139
0
في سياق التصعيد مع إيران: هل يُكمل ترامب ما بدأه نتنياهو؟

بقلم: المستشار د. أحمد يوسف
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض رئيسًا للولايات المتحدة، تعود لغة الصفقات والمساومات والقرارات الصادمة إلى واجهة السياسة الدولية، لكن هذه المرة يبدو أن ترامب لا يتحرك فقط بمنطق "أمريكا أولًا"، بل أيضًا بمنطق "إسرائيل أولًا"، خاصة بعد أن باتت العلاقة بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو واحدة من أكثر التحالفات الشخصية والسياسية رسوخًا في المشهد الدولي.
إن ترامب اليوم هو الراعي الأول لأجندة نتنياهو، والمدافع الصلب عن رؤيته في التعامل مع حماس، ولبنان، وإيران، بل والمشارك -إن لم يكن المحرّض- على توسيع المواجهة لتشمل أكثر من ساحة.
إن ترامب اليوم هو الرئيس الذي يمنح إسرائيل الضوء الأخضر، فكلّ ما يحدث حاليًا في المنطقة لا يمكن فصله عن الغطاء الأمريكي الجديد لإسرائيل.. فترامب، خلافًا لأسلافه، لا يضع قيودًا واضحة على سلوك نتنياهو العسكري، بل إن تصريحاته، وتوجيهاته لوزارة الدفاع، ومواقفه من مجلس الأمن، تعكس رغبة في إطلاق يد نتنياهو، حتى لو قاد ذلك إلى انفجار إقليمي واسع النطاق.
هذه السياسة، وإن بدت للبعض انحيازًا أعمى، هي في الحقيقة استمرار لفلسفة ترامب التي ترى أن أمن إسرائيل جزء من أمن أمريكا، وأن إيران هي "الخطر الأعظم" على الاستقرار العالمي، وليس فقط على إسرائيل.
إنَّ التساؤل الذي يدور -اليوم- على ألسنة الكثيرين من متابعي ما يجري في الشرق الأوسط يتمحور حول إمكانية ذهاب ترامب إلى الحرب من أجل نتنياهو، والمغامرة -فعلاً- بجرّ أمريكا إلى حرب إقليمية واسعة، بهدف تدعيم خيارات نتنياهو العسكرية!!
إنَّ الإجابة المركبة لمثل هذا التساؤل تقول: نعم؛ ولكن بشروط.
إنَّ من المعروف عن ترامب، أنه ليس رجل مؤسسات، لكنه رجل شعبوي يبحث عن هلهلة الجماهير، وإذا ما شعر أن خوض مواجهة مع إيران سيعزز شعبيته، أو ينقذ إسرائيل من خطر وجودي، أو يمنحه نصرًا خارجيًا سريعًا، فلن يتردد، لكنه في الوقت نفسه، يدرك أن أي تورط مباشر في حرب قد يفتح جبهات متزامنة من طهران إلى بيروت، وربما إلى باب المندب وسيناء، بما يفوق طاقة واشنطن وقدرتها على الحسم.
من هنا، فإن المُرجح أن يدفع ترامب باتجاه حربٍ بالوكالة، أو ضربات جوية مركزة، أو دعم إسرائيلي مطلق، دون إرسال قوات أمريكية على الأرض، إلا إذا فُرض عليه ذلك من خلال تطور استثنائي.
الصين وروسيا... والفيتو الجيوسياسي
من المرجّح، أنَّ أيَّ توسيع للحرب بدعم أمريكي مباشر، لن يمر دون رد فعل دولي.. فكلّ من روسيا والصين، اللتين تتابعان عن كثب ما يجري في غزة ولبنان وسوريا، تعتبران أن تفجير الجبهة الإيرانية هو تجاوز للخطوط الحمراء، إذ أنَّ روسيا ترى في إيران حليفًا استراتيجيًا، ولن تسمح بهزيمتها دون أن تفتح جبهات ضغط مقابلة على واشنطن في أوكرانيا وأوروبا الشرقية.
أما الصين، فإنها تخشى من انهيار استقرار الخليج، وما يترتب عليه من اضطراب في إمدادات الطاقة، وستضغط عبر مجلس الأمن، وعبر أدواتها الاقتصادية، لفرملة أي مشروع حرب شاملة.
وإذا نظرنا إلى كلٍّ من باكستان وتركيا، فسنجد أن موقفهما في التعامل مع ما يجري أقرب إلى "فزعة الأخوة" وليس إلى التزام ومصير مشترك كالحلفاء.
أما في العالم الإسلامي، فإن أي مواجهة مباشرة مع إيران، خاصة إذا شملت مدنيين أو بنية تحتية استراتيجية، ستضع تركيا وباكستان في موقف حرج.
فأنقرة التي تناور بين الغرب والشرق، ستضطر لرفع صوتها ضد الحرب لحماية رصيدها في العالم الإسلامي. أما إسلام آباد، المحاصرة داخليًا بأزماتها، فلن تقبل بأي تورط عسكري، لكنها ستنحاز معنويًا لإيران، وربما تقوم بتقديم بعض الدعم اللوجستي والدبلوماسي والإعلامي، وهو ما قد يرضي -نسبياً- توجهات الشعب الباكستاني.
ختاماً:
إنَّ ترامب ونتنياهو اليوم لا يتشاركان فقط في الخطاب، بل في الرؤية والاندفاع باتجاه حافة الهاوية. إنهما يمثلان زمن الحلفاء المغامرين وربما المسكونين بطموحات المجد كالمعتوهين، الذين لا يكترثون كثيرًا للمؤسسات الدولية، ولا يعيرون اهتمامًا لردود الفعل الناعمة كالشجب والتنديد والاستنكار.
لكن ما بين التهور والاندفاع باتجاه الحرب، هناك دائمًا حسابات كُلفة، ومفاجآت خصوم، وممانعة دولية.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ليس ما إذا كان ترامب يدعم نتنياهو... بل: إلى متى يمكن لهذا الدعم أن يستمر دون أن يشعل المنطقة كلها؟
إن خروج الناس في شوارع سوريا والأردن ولبنان وفلسطين وهي تُهلل وتُكبر مع مشاهد الصواريخ الإيرانية وهي تنهال على حيفا وتل أبيب، هي اليوم مجرد رسائل مبطنة إلى الإدارة الامريكية وحلفائها الغربيين، بأننا مع أمتنا المسلمة؛ سهماً في كنانتها نشد من أزرها، ولن نكون يوماً إلى جانب أمريكا وربيبتها المارقة إسرائيل، وعلى الباغي تدور الدوائر.