1036

2

رحيل آخر الكبار و أستاذ الأجيال..

بفقدانه تكون قد هوت إحدى كبرى أهرامات النقد العربي المعاصر!!

 

 

 

مصطفى محمد حابس: جينيف / سويسرا

 

منذ أزيد من 8 سنوات،  نشر مقال لنا تطرقنا فيه لظاهرة بعض الدعاة تحت عنوان " مِحن في مسيرة الدعوة و الدعاة (عمرو خالد نموذجا)، إذ فاجأنا هذا الاسبوع أحدهم من الظفة الأخرى لقارتنا بقوله، ونحن نكفف دموعنا في وفاة الشيخ الدكتور محمد ناصر بربوشة، أن المرحوم "إباضي و من الخوارج، يجب التريث في التعامل مع  سيرته و طريقة تعزيته"!! ..

 

   دعاة زماننا أنواع و طباع وأشكال وأحجام، والأفكار أمزجة وأمتعة..

 

و لا غرابة ..بل صحيح أن دعاة زماننا في الميدان أنواع و طباع وأشكال وأحجام، والأفكار أمزجة وأمتعة، وكما قال بعضهم، بل إنهم بمثابة الأقلام، كل يكتب في صحيفته و بمداد محبرته، فهناك قلمٌ يحرِّر.. وآخر يِقرّر.. وآخر يغرّر.. وآخر يبرّر، وآخر يحاول جاِهداً أن يمرّر وآخر .. وهناك قلمٌ أمير و قلمٌ أجير و قلمٌ أسير.. كما يوجد قلم حرٌ حذر وآخر غِرٌ قذر.

 

وهناك فِكر "متَسرّب" وآخَر "متَغرّب.. وآخر "مجِرّب" وآخر "مقَرِّب.. وآخرَ "مهرِّب" وآخر "معرِّب" وآخر "مخرِّب .. ، وهناك فكر قوي وآخر غيَر سوي، هكذا هِي سنَة الحياة، للحق أتباع وللجيف ضباع، فقِلةٌ فيِ إنصِياعْ والأكثرَون فيِ ضياع.. تلك هي حياتنا على حد تعبير أحد الاخوة الدعاة.

 

الأفكار تتغير بفعل الزمان والمكان، وحتى المبادئ تتغير وإذا أردنا تلطيف العبارة نقول أنها ترمم، لكن لما يقفز بعض الدعاة على ما كان يقولونه لبني قومهم بالجملة والمفرق، ويتعدوا الحواجز الكثيرة من غير أن ينتبه بعضهم للزاد المعرفي الذي يمتلكه وحلبة الصراع التي تنتظره، متناسيا أنه عندما يختار بإرادته أن يكون شخصية عامة؛ سيكون عليه التخلي عن جزء كبير من حريته الشخصية، سواء في أفعاله أمام العامة أو في التعبير عن رأيه في بعض القضايا، خاصة إن كان شخصية تمثل ديانة سماوية فما بالكم برجل الرسالة الخاتمة؟

 

رحيل قلم سيال و لسان مربي لأجيال ..

 

تناقلت وسائل التواصل الاحتماعيل، خبر وفاة الشيخ محمد ناصر( بربوشة) الأستاذ الجامعي والكاتب والمفكر والمؤرخ والشاعر والمحقق والمبدع والرجل المصلح ، الذي قدم الكثير أكاديميا وفكريا وابداعيا.

وما أن نشرنا التعزية، حتى كتب لنا أحدهم على الخاص، الجملة التالية: "الرجل إباضي و من الخوارج، يجب التريث في التعامل مع  سيرته"!!  فأحلته على مقال قديم لنا، تحت عنوان:"

 

أين دعاتنا من شعار" تعالوا نحب بعض .. تعالوا نحضن بعض"

 

و لا بأس أن نغتنم هذه الفرصة لنعرف هذا "المفتي الصغير" هو ومن على شاكلته في مشرقنا العربي خصوصا الذين "يحسنون توزيع فتاوى التحريم" على الناس كما وصفهم الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، بقوله : "

من الآفات التي اعترضتني في طريق الدعوة، أناس عندهم رغبة مجنونة في الحكم بالتحريم على أي شيء!!

فلو استطاعوا تحريم الهواء لأصدروا بذلك الفتوى، ولو ماتوا مع الناس مختـنقين !!

وهم يتصورون الإسلام رسالة تسكن من العالم الرحب حارة ضيقة لها تقاليدها ولها مراسمها، فما يصلها بالعالم ممنوع مهما كانت طبيعته، والمهم بقاء الحارة منطوية على أصحابها و حسب.

وأصحاب هذا الفكر قد يصلحون بوابين على خرابة، أما أن يكونوا دعاة لدين عالمي، يفتح صدره للإعصار والأمصار، ويتجاوب مع فطرة الله في الأنفس، ويتفاهم مع الرجال والنساء في الشرق والغرب، فهذا مستحيل !!

مضيفا بقوله، رحمه الله :

 

" وأصارحكم بأني كنت ألتمس العذر لبعض الغلاة، وأقول: مخلصون ينقصهم الفقه في دينهم، وعلّ إخلاصهم يغفر جهلهم؛ بيد أني بدأت أشعر بالقلق من أن يكون وراءهم من يتعمد تعسير الإسلام لمآرب أجنــبية!!

إن الإسلام يلقى محناً خطــيرةً في هذا العصر، وقد استيقنا من أن أصابع غريبة تحيك له الدسـائس، و تتعمد نشر فتاوى متعسفة للمتقعرين والمنحرفين، حتى تصرف أتباعه عنه و تصد الداخلين فيه؛ و هنا الخـطر!!".

 (الغزالي: "جرعات جديدة من الحق المر": الجزء الخامس ص41،40،39)

 

وهوت إحدى كبرى أهرامات النقد العربي المعاصر

 

و أنا أحاول أن أكتب تعريفا مقتضبا بسيرة رجل وإنجازات مشوار هذا العالم العارف، لمن يرغب، أن يستفيد مثلي، فالمرحوم لا أعرفه شخصيا، وحتى لم سمعنا خبررحيله، اختلطت علينا الأسماء لأن الدكتور محمد ناصر الذي أعرفه، ليس له هذا الاختصاص و لا حتى ملامح الوجه هي تلك!، علما أنهما من نفس الجهة  أي  بوابة الصحراء، أرض الميزاب (غرداية).

 

و قد كتب عنه البروفيسور يوسف وغليسي مشكورا، جزاه الله خيرا، وقد أفاد و أجاد، ينعى الرجل و أستاذ الأجيال، تحت عنوان :

رحيل آخر الكبار : محمد ناصر (1938 -2025 )!

قائلا :

كنا نذكر اسمه حين نذكر أسماء أهرامات النقد الجزائري المعاصر التي سقطت تباعا : محمد مصايف ،عبد الله الركيبي، صالح خرفي ، أبوالعيد دودو ، أبو القاسم سعد الله، عبد الملك مرتاض، ...

واليوم ينضم اسمه الكريم (عليه السلام والرحمة!) إلى قائمة الراحلين الكبار، وقد ترك من الآثار ما يبقيه حيا في ذاكرتنا الجمعية سنوات طويلة أخرى؛ يكفي أن أطروحته الضخمة (767 ص!) : الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية (1925 - 1975) لا تزال - في تقديري الشخصي - أضخم وأعمق وأهم ما كُتب عن الشعر الجزائري (في تاريخه الطويل) على الإطلاق!

 

ويكفي أنه أول من كتب كتابا عن شاعر الثورة مفدي زكريا ، وأول من بعث آثار الفتى الميزابي العظيم رمضان حمود (1906-1929)!..)!..

وأكبر من كتب - بوفاء فكري حميم - عن شيوخه الإباضيين العظام (أبواليقظان، بيوض ، اطفيش ، دبوز ،..)

وهو الرائد الكبير الذي تخصص تماما في الكتابة عن الصحافة الوطنية (الأدبية خصوصا) التي خصها بأطروحة دكتوراه (الحلقة الثالثة)؛ وقد أشرف عليها المجمعي الدمشقي الكبير شكري فيصل ، عام1972.

وهو الشاعر الذي ترك إرثا شعريا للصغار خصوصا، وحين أذكر الصغار أذكر أنني ذهلت وأنا أتأمل (في صفحة الصديق د. مسعود فلوسي) قائمة كتبه المنشورة، وقد تجاوزت مئة وثلاثين كتابا؛ نصفها في أدب الأطفال، والنصف الباقي شراكة بين الدراسات الأدبية والدراسات الفكرية الإباضية (خصوصا)...

محمد ناصر بربوشة هو نابغة معهد الحياة بالقرارة (عروس الجنوب الجزائري الفكرية) ، ثم خريج جامعة القاهرة لاحقا (1966)؛ حيث تتلمذ لأساطين النقد العربي الكبار (شوقي ضيف، يوسف خليف، سهير القلماوي ،...)، قبل أن يؤوب إلى بلاده معلما ثم أستاذا بجامعة الجزائر (1971 - 1991) ، التي غادرها إلى معهد العلوم الشرعية بسلطنة عمان تسع سنوات كاملة، ثم عاد إلى الجزائر وقد أثقله القصور الكلوي أكثر من عشرين سنة كاملة!

 

من يقرأ أطروحته العجيبة عن الشعر الجزائري بفصولها الممتازة ، وملاحقها وفهارسها الدقيقة المضنية التي لا تقل أهمية عن فصولها، وقد أنفق في إنجازها أكثر من عشرة أعوام قضاها في الانتقال علميا وإداريا بين الجزائر والرباط والقاهرة وباريس لأجل حياة تلك الأطروحة، يعرف ما معنى أن تصبح دكتورا في ذلك الزمان!

واليوم ينجز فتى غر رسالة سقيمة، أكثرها "مسلوخ" من أقوال مطروحة في مواقع التواصل الاجتماعي، عن ظاهرة بسيطة في ديوان واحد لشاعر واحد (كان أمثال محمد ناصر قادرين على إنجازها في أسبوع واحد!)، وحين يناقشها يتجبر ويتكبر ويرفع عصا داله الجديدة في وجه شيوخه أن دعوا الطريق لمن صار المتخصص الأكبر في الأدب العربي الحديث والمعاصر!

 

قطوف أخرى من سيرته الذاتية العامرة ..

 

أ. د. محمد صالح ناصر من مواليد القرارة، ولاية غرداية، الجزائر، يوم13 رمضان 1357هـ الموافق لـ 01 ديسمبر 1938م، باحث، أديب وشاعر، حفظ القرآن الكريم سنة 1954م، وتلقى مبادئ العلوم من لغة وفقه ودين، من شيوخ وعلماء بارزين في الحركة الإصلاحية.

حائز على :

شهادة دكتوراه حلقة ثالثة من جامعة الجزائر في جوان 1972م

شهادة دكتوراه دولة من جامعة الجزائر في أكتوبر 1983م

جائزة الدولة التقديرية في النقد والأدب والشعر سنة 1984م.

 

درّس في جامعات الجزائر وسلطنة عمان، وتقلد مناصب :

عضو المجلس العلمي بمعهد اللغة والأدب العربي، جامعة الجزائر.

مسؤول الكتابة بمكتب رئيس دائرة معهد اللغة والأدب، جامعة الجزائر.

رئيس المجلس العلمي بمعهد اللغة والأدب العربي، جامعة الجزائر.

عضو لجنة تقييم المخطوطات بالمؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر

عضو لجنة تقييم المخطوطات بديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1988

مستشار الشؤون التعليمية لمدير معهد العلوم الشرعية بمسقط،عمان،1998

عضو اتحاد الكُتّاب الجزائريين - الجزائر

عضو في لجنة الفكر والثقافة التابعة لحزب جبهة التحرير الوطني - الجزائر.

عضو إداري في تحرير مجلة الرسالة التابعة لوزارة الشؤون الدينية -الجزائر.

عضو في لجنة تحرير مجلة الثقافة، وزارة الثقافة -الجزائر.

رئيس المجلس العلمي لجمعية التراث، القرارة - الجزائر .

نائب رئيس جمعية الحياة، القرارة - الجزائر.

عضو هيئة العزابة - المجلس الديني لمسجد القرارة.

عميد كلية المنار للدراسات الإسلامية، الحميز - الجزائر

 

تغمدك الله برحمته الواسعة أيها الراحل الكبير..

 

المجد والخلود لآثارك العظيمة، والصبر الجميل لأهلك الكرام.

داعين الله - من جهتنا - أن يتقبله قبولاً حسنًا، وينزله منزلا حسنًا، في فردوسه الأعلى، ويحشره مع النبيين والصديقين والشهداء، وليتقبل سائر عمله وأن يجازيه خير الجزاء. و"إنا لله وإنا إليه راجعون".

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services