483
0
حين تصمت القبة الحديدية... ضربة إيرانية تُصيب قلب الاستخبارات الإسرائيلية
.jpeg)
بقلم: ضياء الدين سعداوي
في واحدة من أكثر الهجمات الإيرانية جرأة منذ عقود، سقطت صباح اليوم أربعة صواريخ باليستية على مجمّع "جليلوت" شمال تل أبيب، وهو أحد أكثر المواقع الأمنية تحصينًا في إسرائيل، ويضم مقر شعبة الإستخبارات العسكرية "أمان"، بما فيها الوحدة 8200 المتخصصة في الحرب السيبرانية والتنصت ، الفشل الفادح لمنظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية في اعتراض الضربة، لا يمثل فقط إخفاقًا تقنيًا، بل يفضح هشاشة المنظومة الأمنية الإسرائيلية أمام عدو بات يعرف تمامًا أين ومتى يضرب.
أول الغيث... حين تضرب الصواريخ فوق رؤوس الجنرالات
مشاهد اللحظات الأولى للضربة، التي وثقتها كاميرات مدنية وعسكرية، أظهرت سقوط الصواريخ بدقة مروعة وسط المنشأة، دون أن تُفعّل القبة الحديدية أو منظومة "مقلاع داوود" قدراتها الإعتراضية، ما يشي بأن الهجوم إما جاء بأسلوب مباغت يفوق قدرة الرادارات على الرصد، أو بإستخدام تقنيات تشويش متقدمة أربكت أنظمة الدفاع.
هذا ليس مجرد خرق أمني؛ إنه إنذار استراتيجي ، فحين تصل الصواريخ إلى أحد أهم مراكز اتخاذ القرار الإستخباراتي الإسرائيلي دون اعتراض، فإن صورة "الردع المطلق" التي تتباهى بها تل أبيب قد بدأت بالتلاشي.
جاليلوت"... قلب العصب الاستخباراتي الإسرائيلي
استهداف "جليلوت" ليس عشوائيًا ،فالمجمّع يحتضن وحدة 8200، أحد أبرز أذرع شعبة "أمان"، المسؤولة عن اعتراض الإشارات، التجسس السيبراني، التحليل الفوري للبيانات، واستخلاص بنك الأهداف الذي يوجّه عمليات الإغتيال الدقيقة في الخارج، خصوصًا ضد قيادات المقاومة والعلماء النوويين الإيرانيين.
ضرب هذا القلب الإستخباراتي بمثابة رسالة رمزية ونارية ،أن اليد التي كانت تتجسس وتقتل في صمت، أصبحت الآن في مرمى النار، وأن الغرفة التي كانت تُصدر أوامر القتل، قد أصبحت هدفًا مكشوفًا.
إيران تغيّر قواعد اللعبة... من كردستان إلى تل أبيب
لم تمضِ أسابيع كثيرة على ضربات إيرانية استهدفت ما قيل إنها مقرات للموساد في كردستان العراق، حتى جاء الرد الأعنف صباح اليوم داخل "جليلوت"، مقرّ النخبة الاستخباراتية الإسرائيلية.
الانتقال من استهداف وكلاء الموساد إلى ضرب مقرات رسمية داخل حدود 1948، وبالذات في منطقة تعدّ من أخصب المناطق الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، يكشف عن تحوّل جذري في استراتيجية طهران ،الردع لم يعد محصورًا بالخطب، ولا مشروطًا بتوقيت دبلوماسي
رسائل ما بين السطور...الصمت الإسرائيلي الصاخب
كالعادة، لم تعترف إسرائيل رسميًا بحجم الضربة أو مكانها، لكن كثافة التحليق العسكري، وإغلاق المجال الجوي شمال تل أبيب لساعات، وتسريب بعض الصور والفيديوهات، تكشف حجم الإرتباك.
الصمت الإسرائيلي ليس دليلاً على التحكم، بل على العجز عن الرد دون تصعيد لا يمكن تحمّله، فالرد على ضربة بهذا الحجم قد يعني انزلاقًا نحو حرب شاملة، وهو ما تسعى تل أبيب لتجنّبه في ظل تصاعد التوتر على جبهات غزة ولبنان والضفة الغربية.
8200 تحت النار...ماذا بعد؟
ضرب الوحدة 8200 يعني اختراقًا لمنظومة العقل الإلكتروني الإسرائيلي، فهذه الوحدة هي المسؤولة عن تحليل ملايين الإتصالات، تحديد مواقع القادة، اعتراض الرسائل، وتعطيل شبكات المقاومة، إن تعرّض مقرّها لهجوم مباشر قد يعني – ولو مؤقتًا – شللاً في بعض قدراتها، وخصوصًا في التعاطي مع جبهات متعددة في وقت واحد.
والأخطر، أن الضربة قد تكون حملت رسائل سيبرانية تتضمنها: اختراق شبكات، تعطيل سيرفرات، أو حتى زرع برمجيات خبيثة ضمن الهجوم. فالصواريخ قد تكون الناقلة، لكن الرسالة الأكبر تُكتب في أعماق الكود الإلكتروني.
ما بعد جليلوت ليس كما قبله
استهداف "جليلوت" هو لحظة مفصلية في تاريخ الصراع الإيراني-الإسرائيلي،إنها ليست فقط ضربة على الأرض، بل ضربة لصورة إسرائيل كدولة قادرة على حماية نفسها، وعلى امتلاك اليد العليا في حروب الظل.
إيران لم تعد تحارب من خلف وكلاء أو في الجغرافيا الرمادية، الرسالة الآن واضحة، إذا كانت إسرائيل تضرب في أصفهان ودمشق وبيروت، فإن طهران قادرة على الرد في قلب تل أبيب، وفي مركز العقل الأمني ذاته.
نحن أمام إعادة تعريف لقواعد الاشتباك في الشرق الأوسط، الرد لم يعد استثنائيًا، ولا محدودًا ، وما بعد سقوط صواريخ "جليلوت"، ليس كما قبله.