192
0
من أجل إطار عمراني مستدام في الجزائر.. ضرورة عاجلة لإعادة تعريف دور المعماري
.jpeg)
مساهمة المعماري فيصل ساعد (مؤسسة التراث والمدينة والعمارة)
يعرف دور المهندس المعماري توسعاً ملحوظاً على الصعيد العالمي، فلم يعد يقتصر على تصميم المباني ومتابعة الورشات، بل أصبح يشمل أبعاداً استراتيجية تتعلق بتحويل الإطار المعيشي والاستدامة الحضرية وإعادة إحياء التراث وحوكمة الأقاليم.
أما في الجزائر، ومع ذلك، تظل المهنة محدودة بإطار قانوني عفا عليه الزمن، ورثناه من حقبة ماضية. فـالمرسوم التشريعي رقم 94-07 المؤرخ في 18 ماي 1994، الذي لا يزال يُنظم ممارسة المهنة إلى يومنا هذا، كان يعكس في زمانه رؤية مناسبة، إلا أنه أصبح اليوم متجاوزاً بشكل كبير أمام التحديات المعاصرة.
فهذا النص التشريعي لا يزال يحصر تدخل المهندس المعماري في مهام تقنية تقليدية، دون الاعتراف بثـراء وتعددية وتكامل كفاءاته ومهاراته. حيث أصبحت تشكل هذه القيود عائقاً هيكليًا يحرم البلاد من مساهمة فاعل رئيسي قادر على مواجهة قضايا العمران غير المنظم، وهشاشة المباني، التفتت الإقليمي، وغياب التخطيط المتكامل.
في العديد من السياقات الدولية، يُعتبر المهندس المعماري اليوم خبيراً متعدد المهام، يشارك في إعداد البرامج والتخطيط الإقليمي والتشاور مع المواطنين والابتكار البيئي وتثمين التراث. أما في الجزائر، فإن غياب الاعتراف بهذه الأدوار المتجددة للمهندس المعماري يمنع تعبئة هذا الرصيد البشري الهام لخدمة التنمية الوطنية.
لذلك، فإن توسيع مجال تدخل المعماريين الجزائريين على المستوى القانوني بات أمراً ضرورياً. فهذه الخطوة لا تندرج ضمن مطلب فئوي ضيق، بل تمثل استجابة فعلية لاختلالات عمرانية وتحديات اجتماعية وبيئية تعاني منها مدننا. ومن خلال تمكين المهندس المعماري من التدخل بشكل أكثر تكاملاً واستراتيجية، يمكن له أن يؤدي دوره كاملاً كفاعل في بناء المصلحة العامة.
وعلاوة على ذلك، لا تزال مسألة التدريب والتكوين المهني نقطة ضعف مثيرة للقلق. ففي معظم البلدان المتقدمة، يعد التكوين المستمر التزامًا قانونيًا وأخلاقيًا: فهو يضمن مواكبة المعرفة للمعايير والتقنيات والقضايا البيئية المتغيرة. أما في الجزائر، فلا توجد أي آلية تنظيمية تنص على ذلك. ولا يضر هذا القصور بجودة المشاريع المنفذة فحسب، بل يضر أيضًا بمصداقية المهنة نفسها.
كما أن تحديث الإطار المهني يتطلب إصلاحاً عميقاً لهيئة المهندسين المعماريين. فلكي تستجيب هذه المؤسسة لتحولات المهنة وتطلعات المجتمع، يجب أن تتبنى اللامركزية، وتعزز تمثيل أعضائها على المستوى الدولي، وتنفتح على شراكات متعددة التخصصات مع المخططين الحضريين، ومهندسي المناظر الطبيعية، وعلماء الاجتماع وغيرهم. إن وجود هيئة أكثر ديناميكية، أكثر شمولاً، وأكثر حضوراً في النقاش العام، من شأنه أن يكون في وضع يسمح له بإبراز دور الهندسة المعمارية في السياسة العامة.
إن إعادة التفكير في دور المهندس المعماري في الجزائر تعني، في جوهرها، إعادة تعريف مشروعنا المجتمعي. إنها دعوة لاختيار إطار حياة عالي الجودة، يحترم الخصوصيات المحلية، منفتح على الابتكار، ويستند إلى مبادئ الاستدامة والعدالة المكانية. ومنح العمارة المكانة التي تستحقها هو تأكيد لطموح جماعي يرمي إلى بناء أقاليم تواكب تحديات القرن الحادي والعشرين.