30

0

قصر المنيعة يعيد رسم العلاقة مع التراث: من الذاكرة المحلية إلى الرهان الوطني

الطبعة الثانية تكشف تحوّل الثقافة إلى أداة سيادية لبناء الهوية ودفع التنمية

 




في وقت تتعالى فيه الأسئلة حول مكانة الثقافة في مشاريع التنمية الوطنية، جاءت الطبعة الثانية من المهرجان الثقافي المحلي لقصر المنيعة القديم لتقدّم جوابًا عمليًا من قلب الجنوب الجزائري.

فبعيدًا عن منطق الاحتفال الظرفي، حملت هذه التظاهرة، التي احتضنتها ولاية المنيعة مساء الخميس الماضي تحت شعار «تراثي هويتي»، رؤية واضحة مفادها أن التراث لم يعد مجرد رصيد رمزي محفوظ في الذاكرة، بل أصبح عنصرًا فاعلًا في بناء الهوية الوطنية وصناعة المستقبل.

الحدث الثقافي كفعل سياسي ناعم

افتتح المهرجان بحضور والي ولاية المنيعة بن مالك مختار، ورئيس المجلس الشعبي الولائي بالنيابة، إلى جانب السلطات المدنية والعسكرية والأمنية، والمنتخبين المحليين، وممثلي الأسرة الثورية والإعلامية، لم يكن تفصيلًا بروتوكوليًا. بل عكس إدراكًا رسميًا متزايدًا بأن الثقافة تمثل أحد أوجه السيادة الوطنية، وأن الاستثمار في التراث هو استثمار في تماسك المجتمع واستقراره.

وقد أعطى إشارة انطلاق الفعاليات عز الدين عنطري، مدير المتحف الوطني العمومي للآثار الإسلامية، ممثلًا عن وزيرة الثقافة والفنون، في رسالة سياسية وثقافية تؤكد أن الدولة تراهن على المبادرات المحلية الجادة، خصوصًا في ولايات الجنوب التي تختزن عمقًا حضاريًا طالما ظل بعيدًا عن الأضواء.

القصر القديم… من معلم تاريخي إلى فضاء عمومي

تحوّل قصر المنيعة القديم خلال أربعة أيام إلى فضاء ثقافي مفتوح، تتقاطع فيه الفنون والرياضة والشعر والمعرفة.

البرنامج المتنوع، الذي جمع بين العروض الفلكلورية، المنافسات الرياضية التقليدية، السهرات الفنية، الوصلات الشعرية، والمعارض التراثية، كشف عن تصور جديد للتراث بوصفه ممارسة اجتماعية حيّة، لا مجرد معروض جامد.

عروض الافتتاح، التي شاركت فيها جمعيات وفرق محلية، من بينها جمعية الجيل الصاعد، جمعية برزانة للتراث الأصيل، النادي الهاوي فرسان الصحراء، النادي الرياضي لألعاب الفروسية والفنتازيا، الجمعية الثقافية لإحياء الفلكلور الشعبي، جمعية الشروق لفن البارود، إضافة إلى أندية ركوب الجمال من حاسي نيقل وحاسي أولاد زيد، وبمشاركة الكشافة الإسلامية الجزائرية، قدّمت لوحات فنية جمعت بين الإيقاع الشعبي والرمز التاريخي، وأبرزت قدرة المجتمع المحلي على إعادة إنتاج موروثه بلغة معاصرة دون التفريط في أصالته.

خطاب رسمي يربط التراث بالتنمية

في كلمته، شدد والي ولاية المنيعة على أن المهرجان يندرج ضمن رؤية وطنية تهدف إلى تثمين التراث المادي واللامادي وتحويله إلى رافعة ثقافية وسياحية، داعيًا إلى إشراك الشباب والجمعيات في جهود الحفظ والتوثيق، باعتبارهم الحاضنة الحقيقية للذاكرة الجماعية.

من جانبه، أوضح مدير الثقافة والفنون لولاية المنيعة ومحافظ المهرجان العابد ياسين أن هذه التظاهرة ليست مجرد موعد سنوي، بل مشروع ثقافي طويل المدى لإعادة الاعتبار لقصر المنيعة القديم كمعلم تاريخي وفضاء جامع للإبداع. وأشار إلى أن الطبعة الثانية عرفت توسعًا نوعيًا من حيث تنوع الأنشطة ومستوى المشاركة، ما يعكس نضج التجربة التنظيمية والدعم الذي حظيت به من السلطات الولائية ووزارة الثقافة والفنون.

 

خيمة الشعر بالمتحف العمومي … حين تتحول الكلمة إلى ذاكرة مقاومة

خيمة الشعر كانت من أبرز محطات المهرجان، حيث اجتمع شعراء وكتاب وباحثون من داخل الولاية وخارجها، في جلسات تجاوزت الإلقاء إلى النقاش والتحليل. شارك في هذه الفضاءات كل من الكاتبة بوشنتوف بسمة، الأستاذ والشاعر أحمد العماري من إينغر ولاية عين صالح، الدكتور عاشور فني، الشاعر محمد عباس من ولاية البيض، شيخ بودرع، قادة فيطة، محمد بريك، بن عودة بشير، الشاعرة حدة كرط، وصياد حورية.

 

كما تناولت المداخلات موضوع شعر المقاومة والثورة لدى شعراء المنيعة، ونماذج من الشعر الشعبي المقاوم، بمشاركة باحثين من بينهم بو شريط محمد، إضافة إلى دراسات أكاديمية حول التجديد في قصيدة الصحراء والروابط الشعرية بين مناطق الجنوب، قدّمتها الدكتورة لنيدة بن سايح، والأستاذة محمدي فاطمة الزهراء.

 

المعرض الثقافي… التراث المكتوب حاضر بقوة

المعرض المصاحب للمهرجان لم يكن أقل أهمية، إذ عرض إصدارات أدبية وتاريخية لعدد من الكتاب والباحثين، من بينهم عبد المجيد سرور، عبد العالي لقدعي ، رحماني مداني، وريدة غريب، قير فاطمة، و سهام برواقن. 

 كما شاركت جمعيات ثقافية نشطة، على غرار جمعية نسائم الجنوب الثقافية المشرفة عليها بن عبد الرحمان فضيلة،

و أبو طالب ربيعة المشاركة في مهرجان الثقافي المحلي للقصر القديم من خلال ما تجود به من أكلات شعبية راقية، واللباس التقليدي، فضلا عن طاقم مكتبة المطالعة العمومية في المرافقة و التي ضمت الخيمة الصحراوية،

سهرات فنية غنائية ممتعة 

تنوعت السهرات الفنية  بمشاركة للفنان دحمان ميدان بفرقة الجوهرة السمراء، و الفنان طلحاوي محمد بفرقة الفن و الفولكلور، و فرقة الجمعية الثقافية لترقية الشبانية حي بلعيد، و سهرة فنية مع فرقة إيمضراين بحاسي لفحل 

تنظيم محكم وإشعاع إعلامي محسوب

نجاح المهرجان كان ثمرة تنسيق محكم بين مختلف المتدخلين. فقد سخّرت المصالح الأمنية، بمشاركة الأمن الوطني، الدرك الوطني، والحماية المدنية، مخططًا أمنيًا متكاملًا ضمن سير الفعاليات في أجواء آمنة ومنظمة.

إعلاميًا، حظي الحدث بتغطية واسعة من وسائل الإعلام الوطنية والمحلية، إضافة إلى حضور قوي على منصات التواصل الاجتماعي و صناع المحتوى، ما منح المهرجان إشعاعًا وطنيًا وأكد مكانته كتظاهرة ثقافية واعدة.

ختام بالتكريم… وإشارة إلى الاستمرارية

واختُتمت فعاليات المهرجان مساء الأحد 21 ديسمبر 2025 بدار الشباب المجاهد دحماني محمد ببلدية المنيعة، بحضور والي الولاية وكبار المسؤولين، حيث تم تكريم الجمعيات والنوادي المشاركة كالهلال الأحمر الجزائري و الكشافة الإسلاميةالجزائرية ، وعدد من الفنانين والإعلاميين، في خطوة تعكس ثقافة الاعتراف وتؤسس لاستمرارية المشروع.

مهرجان قصر المنيعة القديم، في طبعته الثانية، لم يكن مجرد استعادة للماضي، بل إعادة تعريف لدور التراث في الحاضر والمستقبل. لقد أثبت أن الثقافة، حين تُدار برؤية وتشارك فيها الدولة والمجتمع، تتحول إلى قوة ناعمة قادرة على بناء الإنسان، وتعزيز الوحدة الوطنية، وصياغة نموذج تنموي يعكس عمق الجزائر وتنوعها الحضاري.

لحسن الهوصاوي 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services