46
0
نموذج وطني مصغر لتجسيد الوعي البيئي الممنهج
مدرسة ابن خلدون بالمنيعة

الهوصاوي لحسن
في زمنٍ تتسارع فيه التحديات المناخية وتزداد فيه هشاشة النظم البيئية، برزت المدرسة الابتدائية ابن خلدون بولاية المنيعة كنموذج وطني مصغّر لتجسيد مفهوم الوعي البيئي الممنهج، من خلال مشروعٍ تربوي بيئي نوعي تمحور حول حملة تشجير تربوية جمعت بين البعد العملي والمضمون القيمي.
البيئة كمسؤولية جماعية

المشروع لم يكن مجرد حملة غرسٍ للأشجار، بل تجسيدًا لتكامل الأدوار بين مديرية البيئة ومحافظة الغابات وجمعية شباب المنيعة لحماية البيئة والتراث، حيث تحولت المدرسة إلى فضاء تجريبي لسياسة بيئية مصغّرة، تقوم على إشراك كل الفاعلين المحليين في صناعة ثقافة الاستدامة.
هذا التنسيق، الذي وُصف من قبل المهتمين بـ"النموذج القابل للتعميم"، أعاد صياغة العلاقة بين المؤسسة التربوية والمجتمع المدني، واضعًا البيئة في صلب العملية التعليمية، لا في هامشها.
حين يصبح الغرس فعلًا مواطنًا
تميّزت تجربة “ابن خلدون” بتركيزها على المشاركة الفعلية للتلاميذ في عمليات الغرس والعناية بالنباتات، ما منحهم إحساسًا بالانتماء والمسؤولية تجاه محيطهم الطبيعي.
فكل تلميذ زرع شجرة باسمه، ليُصبح مسؤولًا عنها، في ما يشبه “عقدًا بيئيًا صغيرًا” بين الطفل والطبيعة.
وفي هذا الإطار، أكّد رئيس الجمعية الأستاذ مامين محمد الطاهر أن "الوعي البيئي لا يُلقَّن في الدروس، بل يُزرع بالقدوة والعمل"، داعيًا إلى إدماج الأنشطة البيئية في المناهج التربوية بشكلٍ مؤسساتي.
المدرسة كمنصة استدامة

من جانبها، أوضحت نائب مدير المدرسة، شيماء نقيشة،أن تحويل فضاء المدرسة إلى محيط أخضر أضفى جاذبية بصرية ونفسية انعكست على السلوك والتحصيل الدراسي.
وأضافت أن “التلميذ الذي يرعى نباته، يرعى سلوكه أيضًا”، في إشارة إلى العلاقة التكاملية بين النظام البيئي والسلوك التربوي.
دروس في التحول المحلي

أهمية هذه التجربة لا تكمن فقط في بعدها المحلي، بل في رسالتها الوطنية أن مواجهة التصحر والتغير المناخي تبدأ من القسم الدراسي ومن وعي التلميذ.
فما قامت به مدرسة “ابن خلدون” هو ترجمة عملية لسياسات الاستدامة التي تنادي بها الدولة الجزائرية في رؤيتها البيئية 2030، من خلال إشراك الأجيال الصاعدة في الحل بدل الاكتفاء بتلقينها المشكلات.
بهذا النموذج الملهم، أثبتت المنيعة أن المدرسة ليست فقط فضاءً للتعلّم، بل منصةً لبناء الإنسان المسؤول بيئيًا واجتماعيًا، وأن الطريق إلى مستقبلٍ أخضر يمرّ أولاً عبر السبورة وجذور شجرةٍ صغيرة.

