1113
0
مالك بن نبي، محطات في مسيرة صراع الأفكار...فكرة تأسيس أول مسجد طلبة بالجامعة،
وثيقة تنشر لأول مرة.
مصطفى محمد حابس : جينيف / سويسرا
ذكرنا في الجزء السابق من مقالنا الموسوم:
" أخبار و أسرار في مشوار موكب الأبرار الأخيار.. مالك بن نبي، محطات في مسيرة صراع الأفكار"، أنه من منجزات عبقرية مالك بن نبي، بعد الاستقلال خاصة، إنجازات جديدة في تاريخ الصحوة الإسلامية المعاصرة، نمر عليها اليوم غافلين، و ذكرنا منها على سبيل الذكر، لا الحصر خاصة، المشاريع الدعوية التالية:
1- فكرة حلقات مالك بن نبي في بيته، ومن كان يحضرها مع شهادات، بعض طلبته الذين لازالوا أحياء يرزقون.
2- فكرة تأسيس مسجد الطلبة، وثائق تنشر لأول مرة، مع شهادات جديدة لبعضهم لازالوا أحياء يرزقون.
3- مجلة “ماذا أعرف عن الإسلام”، لسان حال مسجد الطلبة، وثائق مع شهادات، بعض أقلامها التي لازلت حية ترزق.
4- "ملتقيات الفكر الإسلامي" من سنة 1967 الى سنة 1990 كحدث ثقافي متميز، في العالم الاسلامي، الفكرة والمشروع، وثائق مع شهادات، بعض رواده لازالوا أحياء يرزقون.
مالك بن نبي في الجزائر المستقلة (1963- 1973) :
و قد ذكرنا باقتضاب عن المشروع الأول أي "فكرة مشروع حلقات مالك بن نبي وبعض ثمارها"، لا ننسى قبل ذلك أن مالك رحمه الله، عاد للجزائر في عام 1963م من مصر التي كان قد دخلها عام 1956، فارا من فرنسا.
أي في اليوم الذي انتُخب فيه أحمد بن بلة رئيسًا للجزائر المستقلة، كان ابن نبي ينتظر إشارة ليعود إلى وطنه الذي غاب عنه سنوات.. ومع العودة جمعه لقاء مع الرئيس الجديد، وتحدث ابن نبي عن مشكلة اللغة العربية في الجزائر و هموم أخرى وعن المطبات و العراقيل التي خلفها الاستعمار الفرنسي وراءه، واستمع إليه الرئيس بإنصات، وهكذا سار موكب ابن نبي في بدايات مسار الاستقلال، وواصل الكفاح في جبهة الفكر وفي ميدان الكلمة، فقد عُيِّن مديرًا للتعليم العالي، بطموحات عالية في التغيير، لكن أمله ما لبث أن تبدد عند أول منعطف حينما واجه إدارة الحكم والقادة الجدد، حين أقيل من منصبه عام 1967، بعذر أقبح من ذنب، كما ذكرنا ذلك في شهادة الدكتور عمار طالبي، أين واجه ابن نبي خلال حياته التهميشَ بعد استقلال الجزائر، خصوصًا بعد انقلاب هواري بومدين على بن بلة، ليقرر بعدها المفكر مالك بن نبي التفرغ للكتابة والتأليف عن مشكلات الحضارة وهموم الأمتين العربية والإسلامية، واحتل الهمُّ الجزائري الحيز الأكبر من كتاباته؛ وفي معظم مؤلفاته التي جاوزت عشرات الكتب، كان ابن نبي يصرخ بأعلى صوته بأن أزمة العالم الإسلامي إنما هي أزمة حضارة، وأنه لا حل لها إلا ضمن مشروع إنشاء حضارة إسلامية جديدة، ذلك ما عرفناه من حلقاته في بيته.
فكرة تأسيس مسجد الطلبة، وثيقة تنشر لأول مرة، مع شهادات جديدة لبعضهم لازالوا أحياء يرزقون:
في تقديمه لمجموعة "ماذا أعرف عن الإسلام"، كتب الدكتور عمار طالبي، حفظه الله، نقلا عن شهادات مؤسسي مسجد الطلبة الأوائل، وهم السادة : عبد الوهاب حمودة و عبد العزيز بوليفة وعبد القادر حميتو ومحمد جاب الله.
هؤلاء الأربعة هم من كتبوا طلب فتح أول مسجد طلابي في أول جامعة جزائرية سنة 1968، مبينين أيامها، بعض الأسباب، منها - كما يقول الدكتور محمد جاب الله في شهادته - " أنه لا يوجد حول جامعة الجزائر أي مسجد إلى ساحة الشهداء، حتى بلوزداد شرقا، وإلى بئر خادم وبئر مراد رايس جنوبا، لذلك كان الطلبة يعانون في الستينات من القرن الماضي من عدم إمكانية أداء الصلوات في أوقاتها أثناء الدراسة ونضطر لتأخيرها وأدائها جمعا بعد العودة إلى المسكن يوميا بعد العشاء، ولم يكن حينها موجودا أيّ مصلّى ولا مسجد في محيط الجامعة المركزية، وكنّا كثيرا ما تضطرّنا الدّروس للمكوث فيها حتى بعد الغروب."
وأخذت فكرة إيجاد مصلّى للطلبة تراود أذهان جماعة من الطلبة؛ منهم : عبد الوهاب حمودة، ورشيد بن عيسى، وطلبة آخرين الذين يتردّدون على ندوة "مالك بن نبي"، وعرض هؤلاء الطلبة الموضوع على "مالك بن نبي" فأشار عليهم بالسعي للحصول على مصلّى داخل الجامعة وليس خارجها، وأخذ الأستاذ عبد الوهاب على عاتقه المسؤولية وكان موظّفا في معهد العلوم الاجتماعية بجامعة الجزائر.
الرسالة التاريخية التي شجع عليها مالك طلبته للبحث عن مصلى داخل الجامعة:
في يوم 24 أفريل 1968 كتب أربعة طلبة رسالة إلى السيد وزير التربية الوطنية و التعليم الدكتور أحمد طالب الابراهيمي حفظه الله، من أجل أن يأذن بفتح مصلى في الجامعة كما أشرنا من قبل على هذا الترتيب:
محمد جاب الله، طالب في كلية الطب؛ بوليفة عبد العزيز، من كلية الصيدلة؛ حميتو عبد القادر، من كلية العلوم؛ عبد الوهاب حمودة، من كلية الآداب.
فالثلاثة الأوائل ما يزالون على قيد الحياة، والأستاذ حميتو عين وزيرا بعد ذلك في عهد بوتفليقة وهو حاليا مريض جدا، شفاه الله ، ومحمد جاب الله يمتهن طب العيون اليوم في وادي سوف وقد شارك معنا الأسبوع الماضي في ندوة عن أستاذه بن نبي، ويبدو أن الأستاذ بوليفة متقاعد وقيل لنا مريض، أما الأستاذ عبد الوهاب حمودة فقد توفي رحمه الله تعالى، ليلة 10 أكتوبر 2017 ، بعد أن كان أمينا عاما لوزارة الشؤون الدينية لسنوات.
وهذا نص الرسالة التي حررها السيد عبد القادر حميتو، وقرئت أمام "مالك بن نبي" لتصحيحها والموافقة عليها، وقال: "ليس لي ما أضيفه ولا ما أحذفه".
وهذا نصها بالفرنسية :
Alger le 24 avril 1968
Monsieur le ministre,
A la demande d'un certain nombre de camarades étudiants de l’université d’Alger, nous, soussignés,
Venons solliciter de votre haute bienveillance l’octroi, dans l’enceinte de l'université, d'un local susceptible d'affectation à usage cultuel, comme mosquée, pour nous et nos camarades.
Il va sans dire qu'en prenant sous notre égide la vie de cette mosquée, nous entendons respecter et faire respecter le double caractère de mosquée d'université. Nous voulons dire par cela:
1. Que cette mosquée ne sera jamais utilisée comme tribune politique par quiconque et pour quoi que ce soit.
2. Nous entendons également qu'elle soit un des aspects caractéristiques de la vie de notre université avec tout le respect dû à une pareille institution en dehors et au dedans de la mosquée.
Veuillez agréer; monsieur le Ministre, l’assurance de nos sentiments profondément respectueux.
M. Djaballah Mohamed, Faculté de Médecine. M. Boulifa Abdelaziz, Faculté de Pharmacie. M. Hamitou Abdelkader, Faculté des Sciences. M. Hamouda Abdelwahab, Faculté des Lettres.
Lettre rédigée par M. Abdelkader Hamitou. Relue devant M. Bennabi pour Correction éventuelle. "Je n'ai rien à ajouter ni soustraire" me dit-il.
ما ترجمته :
الجزائر، بتاريخ يوم 24 أبريل 1968
السيد الوزير،
بطلب من عدد من زملائنا الطلبة بجامعة الجزائر، نحن الموقعون أدناه، يطيب لنا أن نتوجه لمعاليكم الكريمة بهذا الطلب قصد منحنا، مكان داخل الحرم الجامعي، بغرض استخدامه لأغراض دينية، كمسجد، لنا ولرفاقنا الطلبة.
طبعا من خلال وضع هذا المسجد تحت تصرفنا ورعايتنا، فإننا نلتزم باحترام وضمان طابعه المزدوج لمسجد للطلبة بالجامعة. ونعني بهذا:
1- أن هذا المسجد لن يستخدم أبدًا كمنبر سياسي من قبل أي أحد ولأي غرض.
2- كما نهدف إلى أن يكون أحد المظاهر المميزة لحياة جامعتنا مع كل الاحترام الواجب لمثل هذه المؤسسة خارج المسجد وداخله.
في انتظار موافقتكم على طلبنا هذا وتأكيدًا لمشاعرنا الودية، تقبلوا منا سيادة الوزير، أخلص تحياتنا و احتراماتنا.
توقيع كل من السادة الطلبة:
جاب الله محمد، كلية الطب، بوليفة عبد العزيز، كلية الصيدلة، حميتو عبد القادر، كلية العلوم، حمودة عبد الوهاب، كلية الآداب.
كان هذا نص الرسالة التي حررها السيد عبد القادر حميتو، وقرئت أمام "مالك بن نبي" لتصحيحها والموافقة عليها، وقال: "ليس لي ما أضيفه ولا ما أحذفه".
انطلاق نشاط المسجد في مجالات عديدة، ومحاولة حرقه من طرف أعداء الصحوة:
وقد أقيمت الصلاة لأول مرة بفضل الله في تلك القاعة داخل الجامعة، كما يحكي لنا عن ذلك الدكتور جاب الله- في شهادته، وتداول فيها على الخطابة كل من عبد الوهاب حمودة ورشيد بن عيسى ثم التحق بهما من بعد الدكتور عبد الحميد بن تشيكو وآخرون ..
وانطلق نشاط المسجد في مجالات عدة، مثل: الدروس والمحاضرات والرحلات ومعارض الكتاب الإسلامي والمؤتمرات المحلية ثم الدولية وإصدار مجلة "ماذا أعرف عن الإسلام؟" (*) وكل ذلك كان بإرشادات أستاذنا مالك بن نبي، رحمه الله.
وتجدر الإشارة إلى أن خصوم الصحوة، لما سمعوا بفتح المسجد لأول مرة في جامعة الجزائر، ثارت ثائرتهم وحاولوا عدة مرات منع الجيل الأول من أداء الصلاة وغلق المصلى، كما حاولوا حرق المصلى بما فيه من مصاحف وكتب، كما يذكر ذلك بعض مشايخنا، هذا باختصار عن ظروف فتح مسجد الطلبة التاريخي وكان ذلك مخاضا عسيرا تولد عنه فتح كبير، حسب طلبة ذلك الزمان الجميل.
مسجد الطلبة و ضرورة توسعته لما أصبح قبلة للجميع:
وقد أتيحت لكاتب هذه السطور الفرصة، في عهد التعددية، أن نشط في مسجد الطلبة هذا وألقى أيضا دروسا عند غياب كبار القوم يضيق المجال لذكر أسمائهم وفضلهم، كما أنني بدأت صلاة الجمعة تحديدا في مسجد الطلبة في عهد الإمام الدكتور عبد الحميد بن شيكو - حفظه الله - ، وهو الآن أستاذ الفيزياء في المدرسة العليا للأساتذة في القبة بالعاصمة، أو متقاعد نظرا لكبر سنه، وهو متخرج من الولايات المتحدة من إحدى جامعاتها، وأصبح صوفيا مع الطريقة الهبرية الآن، ولما توفي شيخ الطريقة وخلفه ابنه، انفرد بهذه الطريقة في منزله.
و اذكر أني كنت أستغرب لما يخطب فينا الشيخ عبد الحميد بن شيكو الجمعة يأخذ في يده ورقة صغيرة مطوية، يفتحها ولا ينظر اليها و لا يتصفحها حتى ليقرأ ما فيها، كما هو الشأن بالنسبة لكل الخطباء الذين يتداولون على المنبر، فقررت فضوليا في إحدى الجمع أن أعرف السبب واقتربت من الخطيب لأرى ما هو مكتوب في الورقة، فإذا هي ثلاثة سطور بسملة وحمد وصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) لا غير!! فاستفسرت من أحد مقربيه، فقال لي، متبسما : " إن الشيخ بن شيكو، رجل حافظ وعلمه في رأسه، ويأخذ نفس الورقة في كل جمعة تواضعا، أمام الناس، حفاظا على ماء وجه باقي الخطباء، الذين يحضرون أوراقا عديدة وأحيانا كراسات فيها خطبهم، هذا كل ما في الأمر" !!
مسجد الطلبة والصور المرفقة:
الصورة الأولى بالأبيض والأسود مدخل مسجد الطلبة التاريخي، بجامعة الجزائر عام1968، و الذي صار بعد سنوات، قاعة الصلاة الخاصة بالطالبات.
أما الصورة الثانية فهي جانب من مسجد الطلبة مع التوسعة، أي القاعة الرئيسية في الخلف صارت خاصة بالطالبات والنساء، مع مرور السنين الى نهاية التسعينات تمت التوسعة تلو التوسعة حتى صرنا نصلي في ساحة الجامعة، لأن أعداد المصلين تضاعفت قبيل ومنذ تجمع عام 1982، أي بالإضافة لثلاث غرف ورواقين والقاعة الأرضية التي كانت مخبر لحفظ الجثث للعلوم الطبية، تفتح للرجال أيام الجمعة، مع تخصيص وبناء جهة سفلى لدورة المياه والوضوء في منتصف ثمانينات القرن الماضي، بتبرع كريم من المحسنين وليس من ميزانية الجامعة، وبدعم وتشجيع من الأستاذ عبد الوهاب حمودة الأمين العام لوزارة الشؤون الدينية، وأذكر عند نهاية إنجاز دورة المياه ومكان الوضوء الجديد في منتصف ثمانينات القرن الماضي استضفنا أستاذنا الكبير عبد الوهاب حمودة، وكان فرحا جدا بالمشروع، وارتسمت على ملامحه دموع الفرحة وهو من أول مؤسسي المسجد، الذي كان قاعة واحدة صغيرة وإذا به اليوم قاعات لا تكفي بحيث بات الطلبة يصلون حتى في ساحة الجامعة.
في ذات اليوم كان التلفزيون الجزائري يسجل، حصة نشاطات وزارة الشؤون الدينية، بدرس في القراءات والتجويد للشيخ محمد الطيب قريشي القارئ الجزائري المعروف، بالقاعة الوسطى لمسجدنا، مسجد الطلبة بالجامعة المركزية، "جامعة الجزائر-1، بن يوسف بن خدة" حاليا، والتي تأسست منذ عام 1909.
(يتبع إن شاء الله)
هوامش :
*)- راجع الجزء الأول من مقالنا، "تراث مالك بن نبي بمناسبة الذكرى الـ 51 لرحيله".
- راجع مقالنا : يوم العلم و رسالة الإسلام في الغرب، ندوة بمدرج الجامعة،
« Que sais-je de l'Islam.. ? » "ماذا أعرف عن الإسلام ؟"