدور حول اجتثاث حركة حماس وذراعها العسكرية كتائب القسام تمامًا،وإعادة احتلال القطاع، وفرض واقع سياسي جديد بعد الحرب، وإطلاق سراح جميع الأسرى لدى المقاومة دون قيد أو شرط. إضافة لذلك، وبما يتناغم معه، فقد صدرت تصريحات عن القيادات "الإسرائيلية" بضرورة إفراغ قطاع غزة من السكان وانتقالهم للعيش في سيناء في مصر، وهو أمر تبنّته بشكل واضح الإدارة الأميركية، وسعى وزير خارجيتها أنتوني بلينكن في جولاته الإقليمية لإقناع دول المنطقة به، وهو ما لم ينجح فيه حينه.
وإذا كانت الأهداف العسكرية للاحتلال قد تراجعت بشكل لافت مع الوقت بسبب صمود الشعب الفلسطيني ،إلّا أن خُطة التهجير في المقابل ما زالت قائمة ويحاول اليمين المتطرف في بقيادة سموترتش وبن غفير تسويقها وتبقى ضمن الخيارات وإن تراجع تداولها في الإعلام.
لكن كل شيء تغير في 7 أكتوبر، حين تدفق مقاتلو غزة، الذين ينحدر العديد منهم من نسل اللاجئين الفلسطينيين، عبر الجدران الحدودية التي تفصل بين إسرائيل وغزة. ولم يستطع الجيش ردع الهجوم.