716
0
في اليوم العالمي للطفل ….عالم الطفولة اليوم بين المأمول و الواقع
بقلم الخبيرة التربوية فاطمة نايت مسعود
تحتفل الجزائر باليوم العالمي للطفولة المصادف للفاتح من شهر جوان من كل سنة للإشادة بحقوقه باعتباره رجل المستقبل فالهدف الذي نسعى إليه جميعا هو ان نجعله يسعد بطفولته ، يتمتع فيه بحقوقه المشروعة التي تضمن له في كل لحظة، الحياة الكريمة، الخالية من أي خطر يهدده .فالطفولة لها مكانة هامة لأها مرحلة من أهم مراحل العمر الإنساني، فيها تبنى أسس شخصية الطفل وتنمو قيمه واتجاهاته، وفيها يتعلم ويضبط إنفعالاته و يحسن التعامل مع الآخرين .
فالإهتمام بالطفل في الوقت الحاضر يعد من أهم المعايير التي يقاس بها تقدم المجتمع وتطوره وتحضره لأن الإهتمام بالطفل ورعايته وحمايته في أي أمة هو في الواقع اهتمام بمستقبل هذه الأمة وارتقاءها، إلأ أن وضع الطفل الجزائري اليوم، وإن عرف تحسنا بفضل ترسانة من القوانين التي كرستها الدولة لحمايته من كل أشكال الإستغلال والإبتزاز بكل أنواعه غير أنه في الميدان نجد أن واقعنا ينبئ بغير ذلك ،إذ أن الطفولة في الجزائر وهي الحلقة الأضعف و الهشة في المجتمع،مازالت تعاني في صمت، تعاني من أمرين:من العنف في الأسرة ،و من تهميش المجتمع لها ووقوعها في براثن بعض الثقافات المعاصرة ذات العوامل الفكرية و الثقافية الدخيلة على المجتمع الجزائري و التي تعزز أنماط السلوك العدواني.
ففي الأسرة حيث يتعرض الطفل للإساءة النفسية من :” إهانة ، فقر العاطفي ، و تحقير و الحط من شأنه أحيانا من طرف أحد الوالدين كإطلاق أسماء مثل ” أنت غبي ، أنت عالة ” ، و الصراخ على الطفل لخلق جو من الرعب و الخوف و الهلع في نفسه و خاصة الإهمال الإفعالي “الوجداني” ويشمل الفشل في تزويد الطفل بالرعاية النفسية أو عدم إشباع حاجات الطفل العاطفية الضرورية مثل الحاجة للحب والأمن والتقدير وهو احتياج أساسي لتكوين بناء نفسي صحي.
دون أن ننسى أن بعض الأولياء يضغط على إبنه ليكون الأول دائما في صفه دون الأخذ بعين الإعتبار قدراته و اهتماماته و في كثير من الأحيان يتعمد إهمال ميوله و رغباته كأن يدخله لرياضة هو لا يحبها ظنا منه أنها هي الأفضل له .
بعض من هذه الممارسات يتلقاها الطفل و هو بين أحضان الأسرة و أحيانا من أقرب الناس إليه و هذه من المفارقات التي أصبحت تسمم مجتمعنا. فكيف لنا أن نتصور أن الأب يعّرض أبناءه للعنف سواء كان ماديا أو معنويا؟ كيف يمكن أن نتصور أن الأم قد تكون سببا في إهمال أطفالها و أركز هنا على “الإهمال العاطفي” الذي يؤدي إلي إضطرابات سلوكية عند المراهقة قد تصل إلى حد تشويه بنائه النفسي الذي يتنج عنه شخصية مشوهة رافضة لذاتها .
تصوروا معي أطفال أبرياء ينتظرون من الحياة سوى ما يشبع جوعهم الفيزيولوجي و ظمأهم العاطفي تحولوا إلى مضطربين نفسيا وعاطفيا يعانون من:” كثرة الإنفعالات و بعض الوساوس والمخاوف الهستيرية و بعض الإنحرافات السلوكية كالعدوانية و
التمرد و التعصب و التخريب ”
زد على ذلك تعرض الطفل للتحرش هذه الظاهرة الآخذة في التنامي، رغم تصدي لها بوضع مادة من قانون العقوبات تجرم المتحرش ومع ذلك نجد تستر الأهل على ”التحرش“ إذا تعرض الطفل لهذا الفعل الشنيع الذي من شأنه أن يترك ندبة عميقة في نفس الطفل وخاصة اذا كان من طرف أحد أقربائه، وبدل من معاقبة الجاني نلوم وأحيانا كثيرة نضرب الطفل لأنه لم يعرف كيف يدافع عن نفسه و بذلك نجعله يشعر بالعار.
إن التعامل السلبي للأولياء في مواجهة ما يتعرض له أبنائهم يؤدي إلى ا تؤثر على توافقهم النفسي الإجتماعي و تكون سببا في تدمير حياتهم.
إن ما أسمعه في الجلسات الإستشارية أمر محزن للغاية ، سيدة تعاني من اضطرابات نفسية لم تستطيع الزواج ،تعرضت للتحرش من طرف قريب لها و كان عمرها آنذاك خمس سنوات وحين علمت الأم انهالت عليها بالضرب و الشتم وهي لا تعرف لحد الآن ، ما ذنبها في ما حصل لها.
طفل آخر يعاني من الإساءة النفسية التي يتعرض لها يوميا ،و آخر يشتكي من أمه التي كلما غضبت منه وضعته في المرآب لفترة معينة ،هذا الطفل أصبح عنده خوف من الظلام ، كما ترد إلي العيادة النفسية كثير من مشاكل الكبار تعود إلى خبرات قاسية في الطفولة في علاقاتهم بالوالدين .
فإذا كان هناك خلل داحل الأسرة فيأتي بنتائج عكسية على الطفل خارج النطاق األسري ممتداً ا إلى المجتمع ، فنوع العلاقات لسائدة في الأسرة بين الأبوين والأطفال يحدد إلى مدى كبير أنواع شخصيات الأطفال وسلوكهم في المستقبل و هذا ما تؤكده الجلسات الإستشارية التي أقوم بها لبعض الأشخاص الذين عندهم مشكلات نفسية،في أغلب األحيان أجد جذورها مرتبطة بعقد تشكلت في الطفولة وهو ما يعرف بجروح الطفولة التي شوهت نظرتهم لذواتهم و لغيرهم ،هاهي سيدة تزوجت و أنجبت وكانت تعتقد أنها ستكون نعم الأم تتفاجأ بعدم رضاها على ابنتها مهما عملت من سلوكيات حسنة و تضيف وتقول :” بل أنتقدها و ألومها على كلشيئ ، حتى وجدت نفسي أردد كلمات كانت تقولها لي أمي حينها أدركت سبب نفوري من ابنتي .”
هذه بعض الحالات الإجتماعية الصعبة و ما أكثرها لكن صعوبتها لا ترجع بالأساس للعامل الإقتصادي بقدر ما تعود للعوامل العاطفية و التربوية المتدنـيـة، و خاصة الحرمان العاطفي الذي يعد أكثر تأثيرا من الحرمان المادي.
و إذا عدنا إلى المصدر الثاني نجده يتمثل في بعض الممارسات غير التربوية التي نجدها عند بعض المعلمين : رغم حرص وزارة التربية الوطنية على وضع قوانين صارمة تمنع منعا باتا ممارسة المعلم للتعنيف الجسدي أو اللفظي ضد التلميذ إلا أن بعض المعلمين سامحهم الله مازالوا يعتبرونه وسيلة تربوية ضرورية للسيطرة وضبط سلوك التلميذ مما أثر سلبا على التحصيل الدراسي للطفل.
و كما أدى الى بعض الإضطرابات النفسية والسلوكية :” الملل الدراسي و النفور من الدراسة ، فوبيا الإمتحان ، التمرد ،العنف بين المتمدرسين و ضد المعلم ،تسرب مدرسي و اضطراب السلوك التفككي.
المصدر الثالث هو المحيط الإجتماعي الذي تقع فيه العائلة لأن أعلى نسبة حدوث العدوان تحصل في الجماعات التي تكثر فيها النماذج العدوانية و الطفل يحاكي كل تصرف عدواني يشاهده في بيئته الإجتماعيةو ما تصدره و سائل الإعلام و الشبكة العنكبوتية من سموم تعد فيها العدوانية ميزة تعبر عن القوة ويستهلكه أطفالنا دون وعي بمخاطرها على مستقبل أبنائنا .
و ما زاد الأمور تعقيدا هو الـمـحـيـط الإجتماعي و الإعلامي الذي تعيش فيه العائلة في القرن الواحد والعشرين، محيط يمجد البطل مهما كانت وسائله و غاياته، و بطريقة ميكيافلية أصبح الإتصار و التفوق هو الهدف و الأطفال بشكل خاص عرضة لذلك، على اعتبار أن ذاكرتهم مـرئـيـة و حسية بشكل أساسي.
يتم تصويره في البرمجة و قد يطور ارتباطات عاطفية قوية بالنسبة إلى الطفل فيحاكي السلوك و يعزز هذه األدوار في أثناء تكوين الهوية. و هنا يمكن أن ننكر أن تقليد الصغير لنماذج سلوكية عدوانية تعتمدأساسا على توفر نماذج تقمصية مباشرة تمارس العنف بطريقة أو بأخرى، حتى يرسخ في ذهن هذا الكائن الصغير أنه توجد وسيلة أخرى للوجود و التفاعل مع الآخرين إلا بهذه الطريقة التي توقع بهم الأم بهم، بعد أن كان هو في حد ذاته ضحية لهذا العنف.
ولكننا بعد كل هذا نبقى متفائلون بمستقبل أفضل للطفولة، نحتاج إلى جرعة وعي والتزود بآليات العلميةو العملية لمرافقة الطفولة لبناء شخصية متزنة متصالحة مع ذاتها و مجتمعها . طفولة تشعر أنها ستكون كفء للمواقف المختلفة و للصعوبات التي تعترض حياتها و تستطيع التعامل معها باإجابية وأن تتعلم التفكير بحرية و بوضوح و أن تسيطرعلى انفعالاتها و أن تستمتع بالحياة وتكون لها علاقات سوية ومن ثم تعيش سلاما داخليا .