في حدث ثقافي استثنائي يعكس عمق الهوية الجزائرية وتنوّعها، احتضنت ولاية المنيعة فعاليات الأسبوع الثقافي لولاية تيبازة، تحت رعاية وزيرة الثقافة والفنون الدكتورة مليكة بن دودة.

لحسن الهوصاوي

تظاهرة فنية لم تكن عرضًا للاحتفاء بالموروث فحسب، بل منصة استراتيجية لإعادة تثمين الثقافة كرافعة اجتماعية واقتصادية تفتح آفاق التعاون بين ولايات الوطن.
حضور رسمي يعكس دعم الدولة للمبادرات الثقافية
شهد الافتتاح حضورًا لافتًا لمسؤولين محليين وطنيين،و السلطات الأمنية بينهم المفتش العام نيابة عن الوالي مختار بن مالك، أعضاء المجلس الشعبي الولائي، مديرة المتحف العمومي الوطني بالمنيعة و الطاقم المسيير للمتحف ، وممثلو قطاع الثقافة والإعلام.و

حضور لافت لصناع المحتوى بالمنيعة 
هذا الحضور عزّز البعد المؤسساتي للتظاهرة، وجعلها فضاءً للنقاش حول آليات تثمين التراث وتطوير الصناعات الثقافية على المدى الطويل.
وقد أشرف على الانطلاقة كل من:ياسين العابد، محافظ المهرجان الثقافي المحلي للفنون والثقافات الشعبية بالمنيعة. و هبة الله جوادي، محافظة المهرجان لولاية تيبازة ومديرة دار الثقافة.
افتتاح بنكهة ساحلية وروح صحراوية
انطلقت الفعاليات بعرض فلكلوري قدمته جمعية من تيبازة، مزج بين الإيقاع الشعبي والرمزية الساحلية، ما خلق حالة من التفاعل الوجداني بين الحضور، تلاه تدشين معرض للتراث الثقافي ضمّ منتجات نسوية، وصناعات يدوية، ولوحات تشكيلية أبرزت مهارة فنانات من تيبازة منهن: زيار خداوج، فرحي خيرة، مرزن فتيحة، حدباوي جميلة، ووالمة سهيلة.

 

المعرض سلط الضوء على دور الحرف النسوية كمدخل للتمكين الاقتصادي عبر الثقافة.
تفاعل فني يختصر المسافات بين الجزائر العميقة
تواصلت الأمسية بوصلات موسيقية من الطابع العاصمي والشاوي قدّمها الفنانون آية دوح، عماد دوح، وزفان عبد القادر، بمرافقة عزفيّة من ساكر يوسف، أخضير بدر الدين، ورمضان أشرف يحيى.
كما أثرت الأمسية قراءات شعرية بدوية للشاعر نور الدين طيبي، وقصائد تستحضر ذاكرة الصحراء وتعيد تشكيلها في قالب فني معاصر.
أما المسرح فقد حضر بدوره من خلال عروض قصيرة أدّاها الطاهري الطاهر، موساوي محمد الأمين، وزيبوش سليم، ناقشت قضايا اجتماعية قريبة من الجمهور المحلي.

 

شهادات تكشف عمق الرسالة الثقافية
قالت هبة الله جوادي إن هذا الأسبوع الثقافي "ليس مجرد تظاهرة عابرة، بل جسر يربط أبناء الوطن على اختلاف مناطقهم"، مؤكدة أنّ نقل الخبرات بين الولايات ضرورة لاستدامة الموروث الشعبي.
بينما وصف ياسين العابد الحدث بأنه "منعطف مهم لتثمين الموروث وتحويل المنيعة إلى قطب ثقافي جهوي".
أما الفنانة آية دوح فاعتبرت أن "الفن قادر على اختصار المسافات، وأن الأغنية تجمع أبناء الوطن مهما تباعدت الجغرافيا".
تكريمات تعزّز قيمة الإبداع الوطني
عرف اليوم الأول تكريمًا خاصًا لمحافظة مهرجان تيبازة من طرف محافظة مهرجان المنيعة، إضافة إلى تكريم الشاعرة حورية صياد بعد حصولها على المرتبة الرابعة وطنياً في مهرجان الأغنية البدوية بولاية تيسمسيلت.

الثقافة كرافد اقتصادي واجتماعي: قراءة تحليلية
تقدم تظاهرة المنيعة تيبازة نموذجًا واضحًا لإمكانات الثقافة كقطاع قابل للاستثمار:
اقتصاديًا: من خلال ترويج المنتجات المحلية وفتح قنوات تسويق جديدة.
اجتماعيًا: تعزيز التماسك الاجتماعي وتفعيل الذاكرة الجماعية بين الأجيال.
مؤسساتيًا: خلق فضاءات تعاون بين دور الثقافة والمهرجانات والمراكز الفنية.
تنمويًا: إشراك المدارس والمعاهد الفنية في ورشات تكوين تفتح آفاق عمل جديدة للشباب.
برنامج متنوع يستمر حتى 27 نوفمبر
يتواصل الأسبوع الثقافي إلى غاية 27 من الشهر الجاري عبر عروض موسيقية، معارض تراثية، أمسيات شعرية، وورشات تكوينية.
فعاليات تؤكد أن الثقافة ليست ترفًا، بل قوة ناعمة قادرة على تحريك عجلة التنمية وربط الجزائر ببعضها، من المتوسط إلى عمق الصحراء.

أسبوع تيبازة في المنيعة ليس مجرد حدث فني؛ إنه مختبر ميداني يبرهن أن الاستثمار في الثقافة يمكن أن يصبح خيارًا استراتيجيًا داعمًا للتنمية المحلية. نجاحه يفتح الباب أمام بناء شبكات تعاون بين الولايات، وتحويل المبادرات الثقافية من تظاهرات ظرفية إلى مشاريع مستدامة تشكل قيمة اقتصادية واجتماعية حقيقية.