احتضنت أمس دار الثقافة "علي زعموم" بالبويرة فعاليات الملتقى الوطني حول موضوع "لغة الإشارة و دورها في الدمج التربوي و الإجتماعي و الإقتصادي للصم" ، و المنظم من طرف الجمعية الثقافية للصم لولاية البويرة بالتنسيق مع مديرية الثقافة و الفنون تزامنا مع إحياء يوم العلم المصادف لتاريخ 16 أفريل من كل سنة، و ذلك بمشاركة أساتذة و أخصائيين من 16 ولاية، و من تنشيط كل من الأستاذة "أمينة سعدي" و " المترجمة "حنان حيموم".
أحسن مرزوق
و أكد رئيس الجمعية "بلحجار عمار" في تصريحه لنا أن هذه التظاهرة تهدف التي تشهد مشاركة فعالة من مختلف ولايات الوطن تهدف إلى تسليط الضوء على هذه الفئة و العمل على دمجها في جميع مجالات الحياة اليومية.
و في السياق أبرزت الأمينة العامة للجمعية و النفسانية العيادية و مترجمة لغة الإشارة "داودي شروق" أن هذا الملتقى الوطني، الذي يسلط الضوء على لغة الإشارة، ليس فقط باعتبارها وسيلة تواصل، بل كأداة محورية في تحقيق الدمج التربوي، الاجتماعي، والاقتصادي للأشخاص الصم.و نؤمن بأن غياب لغة الإشارة في البيئة المحيطة بالفرد الأصم لا يحرمه من التواصل فقط، بل يُعمّق لديه الشعور بالعزلة، ويؤثر على توازنه النفسي، وتطوره الاجتماعي، وشعوره بالانتماء. ولهذا فإن الاعتراف بهذه اللغة وتفعيلها ميدانيًا هو ضرورة نفسية، وتربوية، ومجتمعية.
ما يميز هذا الملتقى فعلاً هو احتضانه من طرف جمعية ثقافية فاعلة وناشطة في هذا المجال، إذ لا يقتصر دورها على التوعية والمرافقة، بل يتعداه إلى التكوين الميداني للطلبة الجامعيين، وتدريب الأشخاص الصم في ورشات مختلفة منها فنية، مهنية، وثقافية، في تجسيدٍ عملي وحقيقي لمفهوم الدمج، و الجمعية كانت سباقة لتنظيم دورات تكوينية في لغة الاشارة موجهة لاعوان الحماية المدنية لتمكينهم من التواصل مع هذه الفئة والحفاظ على سلامة الاشخاص، إلى جانب دورات تكوينية موجهة لاعوان الاستقبال والتوجيه العاملين بالمؤسسات التابعة للإدارة المحلية للولاية وكذا تكوين مترجمين في لغة الاشارة ما يترجم إيمان الجمعية بأن الإدماج ليس شعارًا بل ممارسة يومية واعية، تقوم على القرب من الميدان، والاستجابة لحاجات هذه الفئة في بعدها الإنساني بالدرجة الاولى وما تقتضيه ضرورة التكفل والاحتواء في مهارات الحياة اليومية الراميةِ إبعادها الى رعاية الذات وحفظ الكرامة ووحدة كل شرائح المجتمع الجزائري ، و في هذا الصدد أشارت الأستاذة داودي إلى تطور المقاربات المرتبطة بالإعاقة، والتي انتقلت من المقاربة الطبية، التي ترى في الشخص المعاق مجرد حالة تحتاج للعلاج، إلى المقاربة الاجتماعية التي تضع البيئة — لا الإعاقة — في قلب الإشكال. وفق هذه النظرة، يصبح التحدي جماعيًا: كيف نُكيّف المجتمع ليستوعب الاختلاف؟ كيف نوفر الوسائل اللغوية والبيداغوجية والاقتصادية لضمان المساواة الفعلية؟ وهذا بالضبط ما تعمل عليه هذه الجمعية من خلال ما تقدمه من تكوينات وتدخلات، تجعل من الإدماج واقعًا ملموسًا، وليس مجرد خطاب، و هنا شكرت أساتذة جامعة البويرة على دعمهم العلمي وتفاعلهم، و كذا ممثلي مختلف المديريات الحاضرين ، وكافة الأساتذة والمكونين والمشاركين الذين قدموا من مختلف ولايات الوطن، من أجل تبادل الخبرات، وتوحيد الجهود في خدمة هذه الفئة التي تستحق الكثير،
و في ختام تصريحها دعت الاستاذة "داودي شروق" إلى ضرورة تعزيز هذا النوع من المبادرات وتعميمها، والعمل على إدراج لغة الإشارة رسميًا في المناهج والبرامج، والتكوينات النفسية والبيداغوجية، حتى نضمن إدماجًا فعليًا يحترم الكرامة الإنسانية ويؤمن بالتنوع كقيمة.
و من جانبها أشارت النفسانية و مترجمة لغة الإشارة "أمينة سعدي" إلى أن لغة الإشارة تعتبر جسر الإدماج والتكامل المجتمعي لفئة الصم في عالم يتجه بخطى سريعة نحو الشمولية والتنوع، و تبرز هذه اللغة كأداة أساسية لتعزيز الإدماج الحقيقي لفئة الصم في المجتمع، ليس فقط على المستوى التربوي، بل الثقافي والاجتماعي أيضًا. ومع أن اللغة وسيلة للتواصل، فإن لغة الإشارة تمثل بالنسبة لفئة الصم هويتهم وصوتهم ونافذتهم نحو العالم.
و أضافت المتحدثة:" من خلال خبرتي التي تجاوزت العشر سنوات في التفاعل المباشر مع الأفراد الصم، أدركت أن التحدي الأكبر الذي يواجه هذه الفئة لا يكمن في إعاقتهم السمعية، بل في العزلة الاجتماعية التي تُفرض عليهم نتيجة غياب لغة مشتركة تربطهم ببيئتهم. وهنا تتجلى أهمية تعميم لغة الإشارة في المؤسسات التعليمية، والهيئات الثقافية، والخدمات العامة، لأن هذه اللغة ليست مجرد رموز أو إشارات، بل منظومة تواصلية متكاملة تعكس المشاعر، والاحتياجات، والطموحات. وحين نتحدث عن الدمج، فإننا لا نقصد مجرد الحضور الجسدي، بل المشاركة الفعلية والفاعلة في مختلف مناحي الحياة. ولذلك، فإن تمكين المجتمع من أساسيات هذه اللغة، وتوفير مترجمين مؤهلين، وتدريب الكوادر التربوية والنفسية على استخدامها، هو خطوة محورية نحو تحقيق الدمج الحقيقي.
و ختمت الأستاذة "أمينة سعدي" بالقول " الدمج الثقافي والاجتماعي لفئة الصم لا يكتمل إلا بالاعتراف بلغة الإشارة كلغة رسمية، وتوفير بيئات داعمة تحترم خصوصية هذه الفئة وتحتضن قدراتهم. ونحن، كمختصين نفسيين، نعي تمامًا الأثر العميق للاندماج في تعزيز الصحة النفسية، وتشكيل الهوية، وبناء تقدير الذات."
فيما دعا الأخصائي النفساني الدكتور "كمال معنان" من جامعة البويرة في مداخلته إلى ضرورة ترسيخ لغة الإشارة لدى شرائح المجتمع الجزائري لتسهيل عملية التواصل مع هذه الفئة ، مؤكدا أن الدمج الحقيقي هو في كيفية تواصلنا و تفاعلنا معهم نحن كمجتمع و ليس العكس ، و لهذا حان الوقت لتعلم لغة الإشارة.