1428

1

مأساة أيوب مباركي... صرخة جديدة في وجه المنظومة الصحية بباتنة

تحولت قضية وفاة الشاب أيوب مباركي، الذي لفظ أنفاسه الأخيرة بعد أسبوع من المعاناة داخل المركز الإستشفائي الجامعي التهامي بن فليس بباتنة، إلى قضية رأي عام هزت الشارع المحلي، وأعادت إلى الواجهة النقاش حول واقع المنظومة الصحية في الولاية، وحدود المسؤولية الطبية والإدارية في التعامل مع الحالات الإستعجالية الحرجة.

ضياء الدين سعداوي 

بدأت مأساة أيوب عندما نقل إلى المستشفى في وضع صحي حرج استدعى، وفق مقربين منه، إجراء فحص عاجل بالرنين المغناطيسي لتحديد طبيعة إصابته وتوجيه العلاج المناسب، غير أن عائلته تؤكد أن المريض ظل ينتظر لأيام دون أن يتمكن الأطباء من إجراء الفحص، بحجة أن الجهاز في المستشفى يشهد ضغطاً كبيراً، وأن المواعيد ممتلئة، رغم أن وضعه كان بين الحياة والموت.

أمام تدهور حالته، لجأت العائلة إلى المصحات الخاصة في ولاية باتنة، أملاً في إنقاذ ابنها، غير أن الصدمة كانت أشد حين رفض إستقبال المريض، حسب أقارب الراحل، بسبب وزنه الزائد الذي قيل إنه قد يضر بالأجهزة الطبية ، هذا التبرير الذي وصف من طرف نشطاء وحقوقيين بأنه “عذر أقبح من ذنب”، أثار موجة استنكار واسعة، خاصة وأن المريض كان قد خضع سابقاً لفحص سكانار في عيادة خاصة ببريكة دون أن تطرح مسألة الوزن كعائق.

وخلال الأيام التي تلت إنتشار مناشدات العائلة على شبكات التواصل الإجتماعي، تحركت السلطات الصحية محلياً، حيث أكد النائب البرلماني عمار عولمي عبر صفحته الرسمية أنه تم التكفل بحالة أيوب، وأن مدير الصحة لولاية باتنة، حمدي شاقوري، تابع حالته شخصياً، مع إتخاذ قرار بنقله إلى مصحة خاصة لإستكمال الفحوصات الضرورية.

وفي خضم الجدل، نشر المستشفى الخاص نعمة الطبي بياناً رسمياً نفى فيه رفض إستقبال المريض، مؤكداً أن طلب إجراء الفحص وصل متأخراً وأن الرد كان إيجابياً فور استلام الطلب ، وأوضح البيان أن المستشفى يتوفر على أحدث التجهيزات الطبية ويستقبل الحالات الحرجة بصفة عادية، مشدداً على أن قراراته الطبية والتقنية تتخذ بشكل مهني ومستقل دون أي تدخل خارجي.

لكن القدر لم يمهل الشاب أيوب طويلاً، إذ فارق الحياة بالمستشفى الجامعي التهامي بن فليس بعد أيام من المعاناة، لتتحول قضيته إلى صرخة غضب في وجه الإهمال الصحي، ومطالبة واسعة بفتح تحقيق رسمي لتحديد المسؤوليات ، فقد إعتبر كثيرون أن التأخر في إجراء الفحوصات الضرورية وعدم تجاوب بعض المصحات الخاصة مع الحالة، يمثلان إخفاقاً أخلاقياً قبل أن يكونا تقصيراً مهنياً.

ورغم مساعي مديرية الصحة لطمأنة الرأي العام من خلال النائب البرلماني علمي ، حول ظروف التكفل، إلا أن الأسئلة التي تركتها مأساة أيوب لا تزال مفتوحة: كيف يمكن أن يتأخر فحص طبي حاسم في مستشفى جامعي يفترض أن يتوفر على أجهزة الرنين المغناطيسي الحديثة؟ وكيف ترفض حالة مستعجلة في مؤسسات صحية خاصة بدعوى الوزن أو الضغط على الأجهزة؟ ثم أين هي المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات الطبية أمام حياة المواطن؟

هذه التساؤلات تعيد طرح إشكالية الخدمات الصحية في ولاية باتنة، حيث تكشف كل مأساة عن هشاشة البنى التحتية وضعف التنسيق بين المرافق العمومية والقطاع الخاص. فمستشفى بن فليس التهامي، رغم كونه أكبر مؤسسة صحية في الولاية، يشكو وفق متابعين من أعطاب متكررة في الأجهزة ونقص في الكفاءات التقنية المتخصصة، بينما تتزايد حالات التحويل نحو ولايات أخرى أو مصحات خاصة بأسعار باهظة تفوق قدرة المواطن البسيط.

قضية أيوب مباركي تجاوزت حدود العائلة والمجتمع المحلي لتصبح قضية ضمير وطني، تستوجب ـ وفق أصوات عديدة من المجتمع المدني ـ فتح تحقيق شامل من قبل وزارة الصحة والنيابة العامة، يحدد بدقة مواطن الخلل والمسؤوليات الإدارية والطبية، حتى لا تتكرر مثل هذه المآسي التي تهز الثقة في المؤسسات الصحية وتزرع الإحباط في نفوس المواطنين.

رحل أيوب، لكن صدى صرخته ما زال يدوي في بلد يملك الكفاءات والتجهيزات، لا يجب أن تكون حياة إنسان رهينة جهاز معطل أو قرار بيروقراطي متأخر. إنها مأساة تختصر وجعاً أكبر عنوانه الإهمال وصرخة لن تنسى حتى تفتح الملفات وتحاسب المسؤوليات.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services