454

0

رمضان مدرسة الجُود والعطاء

بقلم الأستاذ سيد علي دعاس 

شَهْرُ رَمَضَان شَهْرٌ تَجُودُ فِيهِ بِالعَطَاءِ وَالبَذْلِ أَيْدِي المُحْسِنِينَ... وهو شَهْرُ التَّوَاصُلِ وَالتَّكَافُلِ... لأنّه شَهْرٌ تَغْمُرُ فِيهِ الرَّحْمَةُ قُلُوبَ المُؤْمِنِينَ.

 قال تعالى: "وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ".[1]

وقَالَ أَيْضًا: "مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ".[2]

ومن أَرْوَع أَمْثِلَةِ البَذْلِ وَالعَطَاءْ التي ضَرَبَها لَنَا النَبِيُّ فِي هَذَا الشَّهْرِ المُبَارَك أنّه كَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلَ، فَلَرَسُول اللهِ ﷺ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ المُرْسَلَة... فهو في الإسراع بالجود أسرع من الرّيح.

فَمَا أَحْسَنَ البَذْلَ! وَمَا أَحْسَنَ الصَّدَقَة! وَمَا أَجْمَلَ العَطَاءْ! خاصة في شَهْر رَمَضَان... مَوْسِم المُتَصَدِّقِيَن.

وعن أبي هُريرة – رضي الله عنه-  قَالَ: قالَ رَسُول اللَّه ﷺ: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبِحُ العِبادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا".[3]

وعنه أَن رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: قَالَ اللَّه تَعَالَى: "أَنْفِق يَا ابْنَ آدمَ يُنْفَقْ عَلَيْكَ".[4]

وعن عبداللَّهِ بن عَمْرو بن العَاصِ - رضي اللَّه عنهُما- أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رسول اللَّه ﷺ: أَيُّ الإِسلامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "تُطْعِم الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ".[5]

لقد دعانا الله – تعالى- إلى الصّدقة... كل بحسب استطاعته وقدرته، ولو أن يتصدّق أحدنا بشقّ تمرة، أو بكلمة طيبة، أو بابتسامة صادقة بريئة؛ فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "كُلُّ سُلامى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ؛ كُلَّ يوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بيْن الاثْنَيْنِ صَدقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعهُ صَدقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيبةُ صدقَةٌ، وبكُلِّ خَطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدقَةٌ، وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ".[6]

وقد رتب الله على الصدقة فضائل كثيرة؛ منها أنّها تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وكلنا يعرف أن إطفاء الماء للنار لا يبقي من النار شيئاً، فكذلك الصدقة لا تبقي من الذنوب شيئاً. لما رواه معاذ بن جبل – رضي الله عنه- قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم- في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يُدخلني الجنّة ويباعدني عن النار. قال: لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه؛ تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت. ثم قال: ألا أدلّك على أبواب الخير؟ الصّوم جُنّة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل...".[7] وهذا فيما إذا كانت الخطيئة متعلّقة بحقّ من حقوق الله – تعالى-. أمّا إذا كانت متعلّقة بحقّ من حقوق عباده، فإنّها تدفع إلى صاحب الحقّ عِوضاً عن مظلمته.

وَصَحَّ عَنِ النَبِيِّ أَنَّهُ قَال: "كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ".[8]

عَجِيبٌ أَمْرُ الصَّدَقَة! يَتَظَلَّلُ فِي ظِلاَلِهَا العِبَادُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَكُلٌّ بِحَسَبِ ظِلِّهِ الذِّي أَنْتَجَتْهُ صَدَقَتُهُ فِي الدُّنْيَا.

كَانَ عُثْمَان بن عَفَّانْ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - صَاحِبَ مَالٍ، لكنّه جعله ثَرَاءه فِي مَرْضَاةِ رَبِّهِ... جَهَّزَ جَيْشَ تَبُوكَ، وَاشْتَرَى بِئْرَ رُومَا لِلْمُسْلِمِينْ، وَتَصَدَّقَ وَأَعْطَى... وَلَسَوْفَ يَرْضَى الله عنه.

وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَانْ بْنَ عَوْف رَضِيَ الَلّهُ عَنْهُ غَنِيًّا مُوسِرَا، لدرجة أنّه في مرَّةً وَاحِدَة تَصَدَّقَ بِحَمْلِ سَبْعَمَائَةِ جَمَلٍ عَلَى فُقَرَاءِ المَدِينَة...

وعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْء".[9]

أحبّتي الصّائمين...

فِي النَّاسِ من هو صَائِمٌ طيلة النّهار، لكنّه لاَ يَجِدُ مَا يُفْطِرُ بِهِ أَوْ يتسحّر عَلَيْهِ...

فكونوا من الصَّائِمينَ الذين يَزِيدُ كَرَمُهُمْ فِي رَمَضَانَ، فَيَبْذلُونَ وَيَعْطُونَ وَيُنْفِقُونَ...

إنّه رغم فضل الصَّدَقَةُ فِي سائر الأيام والشهور، إلاّ أنّها في هَذَا الشَّهْرِ الكَرِيم شَأْنُهُا أَعْظَمُ، وَلهَا مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهَا... وهذا لِشَرَفِ الزَّمَانِ وَمُضَاعَفَةِ أَجْرِ العَامِلِ فِيهِ، وَلِأَنَّ فِيهَا إِعانَةٌ لِلصَّائِمِينَ المُحْتَاجِينَ عَلَى طَاعَتِهِمْ... فَاِسْتَحَقَّ المُعِينُ لَهُ مِثْلَ أَجْرِهِمْ... وَمَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ.



[1]  سورة البقرة / الآية 110

[2]  سورة البقرة / الآية 261

[3]  متفق عليه

[4]  متفق عليه

[5]  متفق عليه

[6]  متفق عليه

[7]  رواه الترمذي

[8]  حديث صحيح رواه أحمد في مسنده؛ يرويه يَزِيد ُبْنُ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ، حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ" - أَوْ قَالَ: "يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ"-.

[9]  رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services