15894
0
مؤتمر الصومام...اللبنة الأولى لتنظيم الثورة وتحقيق هدف الاستقلال
يعد مؤتمر الصومام 20 أوت 1956 من أبرز أحداث الثورة التحريرية الوطنية من حيث أنه كان ضرورة قد أدركها أعضاء لجنة الستة الذين اتفقوا مبدئيا على الالتقاء بعد موعد تفجير الثورة بما يقارب شهرين وخلال مراحل الثورة المختلفة اتبعت الثورة الجزائرية استراتيجية عسكرية مختلفة الاسلوب والمنهج ومتفقة في المبادئ والتصورات، لقد استطاعت جبهة التحريرالوطني أن تقود الثورة ، رغم الامكانيات البسيطة التي كانت في حوزتها ، ضد دولة استعمارية تفوقها عدة وعتادا ومدعمة من قبل الحلف الأطلسي .
مريم بوطرة
استطاعت الثورة بفضل التحام الشعب حولها، أن تدخل مرحلة جديدة بعد مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956 ، الذي نظم البلاد تحت قيادة مركزية ، ووحد جيشا نظاميا وهياكل تنظيمية للثورة ، كما أوجد ميثاقا تسير عليه الثورة وتنظم من خلاله علاقاتها، واستطاعت بفضله أن تتغلب على دولة من أقدم الدول الاستعمارية ، وتحقق الهدف الذي اندلعت من أجله الثورة ، والمتمثل في الاستقلال التام.
وفي ذات السباق اعتبر المجاهد محمد دباح أن تاريخ 20أوت 55 ذكرى عظيمة التي زعزعت المدمر الفرنسي بعد أن رأى نزول الثورة إلى المدن ما جعله يفكر أكثر من مرة بعد أن كانت في شمال قسنطينة لكن هزت كل الجزائر وبتالي فهم المدمر بأنها لم تبقى في الجبال فقط.
واعتبر محمد دباح 20أوت 1956، ذكرى لتنظيم الثورة وإعادة هيكلتها، حيث أصبح هناك ولايات ومناطق، كل ولاية على رأسها عقيد مع مساعده أما المناطق أيضا أعيد هيكلتها من الأعلى إلى القاعدة وبتالي هذه الذكرتان عظيمتان دفعت الثورة للمضي قدما .
ظروف انعقاد مؤتمر الصومام:
وانعقد مؤتمر الصومام بالولاية الثالثة بواد الصومام في قرية إيفري غرب مدينة بجاية يوم 20 أوت 1956 بعد أن توطدت العلاقة بين النواة الجديدة لجبهة التحرير الوطني بقيادة كريم بلقسام، عبان رمضان، عمر أوعمران وبين قيادة الولاية الثانية بزعامة زيغود يوسف، والولاية الخامسة بقيادة العربي بن مهيدي.
قام العقيد عميروش بتجنيد حوالي 3000 جندي لحماية المؤتمر من أي هجوم فرنسي. وبعد 14 يوما من النقاش والحوار بين القادة الذين حضروا المؤتمر من المناطق الخمسة (باستثناء المنطقة الأولى بسبب استشهاد قائدها مصطفى بن بولعيد في مارس 1956 ونائبه بشير شيحاني وكذلك الوفد الخارجي لجبهة التحرير الذي تعذر عليه الحضور) ، استطاع العربي بن مهيدي رئيس المؤتمر والكاتب العام عبان رمضان وكريم بلقاسم وعمر أوعمران أن يتعرفوا على حقيقة الوضع في الجزائر من خلال التقارير السياسية والعسكرية التي قدمها قادة المناطق وأن يقيموا نظاما استراتيجيا متكاملا للثورة.
إقامة نظام إستراتيجي متكامل للثورة
يمكن تلخيص نتائجه فيما يلي:
إنشاء تنظيم إداري جديد للجزائر: يتمثل في تقسيم الجزائر إلى ست ولايات جديدة بدلا من مناطق وهي: الأوراس- قسنطينة- القبائل –الجزائر العاصمة وهران ، والصحراء، ثم تقسيم كل ولاية إلى مناطق وتقسيم كل منطقة إلى قسمات. وتتجسد السلطة في مجلس كل ولاية يرأسه عقيد وأربعة ضباط برتبة رائد، وكل واحد مسؤول عن قطاع معين.
التنظيم العسكري الجديد: وذلك بإنشاء هيئة أركان تابعة لجيش التحرير كما تقرر اعتماد مقاييس عسكرية موحدة لجيش التحرير وتقرر أن تتكون كل كتيبة من 110 مجاهد، وكل فرقة من 35، وكل فوج من 11 مجاهد. أما الرتب فهي المتفق عليها عالميا.
تأسيس المجلس الوطني للثورة الجزائرية: أعلى جهاز للثورة يوجه سياسة جبهة التحرير الوطني أو هو بمثابة البرلمان.
ما أكده هذا المؤتمر
أكد المؤتمر على مبادئ الثورة والاعتراف باستقلال الجزائر كشرط أساسي لوقف الحرب كما أكد على قرارات أخرى هي الاعتراف بجبهة التحرير الوطني كممثل شرعي للشعب الجزائري. والاعتراف بوحدة الشعب الجزائري ووحدة ترابه والافراج عن جميع الأسرى الجزائريين.
بالإضافة إلى تأكيد مبدأ القيادة الجماعية والعمل العسكري والسياسي على المستوى الداخلي والخارجي ،أما على المستوى الخارجي فقد أدت الثورة إلى أزمة حكومية في فرنسا، حيث باتت الحكومات الفرنسية تسقط الحكومة تلو الأخرى: حكومة منديس فرانس، حكومة إدغار فور ،حكومة قي مولي، حكومة موريس بورجيس مونوري، حكومة فيليكس غيار.
وانتشار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي أدخلت فرنسا في دوامة جعلت كل مواطن فرنسي يشعر باختلال التوازن في كل الميادين.
لقد قامت فرنسا بعمليات إرهابية يائسة نتيجة ما أصابها من إحباط في الميدان العسكري والسياسي، فقامت باختطاف طائرة الزعماء المتجهة من المغرب إلى تونس وإلقاء القبض على قادة الثورة الجزائرية وهم: أحمد بن بلة، آيت أحمد، محمد بوضياف، محمد خيضر، كان ذلك يوم 22/10/1956.
تخلي فرنسا على المغرب وتونس للتفرغ للثورة الجزائرية
واعتقدت فرنسا من وراء عملها القرصني أن تقضي على الثورة. كما ظنت أنها باشتراكها في العدوان الثلاثي على مصر يوم 30/10/1956 إلى جانب بريطانيا وإسرائيل تستطيع بذلك ضرب الثورة والقوة العربية المساندة لها.
وعلى المستوى المغاربي فقد تخلت فرنسا على تونس والمغرب للتفرغ للثورة الجزائرية، في حين شرعت حكومة غي مولي في ممارسة سياسة القمع والتقتيل والتعذيب محاولة منها القضاء على الثورة.
فعليه أمكننا القول بأن مناسبة هامة كمؤتمر الصومام لم تكن بالحدث العابر الذي لم يترك أثره على أرض الواقع، بل أنه قد نجح في خلق واقعا جديدا على غرار كل تلك التغيرات الجذرية التي مست الثورة التحريرية حيث كان لزاما على قادة الثورة ايجاد إطار تنظيمي ينظم شؤون الثورة ويحقق انتصارها .
مقتبس" أول نوفمبر بالنسبة لنا كان هو بداية الإنطلاقة لكن 20 أوت هو بداية الحرب وإعلانها بالنسبة لفرنسا "
إن المتتبع لتاريخ الثورة التحريرية الكبرى يجد فيه محطات تاريخية بارزة كل محطة تكمل مسار الثورة حتى تصل إلى المحطة اللاحقة ، وكل محطة تزيدها قوة وعزيمة ، حتى حققت أهدافها في التحرر والاستقلال. فالمحطة الأولى كانت ميلاد جبهة التحرير الوطني وتحرير بيان أول نوفمبر ، وتحديد زمان اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر المظفرة .
والمحطة التالية كانت هجومات الشمال القسنطيني بالولاية الثانية ، ثم مؤتمر الصومام الذي انتقل بالثورة إلى مرحلة التنظيم ، وبعد ذلك جاءت مرحلة الانتصار الدبلوماسي الكبير مع تأسيس الحكومة المؤقتة الجزائرية ، واخيرا كانت مرحلة المفاوضات التي توجت بالنصر الكبير بعد نتائج الاستفتاء .
إن 20 اوت 1955 تاريخ خالد وعظيم في مسار الكفاح المسلح فكانت إنطلاقة هجومات 20 أوت من منطقة الشرق الجزائري من الناحية الجغرافية تتميز بجباله المرتفعة وصعوبة مسالكها ، وغاباتها الكثيفة وشعابها الغائرة فكان ذلك عنصرا مساعدا لجيش التحرير الوطني لضرب العدو.
ومن ناحية أخرى فإن المنطقة تميزت بقوة الوعي السياسي لدى مختلف الفئات الاجتماعية للشعب سواء في المدن أو القرى ، أو الأرياف نظرا لوجود النشاط الثقافي والعلمي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقوة في مختلف مناطق الشرق الجزائري ، مما سهل المهمة أمام جبهة التحرير الوطني لنشر أفكار ومبادئ الكفاح المسلح.
بالإضافة إلى ذلك أن المنطقة يمكنها الحصول على الأسلحة بسهولة مقارنة بالمناطق الأخرى نظرا لقربها من الحدود التونسية مما يمكنها من تهريب الأسلحة من البلدان العربية كمصر وليبيا .
نتيجة لهذه المواصفات نظر المؤرخون اليها على أنها تتميز بقوة إضافية أثناء الثورة مقارنة بباقي المناطق وبالتالي سيسهل عليها أن تلعب الدور البارز منذ انطلاقة الثورة في مراحلها المتقدمة ، من خلال هجومات 20 أوت 1955 .
في هذا الصدد يؤكد الدكتور علي بوترعة أستاذ في التاريخ بجامعة وهران على أن هذه الهجمات جاءت ردا على محاولة الجيش الفرنسي بتطويق وإخماد الثورة الجزائرية وكانت تخفف الضغط على منطقة الأوراس وتعمل على تعزيز وحدة المغرب العربي من خلال إحياء الذكرى الثانية لنفي محمد الخامس أنذاك.
اجتمعت قيادة الولاية الثانية ، فوقع تبادل الآراء ،وانتهت بتعيين المسؤولين ، ووضع المخطط الهجومي العام على كل المدن والقرى بالولاية ، وتجنيد الشعب ، وتحديد الوقت ،وتأطير الهجوم حيث يضيف ذات المتحدث على أن التخطيط دام لمدة ثلاث أشهر في سرية تامة.
من صاحب فكرة هذه الانتفاضة ؟
إن الذين عاشوا تلك الفترة يجمعون على أن زيغود يوسف هو صاحب فكرة هذه الانتفاضة وعندما اختمرت في ذهنه نقلها إلى مساعديه الأقربين ، وفي مقدمتهم لخضر بن طوبال ولقد كان زيغود يوسف من قدماء المنظمة الخاصة. ولقد كان يقول : "دائما إن القمع الأعمى يولد القمع الأعمى ،والعنف يدعو للعنف ".
وعلى هذا الأساس فإذا تمكنت جبهة التحرير الوطني في عملية هجومية ضد الاستعمار وقواته بجميع أنواعها ، فإنها ستتسبب في رد فعل عنيف يقطع خط الرجعة على المترددين ، ويوقظ الحس الوطني لدى عامة المواطنين وهذا من شأنه تعبئة الجماهير ، وجعلها تتحمل مسؤولياتها كاملة
20 اوت 55 مجرى كفاح الشعب الجزائري على المستوى الداخلي والعالمي
وقد عبر المجاهد رضا مالك عن هجومات الشمال القسنطيني بقوله : "إن أول نوفمبر بالنسبة لنا كان هو بداية الإنطلاقة لكن 20 أوت هو بداية الحرب وإعلانها بالنسبة لفرنسا " لقد غير 20 اوت 55 مجرى كفاح الشعب الجزائري على المستوى الداخلي ، والعالمي لأنه أخرج الثورة من عزلتها ، وجعلها شاملة لكافة أرجاء الوطن فقد جعل الثورة تتغلغل في نفوس الجميع متفجرة كالبركان .
حيث أعطى نفسا جديدا وانتعاشا عظيما لمسيرة الكفاح ، وكان فاصلا حاسما بين سياسة التهدئة ، التي جاء بها جاك سوستيل وإعلان الشعب الجزائري رفضه المطلق لهذه السياسة الأمر الذي جعل فرنسا تدرك الخطر وتوجه قواتها للقيام بتسليط عمليات القمع ضد الشعب الجزائري.
ويتضح جليا الدور البارز الذي لعبته منطقة الشمال القسنطيني ، أو الولاية الثانية ، في السنة الأولى من الثورة حيث كانت من أقوى المناطق التي احتضنت أفكار الجهاد والتحرير والاستقلال وطرد المحتلين.
ورغم ما عانته من صعوبات لاسيما النشاط الواسع للقياد والخونة ، واستشهاد قائدها الأول الشهيد ديدوش مراد في يوم 18 جانفي 1955 بالإضافة إلى نقص الأسلحة ، فقد تكيفت . تلك الظروف الحرجة ؛ خاصة مع حنكة قائدها الجديد زيغود يوسف .
وإن تميزت الفترة التي تلت استشهاد ديدوش مراد بهدوء مؤقت فقد ركزت المنطقة الثانية قبيل هجومات 20 أوت على التنظيم السري او السياسي ؛ لاسيما القضاء على الخونة وأذناب الاستعمار من أجل ربح ثقة الشعب ومساندته .
في ظل الظروف الصعبة التي كانت تمر بها الثورة ، بعث شيهاني بشير نائب قائد المنطقة الأولى سالة إلى قائد المنطقة الثانية زيغود يوسف ، لأنه أدرك ان الثورة قد تختنق أو تجهض طالبه فيها بعمل شيء من أجل الثورة ؛ إذا لم تتحرك المناطق الأخرى ، وتفك الحصار المفروض على المنطقة الأولى الأوراس وهكذا وجد زيغود يوسف نفسه مضطرا إلى القيام بمبادرات ، وبدأ ينسق مع عبان رمضان وقادة الداخل .
ما وراء تنظيم عمليات 20أوت؟
وقام بتنظيم عمليات 20 أوت 1955 قصد تخفيف الضغط عن ولاية الأوراس ، والقيام بعمليات جماعية وجماهيرية اي، بمشاركة الشعب الجزائري حتى يتمكن من تحرير نفسه بنفسه وقد تقرر أن تكون العمليات العسكرية في منتصف النهار ، وليس في الخفاء وذلك قصد المجاهرة بالثورة ، وقطع كل الصلات مع العدو الفرنسي .
وفي منتصف نهار يوم السبت 20 أوت اهتزت الأرض تحت أقدام المعمرين ، والجيش الفرنسي ، والبوليس بهجمة مفاجئة من الجماهير وهي تزحف نحو المدن والقرى في شجاعة وإقدام .
يقول في هذا الصدد الدكتور بوترعة أن العملية شملت أزيد من 26مدينة وقرية على مستوى الشمال القسنطيني واستهدفت كافة المنشآت والمراكز الحيوية الاستعمارية وقد تمكن المجاهدين من احتلال المدن في هذا اليوم ماسمح للجماهير الشعبية بالتعبير عن رفضهم للاستعماروللاستدمار.
زيغود يوسف "اليوم أصبحت القضية قضية موت أو حياة" ... لحظة إدارك
لقد كان زيغود يوسف واعيا بخطورة الوضع، وهو يقوم بالإعداد لهجومات الشمال القسنطيني في 20 أوت 1955 ونلمس ذلك من قوله : اليوم أصبحت القضية قضية موت أو حياة ، ففي نوفمبر كانت مسؤولياتنا تنحصر في تحرير الوطن ، وتنفيذ الأوامر لكن اليوم وجب علينا أن نختار إحدى الطريقتين إما أن نشن غارات عامة يحدث من جرائها الانفجار الشامل ، وبالتالي نحث كل الجهات على مضاعفة عملياتها ، ويذاع صوت كفاحنا بكل صراحة على المستويين الداخلي والخارجي ، وإما أن يكون هذا بمثابة برهان بأننا عاجزون على أن نقود هذا الشعب إلى الاستقلال ، وبهذا نكون قد قاتلنا إلى آخر مرة وتكون في النهاية عملية انتحارية.
الأهداف الكبرى لهجومات 20 أوت
بنسبة لأهداف هجومات الشمال القسنطيني تمثلت في مضاعفة عدد مراكز التوتر في أماكن كثيرة من المنطقة الثانية (الشمال القسنطيني) ليرفع الحصار المضروب على المنطقة الأولى الأوراس ، التي كانت تعاني من عمليات التمشيط المبكرة آنذاك بالإضافة إلى نقل الحرب الساخنة من الجبال والارياف إلى المدن والقرى .
وبذلك يحقق هدفين في أن واحد فمن جهة يخفف الضغط المفروض على الريف من أجل محاولة خنق التنظيم الثوري في مهده ومن جهة اخرى ليتأكد الاستعمار من أن الثورة في كل مكان ، ولكي تتسع الهوة بين السلطات الاستعمارية والجزائريين ، الذين كانوا ما يزالون مترددين .وكذا إقناع الرأي العام الفرنسي والرأي العام العالمي ، بأن الشعب الجزائري قد تبنى جبهة التحرير الوطني، وهو مستعد لمجابهة الرشاشات والدبابات من أجل تحرير البلاد .
وتدويل القضية الجزائرية وذلك بحمل الجمعية العامة للأمم المتحدة على تسجيلها في جدول أعمال دورة 1955 يضاف إلى ذلك محاولة الثورة القضاء على السياسة التي جاء بها جاك سوستال، التي لم تقف عند حدود العمل الأمني ، بل كانت تهدف الى تخريب الحركة الثورية في كل النواحي الشرقية من البلاد ، التي تشكل في واقع الأمر جبهة وتسمح لسوستال بأن يختار من بين الممثلين السياسيين من الاحزاب القديمة ، وغيرها مفاوضين مقبولين ؛ أي بمعنى أشخاصا لتينين لتكوين قوة ثالثة .
التحضير لعملية الهجومات
أثناء التحضير لعملية الهجومات ، تولى زيغود شخصيا الإشراف على تنظيم هجوم قسنطينة وضواحيها وحددت الأهداف التي ستشمل معظم مناطق الشمال القسنطيني ؛ كوادي الزناتي عين عبيد الحروش السمندو فيليب فيل سكيكدة حاليا قسنطينة الخروب ، عزابة قالمة ، وميلة ، وغيرها . وعين أهم هدف هو مدينة فيليب فيل ؛ كونها مركزا هاما للنشاط الاقتصادي والعسكري ، وكذلك الطابع الجغرافي الذي تتميز به حيث تعلوها جبال غابية مما يسهل عمليتي الهجوم والانسحاب .
ولأن يوم 20 أوت كان يوم السبت المخصص لسوق أسبوعية ، حيث يكثر عدد الوافدين عليها وقد خصص لها ما يزيد عن عشرون فوج ومجموعة يتراوح عدد كل منها من عشرة إلى مائة فرد.
أماعن الهجوم قد بدأ في الوقت المضبوط أي في منتصف النهار ، وهو موعد وجبة الغداء عند الأوربيين المدنيين ، لأن العسكريين يتغدون قبل ذلك بساعة ، ثم أن الوقت صيف وبعد الظهر تشتد الحرارة ، ومعظم أفراد الجيش الفرنسي غير معتادين على ذلك ومن جهة اخرى فإن منتصف النهار في ذلك الوقت ، هو وقت أذان صلاة الظهر ، وقد أراد زيغود يوسف أن تمتزج الدعوة للصلاة بالدعوة للجهاد ، وهو ما حدث في أغلبية القرى والمدن .
ثلاثة أيام كفيلة في إذاعة صوت الكفاح المسلح
وفي اليوم 20 أوت سنة 1955 انطلقت عملية الهجوم التي لم تكن مقتصرة على يوم واحد بل كان مقررا لها أن تدوم ثلاثة أيام ، وهذا ما حصل بالفعل بالنسبة لبعض النواحي بالشمال القسنطيني فقد هاجمت أفواج جيش التحرير الوطني مدعمة بالشعب ثكنات العدو ومراكزه وحررت بعض القرى تحريرا كليا مثل أراقو قرب جيجل ، وفجرت قنابل بالمدن داخل المحلات العامة للمعمرين ، ونفذ حكم الإعدام في بعض الخونة ، واستعمل في هذا الهجوم إلى جانب بنادق الصيد الخناجر والفؤوس ، والمداري والعصي والحجارة ، وغيرها من طرف الشعب.
بالنسبة للهجوم قد بدأ في الوقت المضبوط ، ولكن ليس في كل الجهات المحددة بل يمكن الجزم أن الجهة التي أشرف عليها الشهيد زيغود مباشرة ، هي التي نفذت الخطة بكل دقة ، لأجل ذلك وقع كل الثقل تقريبا على الشريط الممتد بين سكيكدة ، القل، وقسنطينة شاملا على الخصوص مدينة سكيكدة وضواحيها.
لكل فعل ردة فعل
كان رد فعل السلطات الفرنسية عنيفا فقد رمت القوات الفرنسية بثقلها ، وشنت عمليات قمع رهيبة وبدون تمييز ، وقام الجيش الفرنسي عن طريق مليشيات مختصة في الإبادة الجماعية ضد الشعب ، وكانت أكبر نسبة من التقتيل في مدينة فيليب فيل (سكيكدة) في ملعب أوت حاليا حسب الدكتور بوترعة فقد لجأ الاستعمار إلى الإنتقام من المدنيين ،حيث استشهد 1273 جزائريا ، وقتل 123 فرنسيا ، وأدت إلى القطيعة بين المدنيين الأوربيين والشعب الجزائري .
نتائج هجومات 20 أوت على مسار الثورة
إن قيمة أي عمل رهينة بما يخلفه من نتائج إيجابية ، أو سلبية ، وبالنسبة لهجومات 20 أوت 1955 فقد ترکت نتائج هامة في مسيرة الثورة التحريرية الكبرى ، وقد كتب الكثير عن تلك الهجومات
نتائج على مسار الثورة ونذكر بعض الآراء تمثلت في منح الفرصة الأخيرة للسياسيين الجزائريين كي يلتحقوا بجبهة التحرير الوطني . أما المجاهد مسعود معداد فقد كتب إغراق عمل البحث وأجهزة مباحث السلطات الاستعمارية في الجماهير الشعبية وترتيب الجبهة في جو أوسع للتمكن من بعثرة العدو . وكذا خلق حالة اللاعودة لتوسيع الشقة الفاصلة بين المستعمر والشعب وابعاد كل المحاولات الهادفة إلى خلق لعبة المفاوض المقبول.
أما النتائج السلبية فتمثلت في عدد الشهداء الذي قدرته بعض المصادر 12000 شهيد في الأيام التي اعقبت الهجومات ، في حين أن السلطات الرسمية قدرت الفرنسية ، عدد القتلى في صفوف الجزائريين 1275 ضحية اما عدد القتلى في صفوف العدو فقدرته 123 قتيل ومن جهة أخرى فإن عدد المجندين في المنطقة الثانية ارتفع إلى 1200 مجاهد في أكتوبر 1955 أما القوات الفرنسية فارتفعت إلى 210000 جندي فرنسي مع مطلع سنة 1956.
ونقلا عن بعض المصادر أن أحد الجنود الفرنسيين كان يتحدث عن جرائم الجيش الفرنسي في مدينة فيليب فيل (سكيكدة) قائلا : إننا شرعنا نطلق الرصاص على الجميع بدون تفريق ، وكان قادتنا يحددون الأوامر باستهداف كل العرب الذين تلقاهم وظللنا مدة ساعتين لا نسمع غير صوت الأسلحة الأوتوماتيكية تقذف النار على الجمهور. بعد ذلك جاءت أوامر جديدة تقضي بجمع الأسرى ، وفي الغد على الساعة السادسة صباحا سطرت المدافع الرشاشة امامهم ثم اطلق الرصاص وبعد عشر دقائق انتهى كل شيء ، وكانت أعدادهم هائلة إلى درجة أن دفنهم استوجب استعمال الجرافة .
إن معظم الأهداف التي سطرتها الأحداث قد تحققت فعلى سبيل المثال ، نذكر منها يقظة الحس الوطني لدى منتخبي الدرجة الثانية من الجزائريين الذين سيصدرون لانحتهم المشهورة بعد حوالي شهر من وقوع الهجومات كما أن المجلس الوطني الفرنسي قد خصص نتيجة، لذلك ثلاثة أيام في منتصف شهر أكتوبر للتداول حول القضية الجزائرية أما الجمعية العامة للأمم المتحدة ، فإنها بفضل موقف بلدان العالم الثالث ، قد سجلت المسألة الجزائرية في جدول أعمال دورة سنة 1955 . وكان بأغلبية صوت واحد.
بوترعة علي :20أوت إختزل من عمر الثورة بضعة سنوات
أما بوترعة علي يبرز نتائج هذه الهجمات في اعطاء دفعا قويا للاستجابة الجماهيرية لامثيل لها على حد قوله ،إذ بلغ عدد المجاهدين في المنطقة الثانية بعد هجوم 20أوت 2000 مجاهد وحوالي 5000مسبل وغادر الطلبة مقاعد الدراسة من أجل الالتحاق بصفوف الجيش التحرير الوطني، وكذا القضاء تماما على ماكان يروج له العدو بأن الثورة ليست إلا تمردا محليا سيقضي عليها خلال ثلاث أشهر.
ويواصل بوترعة حديثه عن 20أوت قائلا أنه إختزل من عمر الثورة بضعة سنوات حيث أصيب الجنود الفرنسيين بخيبة كبيرة واحساسهم بالفزع الأكبر والخطر على حياتهم حيث انتشرت بينهم روح التمرد والعصيان ضد الحرب في الجزائر حيث تمرد أزيد من 400جندي و200من فرقة المدفعية رقم 451في كنيسة ونشرت مقالات ضد السياسة الفرنسية.
إن أحداث العشرين أوت هي التي فرضت على صحافة العالم كله ، أن تخصص أعمدة كاملة تحت عناوين كبيرة للقضية الجزائرية بمفهوم جديد غير الذي يجعل من الجزائر جزءا لا يتجزأ من فرنسا ومن جهة أخرى فإن هذه الانتفاضة كسرت جناحي الجنرال سوستال ، الذي كان يؤمن بأن الإصلاحات الاجتماعية وبعض الحقوق للجزائريين تكفي لعزل جبهة التحرير الوطني وتقضي عليها وكان يعتمد على مجموعة من المعتدلين مثل فرحات عباس ، لكن زيغود يوسف تدخل بعنف فزاد الهوة اتساعا إنذارا شديد اللهجة للإطارات الجزائرية التي كان سوستال يركز عليها أماله .
وهناك بعض النتائج التي حققتها هجومات الشمال القسنطيني ، ولم تتطرق إليها الكتابات وفي مقدمتها الجو العام الذي خلقه ذلك الحدث في مواقع الثورة داخلها وخارجها، فقد شجع نجاح العملية زيغود على أن يوجه دعوة لعقد اجتماع وتحقق في الميدان في مؤتمر الصومام بشهادة العقيد عمر أو عمران بقوله لقد وردت إلينا رسالة حررها الأخ زيغود يوسف وبعض الاخوة معه ، وتدعو هذه الرسالة التي وجهت إلى المناطق الأخرى ، ووافقنا عليها بالإجماع والدعوة إلى عقد مؤتمر .
بعد هجومات 20 أوت 1955 لم يبق من تفاؤل جاك سوستال شيء ، وبعد أن حققت الهجومات نتائج مهمة للثورة على جميع الاصعدة ؛ الداخلي والخارجي ،والعسكري والدبلوماسي فإنها كشفت عن حقيقة السياسة الفرنسية الرامية إلى ابادة الشعب الجزائري ومن جهة أخرى قضت هذه الأحداث على جميع الحلول المشلولة التي كانت تراود بعض العناصر السياسية الجزائرية التي ما تزال تحلم بالإدماج والحلول الوسطى السياسية .
لقد أعطت أحداث العشرين أوت دفعة جديدة للثورة وزادتها قوة فقد ساهمت في تقوية التحام الشعب الجزائري بمختلف شرائحه بالثورة ، كما زاد التفافه حول جبهة التحرير الوطني كممثل سياسي وحيد لهذا الشعب ، والناطق الرسمي باسمه. لقد انتقلت الهجومات بالثورة من مرحلة الاندلاع ، إلى مرحلة الشمولية والاتساع بين مختلف فئات الشعب ، وبين كل المناطق ، وبين المدن والأرياف والقرى .
بعد هجومات 20 أوت 55 لم يعد هناك مجال للتشكيك في قوة الثورة الجزائرية ، ولم يعد هناك مكان لموقف الحياد ، أو الحلول الوسطى لذلك سنجد مختلف عناصر الحركة الوطنية تنضم أفرادا بعد أن حلت نفسها ابتداءا من جانفي 1956 .
لقد كانت الثورة في حاجة إلى عمل عسكري قوي يقوض أركان قوات الاستعمار ، ويعيد الثقة في نفوس المجاهدين ، ويعيد الأمل بالتحرر لمختلف فئات الشعب الجزائري المحرومة ،فقد عملت هذه الأحداث ، على دفع مسيرة الثورة إلى الأمام بكل قوة وبعثت روح الأمل لنفوس المجاهدين والشعب ، ولم تعد الثورة حرب مناطق، بل أصبحت ثورة شعب بالمعايير العالمية ، وانتشرت في كامل التراب الوطني .
ونتيجة لكل هذه التطورات التي حققتها الثورة فقد كان لزاما بعد هذا الانتصار الشامل ، أن يعاد تنظيم الثورة من جديد بسبب شموليتها واتساع نطاقها بين مختلف فئات الشعب الجزائري ، وعلى كامل التراب الوطني ، وفي المحافل الدولية ، فدعى منظر هجومات الشمال القسنطيني زيغود يوسف لعقد مؤتمر تدرس فيه تطورات الثورة بعد الأحداث ، فكانت فكرته بإعتراف من عايشوه إلى عقد مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956 .