293

0

للذين يصرون عن جهل، أن إخراج الزكاة لا تجزي بغير الإطعام ؟!

عام استثنائي تعاظمت فيه الواجبات ولتكن زكاة أموالنا لأهلنا عبر حملة إسعاف فلسطين

 

زكاة الفطر في ماليزيا ... عالم اخر !!

 

 

محمد مصطفى حابس : جينيف / سويسرا

 

 جرت العادة بالنسبة للمسلمين في الشرق كما في الغرب، في الشمال كما في الجنوب، أن كلّ عامٍ يعقد المسلمون العزم على تعمير شهر رمضان بالطاعات، وعلى استنفاد، وبذل كلّ الوسع في استغلاله في رضا الله سبحانه، أمّا هذا العام و جراحنا تنزف بغزارة في فلسطين أرض الأنبياء ومرتكز معراج نبي الرسالة الخاتمة (صلى الله عليهم وسلم)، فمن التأهّب لرمضان وحسن الاستعداد له، إدراك أنه يحلّ في عام استثنائي، تعاظمت فيه الواجبات على كلّ فرد من الأمّة تجاه إخوانه الصامدين، في فلسطين ، غزة الجريحة وقدسنا الصامد !!   

فمن كان في أعوامٍ مضت يقوم من ليل رمضان ساعة، فهذا العام يستوجب قيام، ساعات، ومن كان ينفق مئة فلينفق مئات، لعلّه يؤدي حقّ الأمّة وأُخوّة الدّين، والمسجد الأقصى عليه، ولعلّ الله يتقبل منه، ويرفع به عن إخوانه ، ما حل بغزة والقدس هذا العام من كرب ومحنة،  وهذا أقلّ الواجب أمام صمود الغزاويين والمقدسيين الذين تطالهم التضييقات فتؤذيهم في مساجدهم، وأهليهم وأموالهم وأعمالهم وأقوات أطفالهم وشيبهم و شبابهم، ولا يزيدهم هذا إلا صمودًا وتمسكًا بمواقفهم الرافضة لعروض بمبالغ خيالية لشراء منازلهم ومحالّهم التجارية في القدس، وبذلًا لأشكالٍ من التضحيات للثبات في القدس في سبيل حماية المسجد الأقصى المبارك!.  

و في الضفة الأخرى، أهلنا الصامدون في غزة يقاسمون منذ أشهر أفظع الويلات، ويبذلون أرواحهم وأمنهم وبيوتهم التي هدم ودمر منها ما يتجاوز الـ305  ألف منزل، فداء لأرضهم ودفاعاً عن مسجدهم الأقصى المبارك ! ومن كان يظن أنه يبذل وسعه، فلينظر في حال إخوانه ممن قدموا أرواحهم وديارهم، فلا بد لهذا البذل أن يمتد على الأمة جمعاء!!

و الوضع على هذه الحال، عد الدكتور خالد المذكور، عضو هيئة الفتوى والرقابة رئيس لجنة استكمال تطبيق الشريعة في مجلس الأمة الكويتي سابقا، ما يمر به إخواننا في فلسطين بأيام شديدة في عام استثنائي، محرضا بقوله:" لتكن زكاة أموالنا لأهلنا واخواننا عبر حملة نجدة فلسطين و لنبذل ما يليق بصمودهم !!".

 

للذين يصرون عن جهل، ان إخراج الزكاة لا تجزي بغير الإطعام ؟!

 

في  العام الماضي كنت قد كتبت مقالا مقتضبا، حول إشكالية توزيع الزكاة، ردا، على بعض " التلافيين" المتنطعين، والسلفية منهم بريئة، من الذين يصرون عن جهل، أن إخراج الزكاة لا تجزي بغير الإطعام، أما إخراجها نقدا فهو مرفوض مطلقا، ذلك ما لاحظته يوم أمس فقط، حيث وجدت الأخ عبد الحميد، بقال وبائع لحم حلال، يعد لتوزيع زكاته سكرا وطحين وبقوليات !! فاستفسرت فقال لي ، هذه السنة و هذا هو الشرع لإخراج زكاة الفطر، حاولت أن أشرح له و لبعض مساعديه، أن هذا الامر قد يصح في بعض الحالات في عالمنا الإسلامي تحدبدا، أما تسديدها نقدا فقد تحل كل أوجه المشكلة، ونصحته بقراءة مقالي التالي، الذي كنت قد نشرته العام الماضي، تحت عنوان : للذين يجترون إجبارية إخراج زكاة الفطر طعاما، ويعيبون على غيرهم إخراجها نقدا؟ أين هم من فقه الواقع والأولويات رفعا للحرج على المسلم !!

إخراج الزكاة نقدا عوض إخراجها من قوت أهل البلد :

 

للإجابة على هذا السؤال أي " إخراج الزكاة نقدا عوض إخراجها من قوت أهل البلد"، كما هو معهود قديما والذي يتجدد علينا كل سنة في نهاية رمضان و يفزعنا من حين لآخر بفتاوى شاذة لم يراعى فيها إكراهات واقع الناس المعاصر خاصة في بلاد الغرب..  إذ بات تقليدا مشوشا على سلوك جاليتنا المسلمة!!

 

 إذ أنه كلما قلنا أن الأمة صحت واستيقظت وعادت لرشدها، إلا وسمعنا نعيقا من بعيد من هناك من أناس يزعمون أنهم أدرى بشرع الله من غيرهم !! ضاربين أخماسا في أسداس، زاعمين أنهم هم السنة وغيرهم لا يعرف لسيرة المصطفى سبيلا...

وردا على ذلك و من زاوية شرعية بحتة، هذه توطئة نقلا عن أصحاب الاختصاص وأنا لست منهم، أمثال العلامة الشيخ محمد الغزالي و الإمام يوسف القرضاوي و الشيخ الددو الموريتاني و الشيخ عبد الله بن محمد المطلق، عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية، وغيرهم ..

 

 كما زودني زميلنا وأستاذنا القدير وأحد الرواد المختصين في الفقه و الفقه المالكي خصوصا، الأستاذ القدير الدكتور وليد الشاويش، عميد كلية الفقه المالكي، بجامعة العلوم الإسلامية العالمية بعمان، بالمملكة الأردنية، وهو خريج جامعة محمد الخامس، بالمملكة المغربية الشقيقة، شعبة الدراسات الإسلامية، وحدة الاجتهاد والتطورات المعاصرة، فقد زودنا بدراسات دسمة في مواضيع متكاملة ذات صلة بالشريعة عموما و مذهب الامام مالك خصوصا، نحاول الاقتباس منها، ما يلي :

 

لا لتعويم الفقه الإسلامي، فالمذاهب الأربعة المتبوعة مدرسة علمية مؤسسية قائمة على أصول وقواعد

 

تمثل المذاهب الأربعة المتبوعة مدرسة علمية مؤسسية قائمة على أصول وقواعد، وقد تمكنتْ مع القرن الثامن من إنجاز خطاب موحَّد يعبِّر عن المذهب، بحيث وضِعت الأقوالُ المعتمدة في المركز وغيرُ المعتمدة في الهامش، نتيجة مخاض علمي استمر قرونا، ثم إنهم خلَفَتْ من بعدهم خُلوف، يأخذون المرجوح في الهامش ويجعلونه راجحا في المركز، والراجح في المركز مرجوحا في الهامش، في حالة من حُمَّى التدين الشخصي والرأي الفردي، وسمَّوا ذلك التفكيك ترجيحا واختيارا، وأصبحت الشريعة رأيا فرديا متضاربًا بعدما كانت الأمة على جماعة وسُنة، وتناقضت الآراء الفردية في الكفر والإيمان، والحلال والحرام، وكلها تدعي أنها على سنة، وقالت الفرقة الناجية ليست الطائفة المنصورة على شيء، وقالت الطائفة المنصور ليست الفرقة الناجية على شيء وهم يتلون الكتاب، حقا ولدت الأمة ربتها

 

المذهب المالكي ينطبع بفقه الكليات وهندسة الجزئيات رفعا للحرج:

 

إن الباحث في مذهب إمامنا مالك رحمه الله ينطبع بفقه الكليات التي قام عليها المذهب، وإعادة هندسة الجزئيات تحت الكليات، فلا يجيز لنفسه أن يخرم كليا بجزئي، إنما يرتب الجزئي تحت كلي آخر لو فرضنا التعارض، لذلك إذا نظر المالكي إلى صورة معلقة فلن ينظر إلى أجزاء الصورة نفسها أولا، بل سينظر إلى إطار الصورة الجامع لشتات جزئيات الصورة ثم يدخل من بعد ذلك يحلل الصورة إلى أجزاء يتأمل مدى تناسبها فيما بينها في نفسها، وبين إطارها الخارجي، فهذا أسلوب مالكي في تحليل الصورة وهو نفس المنهج الفقهي الذي يستمد منه المالكي فكره لو كان عالما في علم الاجتماع أو التاريخ أو النفس إلخ.

 

مع ابن خلدون في علم الاجتماع:

 

ابن خلدون فقيه مالكي تفقَّه بقاضي الجماعة محمَّد بن عبد السلام الهواري التونسي، شارح مختصر ابن الحاجب الفرعي، واستطاع ابن خلدون من خلال الفقه أن يستخلص الحياة الاجتماعية بوصف الفقه ناظما لتلك الحياة الاجتماعية،  وكما هو الشأن في المذهب المالكي في الكليات، فإن ابن خلدون نَظَم جزئيات الفقه نظما جديدا في تطور اجتماعي كلي، كما نظم الشاطبي الجزئيات في الكليات الكبرى في مقاصد الشريعة، لذلك بقي نفَس الإمام مالك في الكليات الفقهية، وتعدَّى ذلك إلى علم الاجتماع على يد ابن خلدون والمقاصد على يد الشاطبي، ما أحوجنا إلى بعث فقهي جديد في علم النفس يستخلص علم النفس من الفقه، فهذا ضروري لإحالة فرويد وقومه على التقاعد وإراحة البشرية منهم.

 

العين العوراء لا تحسن رؤية الشريعة:

 

الشريعة تمتد بين العزيمة واليسر في أحكامها، لأنها وضعت وضعا  عاما للناس، الذين منهم المسارع ومنهم المقتصد، وكلهم في رحمة الله وفضله في  هذه الشريعة، حيث يدور الخلاف الفقهي بين العزيمة واليسر، وإن الخطر في الظالم لنفسه،  الذي يرى بعين واحدة فإما أن يذهب إلى العزيمة ويبطل اليُسر، أو يذهب إلى اليسر ويبطل العزيمة، فيهدم الشريعة بالشريعة، والكتاب بالكتاب، والسنة بالسنة، لأن ضِيق عَطَنه وهواه الجامح لا يحتمل أن يرى إلا نقطة واحدة كرجال الدين، ولكن الفقه بين نقطتين، يصعب على رجال الدين أن يجمعوا بينهما، وعلى هذا تعددت المذاهب الأربعة، حماية للأمة من ظهور العصمة لرجال الدين، وهي الرحمة الواسعة، أما الإجماع فهو عصمة الأمة لا عصمة الأئمة، والإجماع من أقوى مبيدات رجال الدين!!

 

العمل بفقه الواقع و الأولويات بدل النقل الحرفي للنصوص و التشويش على الناس

 

تعزيزا لهذه القواعد الشرعية، أذكر أن شيخنا العلامة  محمود بوزوزو - رحمه الله - في مثل هذه الأيام من أواخر هذا الشهر الفضيل منذ 3 عقود خلت، ونحن حديثو عهد بديار الغرب، هذه القصة الطريفة المحزنة محفزا إيانا خطباء ووعاظ في المساجد على ضرورة العمل بفقه الواقع وفقه الأولويات بدل النقل الحرفي للنصوص الدينية و التشويش على الناس، إذ ذكر لنا هذا الشيخ الفاضل أن أحد الأئمة من مغربنا الإسلامي أفتى في أحد مساجدنا بفرنسا في تسعينات القرن الماضي بضرورة إخراج زكاة الفطر من قوت أهل البلد، أي من " السميد أو القمح" ، ولا يقبل غيرها البتة، وما هي إلا سويعات من أواخر شهر رمضان حتى ملأ مسجده بالقناطير المقنطرة من الحبوب، وتعذر حينها على هذا الامام المسكين و من معه ليس فقط توزيعها على مستحقيها، بل تعذر عليه حتى بيعها و إعطائها نقدا لمستحقيها!!

و أنا اليوم أذكر هذه القصة - الحزينة -  تحديدا لسببين، السبب الأول أنه وقعت لي يوم الجمعة الماضية فقط قصة مشابهة لقصة الإمام اعلاه، إذ وأنا أهم بالدخول لأحد مساجدنا لأخطب الجمعة، صادفني في مدخل المسجد صندوق فيه كمية معتبرة من علب السكر (9 أو 8 كلغ)!! و لما استفسرت قيل لي أن صاحبها أحضرها زكاة للفطر، وهو لا يقبل إخراجها نقدا !!

و السبب الثاني أن جارنا سي محمد آيت سليمان، ارسل لي - مستفسرا -  نقلا عن وسائل التواصل الاجتماعي قصاصة إشهارية متداولة بين مسلمي الغرب، تحرض على عدم إخراج الزكاة نقدا، وهي فتوى منسوبة للشيخ بن باز رحمه الله، تحت رقم 211/208/14، ونصها حرفيا ، كما يلي ( انظر الصورة المرفقة ) :

1- زكاة الفطر عبادة بإجماع المسلمين، و العبادات الأصل فيها التوقيف.
2 - والدينار والدرهم اللذان هما العملة السائدة آنذاك لم يذكرهما الرسول (ص) في زكاة الفطر، فلو كان شيء يجزئ في زكاة الفطر منهما لأبانه ( الرسول) !!

3- و لا نعلم أن أحدا من أصحاب النبي (ص) أخرج النقود في زكاة الفطر!!

4- ومما ذكرنا يتضح لصاحب الحق أن إخراج النقود في زكاة الفطر لا يجوز و لا يجزئ عمن أخرجه ( مجموع الفتاوى لابن باز، رقم : 211/208/14).

 

يجوز إخراج زكاة الفطر نقدا، دون حرج عند جل علمائنا :

 

و تصحيحا لهذه المغالطة أرسلت لبعض الأفاضل ما أفتى به في ذات الموضوع علماء قدماء ومعاصرون مجددون مجتهدون، ردا على الاستفسار المتداول، أي جواز إخراج زكاة الفطر نقدا بدل إخراجها طعاما..

منها قول  العلامة الشيخ القرضاوي رحمه الله الذي يجزم " أن إخراجها نقدا تجزئ، وهو أفضل وأيسر في عصرنا هذا، وفيه مصلحة للفقير و المزكي".

وقول الشيخ عبد الله بن محمد المطلق، عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية: نعم يجوز دفع زكاة الفطر نقدا، فلا تنكروا عليه، فالفقير بحاجة للمال أكثر من ألأكل، لو وصلت اليه كميات كبيرة باعها بأقل الأثمان من أجل النقود"، وقد أستفسره شخصيا عنها و عن أمور أخرى، كاتب هذه السطور، منذ عشر سنوات خات تقريبا، لما كانت لنا زيارة للبقاع المقدسة في إحدى الندوات الدولية.   

أما الشيخ الموريتاني محمد الحسن ولد الددو، فقد أفتى بقوله : إذا كان الفقير أحوج الى النقود فهي أفضل ، والأمر فيه سعة !!"

 

الشيخ الغزالي وحاجتنا إلى التعاون والتوادّ :

 

وهنا أستعير قصة  بعنوان " حاجتنا إلى التعاون والتوادّ " لأحد مجددي هذا القرون "العلامة محمد الغزالي"، من كتابه: الحق المر، الجزء الأول، أين يصحح تصرفات رعناء لبعض المشايخ، الذين يطلق عليهم "أصحاب الفقه البدوي" قوله :

شكى لي خطيب في أحد المساجد أنَّ رؤساءه نالوا منه! قلت: لماذا؟ قال: لأنِّي في خطبة عيد الفطر أفتيت بأنَّ قِيمة الزكاة لا تُجزئ عن الزكاة نفسها، ونددت بأبي حنيفة ورأيَه في هذا الموضوع! قلت له: ولِمَ فعلت ذلك؟ قال غاضبا: قررتُ مذهبَ السلف، أفي ذلك جريمة؟

أجبت في هدوء: إنَّك لستَ أعرف بمذهب السلف من شيخ الإسلام ابن تيمية الذي ربط الحُكم بمصلحة الفقير، ورأى جوازَ إخراج القِيمة إذا كانت القِيمة أجدى عليه وأحبَّ إليه! هل قرأت ما ذكره صاحب «فتح الباري» في هذه المسألة؟

وخُيِّل إليَّ أنَّ الخطيب المُفتي لم يكن خبيرًا بأقوال العلماء في الموضوع، ومع ذلك فقد مضى في تنديده بالمذهب الحنفي وصاحبه !

قلت له: في كتاب « فقه الزكاة » للشيخ يوسف القرضاوي تلخيص للأقوال المروية عن علمائنا الكبار في الزكاة، وقِيمة الزكاة، وأيهما يخرج؟

ولعلك تدري أنَّ الزكاة شُرعت لمصلحة الفقراء، لا لإعناتهم، وأنَّ عمر بن عبد العزيز الذي أخرج القيمة هو خامس الراشدين، وأنَّ شَتمه مُنكر!

وأنَّه وأبا حنيفة لم يفتحا في الدين ثُغرة عندما فعلا ذلك. ثم إنَّ المنبر لذِكر الله، والحفاظ على شريعته، وليس لنصرة مذهب فقهي على مذهب فقهى آخر، فما الذي أغراك بعِرض أبي حنيفة تلغُ فيه؟

إنَّ زميلًا لك في القاهرة قال: إنَّ الشافعى هو الذي أفسد القاهرة! وآخر في الجزائر قال: إنَّ مالكا أخطأ السُّنة، ولم يُحسِن الاتباع !

والفقهاء الأربعة الكبار هم من قمم السلف وأعلام الدين؛ فلماذا تنسون الأدب في ذكرهم، وتلتزمونه مع مَنْ دونهم؟

إنَّ كثيرا من المتعلمين يسيء إلى «السلفية» تحت عباءة «السلفية»، وإنِّي لأحذِّر مِن أولئك المتفيهقين الضعاف..

إننا حصدنا الفرقة والخصومة من أصحاب الألسنة العمياء، ولا أعرف أياما المسلمون فيها فقراء إلى التعاون والتواد أشد من هذه الأيام النكدة؛ فليتق الله خطباءٌ يَضرُّون أكثر مما ينفعون، وليقرؤوا كثيرا، فقد سمعنا قديما أنَّ العلم نور !!

 

حكم إخراج زكاة الفطر نقدا، بين التعبد و التعليل

 
وهذا أستاذنا القدير وأحد الرواد المختصين في الفقه و الفقه المالكي خصوصا بجامعة وهران الجزائرية الأستاذ الدكتور  بلخير طاهري الإدريسي، يكتب بحثا مفصلا  بعنوان حكم إخراج زكاة الفطر نقدا، بين التعبد و التعليل، نقتطف منه ما يلي :

  

حيث استهل بحثه، بمقدمة جاء فيها :

      حصرا للنزاع من جهة الأقوال والصور والأحكام، الذي يثار كل ما جاء موعد زكاة الفطر هل تخرج من قوت البلد أم من قيمة قوت البلد .

     مما يجب إخراجه من محل النزاع، هو اتفاقهم جميعا على أن زكاة الفطر الاصل فيها ان تخرج من قوت أهل البلد وهذا القدر المتفق عليه

ولكن وقع الخلاف في العدول عن هذا الأصل لاعتبارات أبداها كل إمام من أئمة المسلمين.  

فقد اختلف أئمة المسلمين من فقهاء ومحدثين، في المسألة، ونحن ننقل لكم بكل أمانة خلاصة أقوالهم

     وبعد  البيان يبقى لكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات

إذا لم تقتنع بقول، فإياك تسفيه القائل، فله حجة في مذهبه وعذر مع ربه

 

تحرير المسألة :

 

 جواز  إخراج القيمة في الزكاة، ومنها زكاة الفطر

     المذهب الأول :

 وهو الاصل، ويكون إخراجها من قوت البلد

وهذا المذهب لا يحتاج الى برهان، وتأصيل.

     مستندهم في ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كنا نخرج زكاةَ الفطرِ صاعاً من طعامٍ، أو صاعاً من شعيرٍ، أو صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من أَقِطٍ، أو صاعاً من زبيبٍ)، رواه مسلم

 

    المذهب الثاني : 

وهو الاستثناء بخلاف الاصل، فمن قال به، وماهي مصوغاته

     ذهب أبو حنيفة وأصحابه، والحسن البصري، وسفيان الثوري، وسيدنا عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -

    وهو قول الأشهب وابن القاسم من علمائنا، و هما من تلامذة الإمام مالك . حكاه ابن المواز

 

 

النظر المقاصدي في ضوء قاعدة رفع الحرج :

 

      فهذا الأيسر بالنظر لعصرنا وخاصة في المناطق الصناعية التي لا يتعامل الناس فيها إلا بالنقود، كما أنه - في أكثر البلدان وفي غالب الأحيان - هو الأنفع للفقراء

أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما فرض زكاة الفطر من الأطعمة السائدة في بيئته وعصره، إنما أراد بذلك التيسير على الناس، ورفع الحرج عنهم.

    فقد كانت النقود الفضية أو الذهبية عزيزة عند العرب، وأكثر الناس لا يكاد يوجد عنده منها إلا القليل، أو لا يوجد عنده منها شيء. وكان الفقراء والمساكين في حاجة إلى الطعام من البر أو التمر أو الزبيب، أو الأقط

      لهذا كان إخراج الطعام أيسر على المعطي، وأنفع للآخذ، ولقصد التيسير أجاز لأصحاب الإبل والغنم أن يخرجوا "الأقط" - وهو اللبن المجفف المنزوع زبده - فكل إنسان يخرج من الميسور لديه.

      وقد  تنبه الى هذا المقصد الإمام ابن تيمية حين أجاز لمن باع ثمر بستانه بدراهم أن يخرج عشرة منها، ولا يكلف أن يشتري ثمرًا، إذ قد ساوى الفقراء بنفسه، كما أجاز لمن لم يجد في مدينته من يبيعه شاة عن إبله، أن يخرج قيمتها ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى لشرائها.

      وبالنظر إلى اتساع البلدان وكبرها، قد يعسر عليك احينا الحصول على هذه الحبوب خاصة في دول كثافة السكان فيها تتجاوز المائة مليون....

     ولننتبه إلى قول الفقهاء لما قالوا : وتخرج من قوت أهل البلد.

 

خلاصة البحث :

 

 وخلاصة أقوال المالكية تنتهي في الجملة الى الكراهة مع الاجزاء، وهو حاصل روايات المدونة والبيان والتحصيل وشراح خليل.

      ففي بلغة السالك للصاوي ( قوله فلا يجزئ الإخراج من غيرها ) أي إذا لم يكن ذلك الغير عينا وإلا فالأظهر الإجزاء لأنه يسهل بالعين سد خلته في ذلك اليوم .اهـ.    

      وهذا الكلام نقله عن الصاوي أيضا عثمان بري الجعلي شارح أسهل المسالك .

ويجوز إخراج قيمتها عينا كما تقدم

      فاذا كانت الكراهة مع تحقيق مقصود الشارع، في إغناء الفقير بما يصلح حاله في ذلك اليوم، فهو سبب الأجزاء الذي مال إليه ائمتنا

 

وقت إخراجها:

 

     في المذهب المالكي يجوز إخراجها بيومين قبل العيد

     وعند الحنفية يجوز إخراجها من اليوم الأول من رمضان إلى آخر يوم منه مراعاة لحال الفقير، وتخرج قبل انصراف الإمام من صلاة العيد وإلا فهي صدقة وليست زكاة بعد هذا، والله أعلم.    

               

زكاة الفطر في ماليزيا ... عالم اخر :

 

وتخفيفا على الأمة في اجتهادات إخراج الزكاة، هذه التجربة الرائدة في ماليزيا، التي فعلا، تشلح من أعناقنا و ظهورنا أثقال وأوزار حساب وتوزيع الزكاة بطريقة علمية شفافة واضحة، لا غبار عليها، بحيث، يمكنك كمسلم ماليزي، ما يلي:

✔️ تدخل موقع الزكاة الماليزي، تسجل اسمك و عدد افراد عائلتك و منطقتك.

✔️ الموقع من خلال اتصاله بمصلحة الضرائب الوطنية يعرف مستواك الاجتماعي فيصنفك ضمن ثلاثة اصناف أ ، ب ، ج ...و يحدد لك قيمة زكاة الفطر ...

✔️ تسدد الزكاة بالبطاقة البنكية مباشرة على الانترنت و تخصم القيمة المدفوعة من ضرائبك

✔️ بعد ذلك يخبرك الموقع من استفاد بها من الفقراء والمساكين و عناوينهم في اطار شفاف و نزيه ..

✔️ تقول بعض التقارير المالية أن الفقراء المسجلين في الموقع يحصل الفرد منهم على معدل يقدر بثلاث آلاف دولار من زكاة الفطر سنويا تدفع كأقساط طيلة السنة للمستفيدين !!

 حبذا لو أن جل دول العالم الإسلامي تتعلم من هذا السلوك العصري الحضاري الماليزي، الذي هو مطبق بحذافيره في الدول الغربية على الضرائب بشكل رسمي لكل مواطن !!..

قال تعالى: "قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" [الأنعام : 14]  

نسأل الله عز وجل لنا ولكم القبول، وحسن الظن وحسن قصد السبيل.

 
 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services