277

0

مجتمع داخل الملاجئ.. الخوف عقيدة الكيان الصهيوني

 

بقلم: ضياء الدين سعداوي

 

يتساءل كثير من المتابعين — وربما بحيرة ودهشة — عن السبب الذي يجعل الهجمات الإيرانية بالصواريخ والطائرات المسيّرة، تنهال على مدن الإحتلال الإسرائيلي مخلّفة دمارًا واسعًا في البنايات والمنشآت، دون أن تُسجّل معها خسائر بشرية موازية تُذكر، أهو الحظ؟ أم فشل في التصويب؟ أم أن ثمة ما هو أعمق من ذلك بكثير؟

الإجابة في جوهرها لا تكمن في السماء بل في الأرض، لا في القبة الحديدية وحدها، بل في عمق العقيدة الأمنية التي بُني عليها مجتمع الإحتلال الإسرائيلي منذ نشأته، هذا الكيان الهجين الذي قامت دعائمه الأولى على الإغتصاب والإحتلال، لم يكن يومًا ابن سلام ولا شقيق استقرار، بل هو كيان وُلد من رحم الفزع، وعاش متشبثًا بخيط رفيع بين الحرب واللاحرب، بين القلق واللايقين.

في دولة الإحتلال الإسرائيلي، لا تُبنى البنايات إلا وتُبنى تحتها ملاجئ ولا يُفتتح حي سكني إلا وبه مخابئ تحت الأرض ، إنها "دولة الملاجئ"، بالمعنى الحرفي والرمزي للكلمة.

فحين يولد الطفل في الكيان الصهيوني، يولد معه إدراكٌ جمعيّ بأن الصفارات قد تعوي في أية لحظة، وأن عليه أن يركض إلى جدارٍ مسلح أو سرداب تحت الأرض.

هذا ليس وليد صدفة أو ظرف عابر، بل انعكاس لعقيدة أمنية متجذّرة في اللاوعي الجمعي الصهيوني ،الكيان الإسرائيلي يعرف — بعمق وجودي — أن الأرض التي يعيش عليها ليست له، وأنه غاصبٌ لمكانٍ سيظل في اللاشعور مرفوضًا، حتى لو زُيِّن بالحكايات التوراتية وبالدعم الغربي.

يمكننا أن نمثل هذه الحالة بصورة طفل صغير، تعجبه دمية ليست له، فيقوم بسرقتها من غيره ثم يلوذ بها داخل خزانة مغلقة، يعيش الطفل في حالة تأهب دائم، خائفًا من أن يُفتضح أمره أو أن يُستعاد ما سرقه، فلا يعود طفلًا يلعب، بل متوجسًا دائمًا، مشتبها في كل حركة، عدائيًا تجاه كل اقتراب، لأنه يعلم أن ما يملكه ليس حقًا، بل مغتصبًا.

هكذا يعيش مجتمع الكيان الصهيوني ،لا يعيش في حرب دائمة، لكنه لا يعرف السلام ، إنه عالق في "اللا سلم" و"اللا حرب"، لذلك يبني حياته على الإستعداد الدائم للأسوأ، ويؤسس وجوده على هندسة الهلع، وينسج كل تفاصيل يومياته حول الخوف من الآخر.

ولذلك أيضًا، حين تهبط الصواريخ فوق تل أبيب، لا تجد من يمشي في الشارع، لأن الجميع قد تمترس خلف الجدران السميكة، في باطن الأرض، في مشهد يبدو في ظاهره وكأن الدفاعات الجوية أنقذت الأرواح، لكن الحقيقة أن العقيدة الأمنية، لا التكنولوجيا، هي من دفعت الإسرائيليين إلى حياة الخنادق قبل أن تسقط عليهم القذائف.

المفارقة هنا، أن هذا النوع من الحياة — مهما بدا وقائيًا — هو اعتراف دائم بالذنب، وتذكير مستمر بشرعية المقاومة، فحين تبني حياتك على الخوف، فأنت تعلم تمامًا أن لك خصمًا محقًا، لم ينسَ، ولن يسكت.

الأسئلة التي يطرحها المراقبون لا ينبغي أن تقتصر على عدد القتلى أو مقدار الخسائر، بل أن تمتد لتسأل عن بنية هذا الكيان التي لا تعرف الطمأنينة.

فالإحتلال الإسرائيلي، منذ نشأته، يمثل حالة نفسية بقدر ما هي كيان سياسي، دولة مختبئة في خزانة، تتظاهر بالقوة، لكنها تهرع إلى ملاجئها كلما سمعت صفير الحقيقة.

 

 

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services