347

0

لفلسطين نغنّي مع ديوان “صهيل في مرابع الدم” للشاعر السوريّ فرحان الخطيب

 

 

بقلم : صالح هواري| شاعر وناقد

 

لفلسطينَ نُغنّي .. وكيفَ لا .. !؟  وفلسطينُ زيتونةُ الله في أرْضهِ، ما مسّ زيتُها قلباً إلّا أضَاء، وفلسطينُ ليستْ لنا وحدَنا أيّها الأحرارُ في العالم، إنّها قَضيةُ كلّ إنسانٍ كابدَ مرارةَ النّفي والاغتراب، ولا أظنُّ أنَّ ديواناً لشاعرٍ خَلا من قصيدةٍ أو أكثر عن فلسطين متعاطفاً معَها، ومُعبّراً عن مأساتِها التي تصرخُ جراحاتُها على مرْأى عالَمٍ كصًخرٍ أصمّ..

ومن هؤلاء الشّعراء الّذين تنكّبوا بندقيةَ الدّفاع عن فلسطين الحَبيبة، الشّاعر العربي السّوري الأصيلُ فرحان الخطيب الذي تجذّرت عروبتهُ في قلبهِ العاشقِ لسورية وفلسطين على حدّ سَواء.. وإنّكَ لتشعرُ أيّها القارىءُ وأنت تخوضُ غمارَ ديوانه “صهيلٌ في مرابع الدّم “ أنك أمام شاعرٍ مُبدعٍ، في قصائدهِ إيقاعاتُ التّفْعيلاتِ العروضيةِ مع إيقاعِ وجدانهِ المفعمِ بالوطنية.. ليشكلَ الإيقاعان نشيدَ الحياة الكريمة المكتنزةِ بظلالِ حُبّ الوَطن..

ففي قصيدته “طوفانُ الأقصى” استجابةٌ عفْويةٌ للحَدثِ العظيم الذي فجَّرَهُ رجالُ المقاومةِ في “غزّةَ ” فهزَّ أركانَ العالم، وعبّرَ عنه الشّاعرُ فرحان باندفاعٍ وطنيٍّ جارفٍ عبْرَ أُسْلوبٍ فنّيٍّ مُشْرِقٍ البيان، بعيدٍ عن الغموضِ والإبهام، يقولُ منتقداً الصّمتَ العَربيّ:

 

مَاتتْ مُروءتُهم بجَوْفِ رِمالهِم وتمنّعتْ عَنْ سَترِهم أكْفانُ

يَا ويلَها منْ أمّةٍ مَكْلومةٍ هانَ الرّجالُ وتَاهتِ الفُرْسانُ

 

وفي قصيدةِ “غزّة” يتصاعدُ ألمهُ لِمَا فَعَلهُ جيشُ الحقدِ الصُّهيوني بأطفالِ”غزّة” إذْ قصفَ البيوتَ وهَدمَها فوقَهم دونَ رحْمةٍ، يقول:

 

سَرقوا مناديلَ الطّفولةِ ..

من على حَبْلِ الغسيلِ ..

وَأطلقُوا من فوّهاتِ عيونِهمْ ..

جيشاً من الحقد المُعلّبِ في دَهاليزِ الصّدورْ ..

 

ويخاطبُ الشاعرةَ فدوى طوقان متفائلاً ومبشّراً بالنّصر الذي قطفهُ رجالُ المقاومة في غزة عن شَجرِ صُمودِهم العظيم، فيقول:

 

فدوى ..

يطلُّ على ضِفَافِ الرّوحِحلمٌ ..

اسمه القسّامُ يعدو ..

في حقول النّصرِ..

يمسحُ ..

عن عُيونِ الأمّهات مواسمَ الحُزنِ الجَميلْ ..

 

أمّا من حيثُ البناء الفنّي، فإنّ قصائدّ الديوان تنتظمُ في خيوط النفعيلات بمهارةٍ فنيةٍ فائقة، لأنّها من خلال هذا التشكيل العَروضي الحرّ تنبثقُ سيمفونيةُ الغناءِ الوجْداني الفيّاضِ بالحَماسِ والدّفءِ والصّدق.وهذا ما جَعلَ خيوطَ الغنائية في كلّ قصيدة، ما يجعل روحَ المتلقي تنسابُ مع النّصّ انسياباً عفويا جارفاً، وكمَا بًدا لي فإنّ قصائدَ هذا الدّيوان جاءتْ من شعرِ التفعيلة، أجاد الشاعر الخطيب صياغتَها وأحكمَ نظمَها، يقول في “رسالة من شهيد”:

 

إلى وطني ..

تحياتي من الفردوس أهديها ..

مخضّبةً ..

بريح المسك والبارود والحنّا ..

محلاّةً بطيب المرجِ ..

والصفصاف والمنجلْ ..

 

هذا وإلى جانب هذه الغنائية العذبة، تأتي المباشرة التي لا بدّ منها في مثل هذه القصائد التي تبشّر بقضية، وصاحبُ القضية كفيل بتوصيل أفكارهِ بوضوحٍ ودون التفاف أو تحايلٍ على اللغة، أو اللجوءِ إلى الرّمز والإبهام .أمّا عن البلاغة فحبّاتُ دُرَرِهَا تتناثرُ بينَ طيّات القصائد فتجمّلها، كما في قوله مخاطباً محمود درويش:“وردُك المشكول في خيط الرجوع..” جاء التشبيهُ بليغاً إضافيّاً، فقد شبه الرجوعَ بخيط، فجعل التركيب جميلاً حين أضاف إليها “وردك المشكول”.

وفي قوله مخاطباً الشهيد أحمد ياسين استعارة مكنية، حيث شخّص التراب، فجعله إنساناً حين قال:“تقطّر زهرُك المجدولُ من وجع التّراب”. والكناية في قوله: “كلّما جفّت ضروع الإبل، وقلّ الجنى بالنّخلِ” كناية عن الإحجام عن تقديم الخير. وأمّا المنهلُ اللغوي الذي استقى الشاعرُ منه مفرداته، فهو مختلف في كل نص، ومتجدد، ابتعد الشاعر من خلاله عن المفردات المتكررة والتراكيب الجاهزة، فقدم لنا كنْزَهُ الإبداعي جليّاً متألّقاً يأخذ بتلابيب اهتمام القارىء، ويشدّه إليه لجماله وسحر تعبيرهِ . وللشاعر فرحان الخطيب كلُّ تقديرٍ ومحبة لتقديمهِ هذا الديوان عن فلسطين الحبيبة، وأشدُّ على يدهِ شاعراً أثبتَ حضوره النّاصع على الساحة الثقافية كشاعرٍ مبدعٍ، وناقدٍ فذّ .

 

 

 


 

طوفان الشعر في ديوان “صهيلٌ في مرابع الدّم” للشاعر فرحان الخطيب

 

كتبت :  رنا بدري سلوم

 

تتصفح ديوان “صهيلٌ في مرابع الدّم” تشدك بداية المقدمات الست التي كتبها كتّاب فلسطينيّون يكتبون بحبر الدّم وينشدون وطنهم فلسطين قضية لا تتجزأ عن إكسير حياتهم، فعدا عن نقدهم الموضوعي للنصوص الـ16 للشاعر فرحان الخطيب في ديوانه الصادر عن دار فكر للطباعة والنشر في جمهورية مصر العربية، تغنّى كلٌ منهم بالأرض بالأم وآلام ولادتها في كل قيامة لها فكانوا أبناءها البررة الذين لم يقطعوا حبلهم السري معها، وحين تصل إلى قصائد الخطيب المنجز الشعري المتقن الذي اعتدنا على الشاعر أن يقدم لنا رسالة واضحة المعالم، عميقة المضمون، جميلة الشكل، بهيّة المعنى، جامعاً القضية الفلسطينية من زيتونها وحمامة سلامها وأطفالها وشهدائها ذاكراً شعراءها وكأنه يطوف شعراً غزّة الجريحة يكتب بروح الشاعر الثائر طوفان الأقصى الذي دخل شهره الرابع، من اشتعالات المعنى الكلّي لما تعنيه القصائد بدأ الناقد والأديب أحمد هلال مقدمته، لحظة غزة في الوعي والوجدان والذاكرة والهوية، وعبر غنائية باذخة ائتلفت لها التراكيب والمفردات والإيقاعات المتواترة وعلى مستويين، مستوى امتداح البطولة، ومستوى فضح جرائم العدوان، ليضيف الشاعر لحظة تاريخيّة ليست عابرة في تاريخ فلسطين، بل هي اللحظة المؤسسة بالشعر أن الشعر فعل مقاومة يكتب الخطيب في عنوان “طوفان الأقصى”: للقدس بل يهدرُ الطوفانُ.. بالدم وحده تزهر الأوطانُ، هبّوا فإن الله بارك “غزة”.. والنصر يرفعُ غاره الإيمان وفي نص” من غزة إلى أمي الشهيدة “كتب: هي غزة الملأى جرار حياتها بدمٍ يعانق في تبرعمه الزهور عندي لغزّة من دموع الشعر ما ملأ المحاجر ثم أطلقها إلى وجع البحور في غزة الأنوار تطفأ والنجوم إلى خفوتٍ لا تشعُ، معرّفة الشاعرة والمترجمة اللبنانية تغريد بومرعي في مقدمتها الشعر بأنه فن لغوي يتميز بالتركيب اللحني واستخدام اللغة بشكل مبدع للتعبيرعن المشاعر والأفكار والتجارب والريشة التي يرسم بها الشاعر إحساسه ويفضح بها مكنونات القلب، مبينة أن الشعر عند فرحان الخطيب وسيلة فعالة لتسليط الضوء على القضية الإنسانية والمصيرية خاصة في حالة فلسطين وفي حالة طوفان الأقصى، يظهر الشعر لديه كأداة للتعبير عن معاناة الشعب الفلسطيني والظروف الصعبة التي يواجهها ويستخدمه كوسيلة للتعبير عن روح المقاومة والتحدي في وجه التحديات والقهر، بينما يدخل الدكتور حسن حميد دهاليز الشعر والشاعر، فكتب بما تبوح به الأسطر وتحمله من كبرياء الشعر تجاه كبرياء الفعل المدافع عن الحياة وسمو مقاصدها، وعن التاريخ وما فيه من علامات العمران وظواهره، وعن الحق وما فيه من جمال وعزّة، وعن الإبداع ما فيه من فرادة ونيافة باذخة، وعن الشعر وما فيه عرامة، ويرى أن شعر الخطيب شعر مرعب في جماله، كثيرٌ في معانيه، داهشٌ في عمارته، جديرٌ بأن يعلق عالياً مثل القناديل، ويرى الشاعر والأديب الفلسطيني سامي مهنا أن من يقرأ الديوان يعتقد أن الشاعر الخطيب فلسطيني حتى النخاع وآخر الوجد، مؤكداً في مقدمته أن القضية الفلسطينية هي قضية الشرفاء من العرب وأحرار العالم، مشيراً إلى أن ديوان صهيلٌ في مرابع الدّم هو الديوان الأول الذي يصدر مواكباً طوفان الأقصى، وهو رؤية تحليلية لقضية أبعد من هذه الحرب.

فيما تساءل الشاعر والأديب صالح هواري كيف لا نغني لفلسطين، وفلسطين زيتونة الله في أرضه،منوهاً بدراسة تحليلية عميقة لنصوص الخطيب فكتب تقرأ لشاعر مبدع، لديه إيقاعات التفعيلات العروضية مع إيقاع وجدانه المفعم بالوطنية، ليشكّل الإيقاعان نشيد الحياة الكريمة المكتنزة بظلال حب الوطن، يحيي الشاعر والأديب محمد شريم في مقدمته صوب غزّة العزّة، ذكرى الشهيد فارس الخطيب الذي استشهد دفاعاً عن فلسطين عام ١٩٤٨، وهو من أسرة الشاعر الخطيب، وهذا يدل وكما بين شريم على عمق انتماء الشاعر للقضية والعروبة والإخوة، وقد ذكر الخطيب في قصيدته يا قدس: يا قدس أشبالك الأبطال ما فتئوا.. في ساحة المجد ما ولّوا وما ذهبوا وعاهدوا الشام إخواناً بمعمعة أو تصبح القدس للأحرار تنتسب، وجه الشاعر فرحان الخطيب رسائله الشعرية إلى فدوى طوقان ومحمود درويش وسميح القاسم، ولم ينس الخطيب أن يحمّل الجيل الجديد رسالته الوطنية فكتب النص الأخير في ديوانه بعنوان:”من الأطفال للأبطال” كتب: مرحى لكم يا أجمل الأبطال.. يا موجة الطوفان والنضال أنتم حماة الأرض والوطن.. أنتم جنود النصر يا رجال هيا معاً نسترجع الجولان.. من غزّة الطريق والعنوان. (نقلاً عن الثورة)

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services