292

0

موسم الأفراح  بين الأصالة  والتقليد أعراسنا تفقد روحها وأهدافها الاجتماعية

 

 

    تترقب العائلات الجزائرية بشغف كبير فصل الصيف لأنه فصل الحصاد العام ففيه تجمع الغلال والمحاصيل الزراعية وتنظم الأنشطة المختلفة التي ييسر مناخ الفصل الاستضافة والتنقل لطول يومه واعتدال جو لياليه فهوالفصل المناسب لإقامة الأفراح التي تجمع العائلات في أعراس الزواج والختان ..

مسعود قادري 

فالعائلات الجزائرية المعنية بتنظيم حفلات لتزويج شاب أوشابة على السواء، تبدأ في إعداد العدة مبكرا  لتوفير ما تتطلبه المناسبة من إمكانيات  مادية وأدوات الطبخ ومتطلبات الفرش و الإطعام و.. ، بينما تترقب العائلات القريبة الموعد بمجرد سماع الخبر ووصول الدعوة  لتقديم العون والمساندة ولم شمل العائلة والجيران أياما معدودة يزداد فيها التقارب بين الأصول والفروع ويتعارف الجيران من خلال مشاركة أهل الفرح في تحضير متطلبات الحدث  واستقبال الضيوف والمدعويين للفرح من سكال القرية في الريف أو سكان الحي والمعارف في المدينة. ..

 إقامة الأعراس في بلادنا سواء بين ساكنة الريف أو الحضر، لاتقتصر على أمسية أكل يتفرق بعدها  الجمع كل  لشأنه وكأنه لاتربطه أية علاقة بأهل الفرح ، بل  تستمد  جذورها  من الروح التضامنية والتعاونية بين الأسر ومحيطها القريب والبعيد وفق ما يدعو إليه الدين الحنيف  وتجسده التقاليد الجزائرية العريقة .. فبمجرد الإعلان عن تاريخ إقامة  فرح ـ زواج ـ  عند عائلة ما، يستعد كل الأقارب والأحباب للدعم والمساندة المالية والعملية ويكون استعداد نساء العائلة  القريبة في المقدمة تأهبا للمساندة بالسهر لعدة أيام  في تحضير الكسكسي  بكميات  تكفي  ليوم العرس وإطعام ضيوف ماقبل ومابعد الفرح . .. أما الرجال فلكل دوره وما يستطيع تقديمه لصاحب الوليمة  (والد العريس أو العروسة ) ...

 فلمساندة ربة البيت وبناتها او كناتها ، تستدعى نسوة الأسرة القريبة بالخصوص لمدة أسبوع فتزداد بينهم الألفة والمحبة من خلال مايقمن به من تحضير وهن يرددن الصلوات على النبى محمد صلى الله عليه وسلم  والأغاني المحلية " المواويل "النقية والصافية ـ قبل انتشار الغناء والأناشيد الحديثة التي فيها الصالح وفيها  ما لاخيرفيه غير التصفيق والزغاريد ..

نأتي الآن إلى تنظيم العرس .. في الريف يتم اختيار الصيف لشساعة المساحات المحيطة بالمنزل التي تنظف وتفرش  بالزرابي لاستقبال المدعويين والمهنئين.. أما في المدينة، فالتعاون بين الجيران هو الحل..  فالجار القريب يفرغ بيته لجاره  يستقبل  فيها مدعويه  وإن لم يتسع المنزلان ، تقام  خيمة كبيرة أمام العمارة  تخصص للاستقبال وإطعام الرجال.  وفي الحالتين ـ في الريف أو المدينة ـ تظهر اجمل صور التعاون والتضامن بين الجيران والأقارب لتخفيف الحمل على صاحب الفرح  بدلا من تركه وحيدا كما هو الحال الآن في بعض الأحيان حيث يكتفي المدعو بالتحية والتوجه إلى المائدة ثم الانصراف ..!.؟.

ثم  ... تغيرت الأمور تدريجيا مع التطور الذي عرفه المجتمع والذي مس حتى أصول الحياة والتقاليد العريقة في تنظيم الأفراح وقضى على روحها التضامنية والتعاونية  وماتتضمنه من صلة للرحم التي كانت  هدف  الأفراح فتدعمها وتعطيها نفسا جديدا بالصلح بين الأقارب  وذوي الأرحام ونسيان الخلافات العابرة  ..

 التطور الذي نتغني به لم يغيرر سلوكتنا الحضارية في التعامل مع العمل ، البيئة، الإنتاج  وتقليد الغرب والشرق فيما يفيد البلاد والعباد، بل  النواحي الإيجابية في المجتمع التي لايحبذ الغرب بقاءها في مجتمعاتنا  فخطط للقضاء عليها  تدريجيا  وعلى معانيها السامية ت  بل  مس حتى روحها وطباعها قبل  نوعية  الوجبات التي تفنن فيها الناس وعددوا أطباقها من حيث المحتوى والكمية  المقدمة للمدعوين الذين يتحتم على بعضهم أن يكون مرفوقا بهدايا تملأ العين وذات قيم!.؟. هذه الظاهرة انتشرت خاصة  بعد نقل الأفراح من البيوت إلى القاعات التي  جعلت صاحب الوليمة يكلف نفسه ما لا يطيق حتى لا يقلل من شانه بين مدعوييه  في وقت صار فيه التقليد عملة رئيسة بين الناس وسلوكا لا يمكن أن تناقش فيه حتى من لا يستطيع مجاراته لما يكلفه من أعباء  ماليه إضافية تجعله مدينا  لمدة طويلة  ولا يقبل النصيحة بالتزام  المعقول  والتصرف وفق الإمكانات المتاحة !...   .فبعضهم صار عبدا  لبعض  الأقوال الدخيلة المتداولة دون مراعاة نتائجها السلبية.. فالمثل المحبب عند  غالبية السيدات  بالخصوص وأتباعهن من الرجال هو: "دير  كما يدير جارك  وإلا حول باب دارك..!؟" وهذا المثل وضع الكثير من الرجال تحت طائلة الديون لسنوات عديدة ...

وجبات أبعدت الوليمة عن  مغزاها ..

بالنسبة لمحتوى الوجبات، وبعد التخلى عن الأكلة الشعبية الأولى في البلاد" الكسكسي " ـ المفضل لدى في كل الولائم ـ  وتعويضها بمأكولات أخرى  يتزعمها المثوم أو"الشطاطح" المتنوعة (حسب ظروف صاحب الوليمة)،   دون نسيان الشربة والسلاطة  واللحم الحلو وبقية الأطباق  الغريبة التي قضت على تقاليدنا في وجبات فقدت كل نكهتها وهدفها الاجتماعي  وتحولت إلى مجرد دعوة للعشاء او الغداء في قاعة  قد لا يتصادف الأقارب لضيق الوقت تجنبا  لزيادة تكاليف الإيجار وكثرة المدعويين ..بينما كانت تجمعات ألأفراح سابقا فرصة مواتية لإصلاح ذات البين وزيادة التقارب بين أبناء العائلة الواحدة والمحيطين بهم من خلال السهرات التي تنظم  طوال أسبوع التحضير للفرح وبعده بيومين أو ثلاث..

    لايوجد خلاف كبير بين طرفي الفرح. فالتحضير لحفل الزفاف في بيت العروسة يبدأ أيضا مبكرا، حيث تنشط أسرةالعروسة بمجرد الاتفاق وإتمام الخطوبة، في تحضير لوازم ابنتها من ملبس ومفرش ووسائل خاصة بها،  قبل أن  يحل وقت التجهيزعند اقتراب موعد الزفاف ...ومن تقاليد مجتمعنا ، أن العروس ت لاتبخل بالمساهمة  في تأثيث بيت الزوجية بما تحضره من متاع  بالقدر الذي يساهم في تزيين غرفتها بالفراش والغطاء واللوازم التي  تفوق قيمتها ما يقدم لها من مهر شرعي بكثير وهو ما يدل على قداسة الزواج عند العائلة الجزائرية  ..؟ !  

    عند انتهاء التجهيز وقبل يوم أو يومين من تاريخ الزفاف  يقدم أهل العريس لأصهارهم الجدد كتطلبات تنظيم عشاء يجمع العائلتين  فيما يسمى" بعشاء العروسة"..  هذه المناسبة تستغلها أم العروس لعرض ما أعدت لابنتها من ملابس عادية وغير عادية تعرضها العروس فيما يعرف عند النساء  بـ " التصديرة " او "التبريزة"، وهي خرجة لها خصوصياتها عند النسوة ... لاندخل في تفاصيلها ..

أما مأدبة العشاء فتكون بمثابة جسر للتواصل والتعارف بين العائلتين وأقربائهما من الرجال والنساء..  لكن دون اختلاط.. !؟ . .. الوجبة  هنا ايضا تعرضت للتقليد والتغيير وخرجت عن المألوف  ولكنها شبيهة بما يقدمه أهل العريس مع ملحقات أخرى  مثل الحلويات التي توزع على المدعوين قبل مغادرة مكان  الحفل...

و إذا كانت ربات البيوت " المتحضرات ..!؟ " قد ارتاحت لتنظيم الأعراس بالقاعات لتخلصها مما تخلفه الولائم في البيوت من بعثرة  في الأدوات والوسائل ، والخدمة الزائدة لأهل البيت  ـ بعد العرس ـ   فإن بعض المقلدات تبررن  لجوءهن إلى القاعات باختصار العرس في ساعات بدل الأسابيع حفاظا على صحتهن ورشاقتهن  ولا يهمهن المغزي الحقيقي من الفرح  وفوائده الاجتماعية والدينية   ..الله المستعان ..!؟

 

قاعات الحفلات تثقل كاهل العرسان ..؟

تكاليف خيالية لخدمة عادية !..

 انتشرت  قاعات الحفلات عبرمدن وقرى الوطن وعرفت في  بعض المناطق ارتفاعا جنونيا في اسعار الحفل الواحد .. فقد أصبحت القاعة عائقا من العوائق التي يجب التفكير فيها وتحضير ما تكلفه من خزينة المتزوج والعائلة ..

 وهذا مثال يوضح الواقع والمقال !؟...المثال وقع لشاب مغترب العام الماضي فقط . فقد حضر هذا الشاب إلى الوطن  انطلاقا من عقيدته وأصله ليكمل  نصف دينه ويقيم فرحا لعائلته واحبابه واصهاره فكلف قريبة له باختيارالقاعة  في حي ساحلي من احياء العاصمة  فقاكت السيدة بالمهمة لكندون الدخول في التفاصيل  ..  طلب من  العريس أن يقدم  تسبيقا بـ 15 مليون سنتيم . فاستجاب للطلب ظنا منه أن سعرالكراء لن يتجاور الـ30  أو 40 مليون سنتيم ،غيرأنه  تفاجأ عند تحديد الموعد الرسمي للفرح  بان عليه إتمام المبلغ الباقي لتكلفة القاعة وحدها  والمقدر بـ 60 مليون سنتيم  ، دون تكاليف الوجبة ـ فوجيء المسكين بالمبلغ  لكن لم  يبق أمامه الوقت الكافي للتغيير بعد أن  وجه الدعوات وابلغ الضيوف بالمكان والزمان ... عند الاستفسار ـ عن السعر الخيالي المفروض عليه  اكتشف ان قريبته  لم تقدم له التفاصيل وعندما اقترب الموعد وجد الرجل  نفسه أمام خيار واحد ووحيد هو الرضوخ للأمر الواقع والقبول بالسعر مهما كان ابتزازه فتجاوزت التكلفة الإجمالية  الـ 100مليون سنتيم ربما عرق سنوات لجمعها  .. كل الضيوف  استنكروا تكاليف القاعة التي تتمتع  بمظهر وموقع جميلين وموقف مريح للسيارات شاسع وواسع  لكن التكاليف  مبالغ فيها كثيرا ـ خاصة أنه لايتضمن متطلبات الوجبة  والمشروبات ..

هذا مثل بسيط لما هو أدهى وأمر من ابتزاز مالكي القاعات الذين يزيدون في تعقيد وضع الشباب الاجتماعي وعزوفه عن الزواج الذي صار كابوسا يرهب  كل من لاطاقة له بكل هذه المصاريف ..فأين التيسير الذي يطلبه الشرع والقانون وتحث عليه الأخلاق عند كل الأمم التي تريد تجديد مكوناتها البشرية  والمحافظة على تشبيب وتجديد شعوبها.. ؟.و للحديث بقية  إن شاء الله..

يتبع...

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services