1164
1
رواية "هوارية " تثير زوبعة من النقاشات الأدبية الحادة
بين مدافعين و معارضين
لا تزال رواية "هوارية" لصاحبتها الروائية و المترجمة "إنعام بيوض" الحائزة على الجائزة الكبرى "آسيا جبار" في نسختها السابعة تثير ما وصف ب "المعركة الأدبية" في الجزائر ، و التي انطلقت من طرف بعض النشطاء عبر مواقع التواصل الإجتماعي بعد الإعلان عن نتائج الجائزة.
رشيد محمودي
حيث راحوا ينتقدون بشدة لجنة التقييم بالنظر إلى ما اعتبروها "كلمات بذيئة" و"ألفاظا منحطة" وظفتها الروائية إنعام بيوض في أحداث وفصول قصة امرأة من مدينة وهران كانت تعمل عرّافة.
وركز منتقدو الرواية من النشطاء و الأدباء على اللغة والمفردات التي استعملتها الروائية إنعام بيوض أثناء تناولها لبعض المواضيع المتعلقة بـ"الجنس"، وهو الأمر الذي أثار جدلا كبيرا بين منتقد لما تضمنته الرواية، وآخرين اعتبروا العمل "نوعا من الحرية الفكريةالمتاحة للمفكرين والأدباء.
و في منشور له على موقع فيسبوك، دافع الروائي واسيني الأعرج عن رواية “هوارية” ووصف المنتقدين لها بـ”الإنكشاريين الجدد الذين لا يعرفون إلاّ الشتيمة وقطع الرؤوس وتهديم عن نية مُبيتة، عن غيرة أو عن جهل وتبعية فايسبوكية”.
وأضاف الأعرج: “استحقاق كبير جاء في وقته نظرا للجهد الإبداعي والمعرفي الذي بذلته إنعام في مغامرتها الإبداعية، إنعام ليست وليدة اليوم ولكن وراءها تجربة تستحق كل التقدير.
و كتب الكاتب الجزائري، ندير طيار، معلقا على النقاش الدائر "هوارية لأنها فازت بجائزة حركت الساحة الثقافية، وفجرت الأسئلة الحقيقية. وأعادت طرح دور القيم في العمل الفني. ليست المشكلة في "إنكشاريين جدد" "أعداء للفن"، ولا في أنصار "للأدب المنافق"، كما ليست هي في أنصار "الرواية الفاجرة" ولا في دعاة "أدب الدعارة". إن جوهر المشكلة في النقاش المحتدم حول رواية هوارية هو عن موقع القيم الأخلاقية في الفن، وفي الكتابة الروائية بشكل خاص".
و من جانبها علقت الأديبة والإعلامية، فاطمة الزهراء برياح عن الموضوع عبر صفحتها قائلة"إنعام حرة في ابداعها و في إباحيتها في روايتها وما تحمله القصة من خيال أو واقع حسب ما نشر من صفحات هذه الرواية ، فلقد كتب قبلها روائيون قصصا تحمل الإباحية والانفتاح... فهذا لا يهمنا، لكن السيدة إنعام ليست حرة باستخدم اسم رمزي و له قدسيته في وهران.... وهران العالم الجليل سيد الهواري".
فيما أكدت الروائية "ربيعة جلطي" أن إصدار الأحكام على عمل لم يقرأ غير معقول :
{إلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلاما
وَهَذي الضَجَّةُ الكُبرى عَلاما}
أليس من العقل والبيان أن يُقرأ العملُ أولا ثم يُكرم أو يُهان؟! في انتظار قراءة العمل
تضامني مع إنعام وآسيا.
و بعد هذه الضجة جاء رأي لجنة التحكيم، التي يرأسها الكاتب والباحث عبد الحميد بورايو، عبر الناقدة آمنة بلعلى، عضو اللجنة، التي ردت على المنتقدين وأوضحت معايير فوز بيوض بالجائزة.
قالت آمنة بلعلى، في نص نشرته على صفحتها على الفيسبوك بعنوان “ليس دفاعا عن هوارية”، إن اختيار رواية “هوارية” لإنعام بيوض، استند إلى المعايير المعلنة، والتي تأخذ بعين الاعتبار الالتزام بالثوابت الوطنية والتمكن من بناء العالم الروائي بلغة جيدة ومعبرة ورؤية مختلفة وموقف يؤطر عناصر العمل الروائي، مأن الروائية استطاعت أن تحقق هذه المعايير وتكتب نصاً مختلفاً تناول مرحلة حرجة من تاريخ الجزائر من خلال رسم يوميات فئة اجتماعية تعيش الفقر والتهميش.
وحسب بلعلى، فإن اللجنة رأت أن هذه الرواية محكمة في بنائها السردي ورسم شخصياتها والمكان المتعلق بأحد أحياء وهران الغارق في الآفات الاجتماعية والعوز المادي الذي تم استغلاله من أجل إثارة الأزمة التي عرفتها الجزائر في العشرية السوداء.
وأشارت إلى أن بيوض أبدت تمكنا في تقديم مجتمع الرواية وموقفا متزنا تجاوزت فيه ما كان يثار في الرواية الجزائرية من مواقف إيديولوجية، فكتبت رواية جزائرية حتى النخاع، رواية من الواقع الجزائري بأدق تفاصيله عبر الفئة الاجتماعية الهشة التي جعلتها موضوعا لروايتها.
وأشارت بلعلى إلى أن إثارة الجدل الفايسبوكي العقيم، والحكم على رواية من خلال خمس جمل اقتضتها حوارات الشخصيات لا يغدو أن يكون سوى متنفس إيديولوجي لأعداء الفن الذين يريدون أن يكتب الروائي أدبا منافقا، ويبدو أن الهدف منه هو التشويش على كل نشاط ثقافي فاعل وتقنين الإبداع.
وأوضحت أن الجمل التي حاكموا من خلالها الرواية واعتبروها خادشة للحياء، نجد مثلها بل أكثر منها في الرواية الجزائرية منذ الطاهر وطار، وكذلك نجدها في الرواية العربية والعالمية وفي المسرح والشعر والفن التشكيلي لأن السياق الفني يقتضيها، مؤكدة أن هؤلاء الذين يثيرون هذا الشغب المجاني لا علاقة لهم بالرواية ولا بالنقد الروائي، وإلا كيف يمكن أن نحاكم رواية من خلال جمل قالتها شخصية، وكيف يمكن لمن يدعي أنها رواية مُخلة بالحياء وبأنها رواية إيروتيكية وهو لم يقرأ سوى بضع صفحات؟ للأسف إن هؤلاء الذين يدعون الدفاع عن القيم بإدانة شخصية متخيلة هم يدافعون عن إيديولوجيات ضد الفن، ولقد تأكد من خلال هذا اللغط أن المثقف المنافق لا يريد إلا أدبا منافقا.
و في أعقاب النقاش المحتدم حول هذا العمل الروائي أعلنت دار "ميم" للنشر، امس الثلاثاء، عن توقيف نشاطها بشكل نهائي على خلفية حملة الانتقادات الواسعة التي طالت هذا الإنتاج الأدبي.
وقالت في بيان عبر صفحتها بموقع فيسبوك "مضت سنوات من المعافرة، على حلوها ومرّها، حاولت فيها دار ميم للنشر، أن تقدم للجزائر، للمثقف، للقارئ، للكاتب، للمشهد ولصناعة الكتاب عملا ذا قيمة فنية جمالية ومعرفية، أصابت وأخطأت ككل مجتهد، ولكنها قدمت صورة طيبة للبلاد في كل المحافل، كما يعلم الجميع، لم تطمع في أكثر من ذلك، الحرص على المعنى وجدوى أن تكون في مكان وتعطي وقتك ومالك وانتباهك له.. ولكن لا جدوى ولا معنى من محاربة العبث".
وأضافت "نعلن في هذا اليوم 16/07/24 انسحابنا من النشر، تاركين الجمل بما حمل كما فعلنا دوما. نعلن أن ميم أغلقت أبوابها منذ اللحظة في وجه الريح، وفي وجه النار، ..لم نكن إلا دعاة سلم ومحبة و لم نسع لغير نشر ذلك".
هذا و تعتبر "إنعام بيوض" أكاديمية ومترجمة وروائية وشاعرة جزائرية، اشتغلت بتدريس الترجمة بشقيها التحريري والشفوي، لأزيد من عشرين سنة في الجامعات الجزائرية، ولها عدة إصدارات من بينها "الترجمة الأدبية: مشاكل وحلول" (2003)، وروايتها: "السمك لا يبالي" (2003)، وديوانها "رسائل لم ترسل" (2003)، وتم تعيينها عضوة في المجلس الاستشاري لتقرير المعرفة التابع لبرنامج الأمم المتحدة، وتشغل حاليا منصب مدير عام للمعهد العالي العربي للترجمة بالجزائر، التابع لجامعة الدول العربية.