1050
1
الصمت يتكلم... هو شعار مؤسسة فضاء أوتيزما للتكفل الكامل بطفل التوحد بأحدث البرامج

تعد الطفولة المرحلة الأكثر عرضة لظهور الإضطرابات وأشكال من الصعوبات التي تنحرف عن معايير النمو العادي ، من بين هذه الحالات هو الطفل التوحدي، الذي يحتاج إلى مراكز مزودة ببرامج وكادر خاص لإعادة تأهيله والتكفل به.
شروق طالب
بالحديث أكثر عن طفل أوتيزما وطبيعة سلوكه واسبابه، أكدت لنا سهام طاهير مختصة أرطوفونية في فضاء أوتيزما، لها خبرة طويلة مع أطفال ذوي التأخر العقلي والمصابين بمتلازمة داون، وكذا مع أطفال طيف التوحد، بأن ابرز ما يظهر عليه هو عدم القدرة على التجاوب والتواصل حتى مع الأم، كما يفتقد الرغبة في احتضانها، وقدرة التعبير عن مشاعره وأحاسيسه.
وبالتالي هو يرفض التواصل مع العالم الخارجي والتعامل مع الأشخاص، من هنا يُعزل ويعتزل بطريقة تلقائية، ما يجعله يرفض الأصوات العالية والحركة، ليصبح كأنه يعيش في قوقعة، وأي محاولة لإخراجه منها، يصبح عدواني ومضطرب.
و أضافت طاهير بأنه على هذا الأساس التكفل بالطفل يكون بالتنسيق مع الأولياء وخاصة الأم نظرا لصبرها ورغبتها في خروج ابنها من التوحد، إلا أنه يعتبر مستحيلا والأصح هو تحسين قدرات وسلوكيات طفل أوتيزما عن طريق التكفل الكامل.
لهذا تعمل طاهير في فضاء أوتيزما على مساعدة طفل طيف التوحد على التعبير والكلام، عن طريق تكثيف التكفل الأرطوفوني مع الطفل، بإعتبار كون اللغة أهم وسيلة لإيصال الفكرة، وبالتالي يبدأ في الاستجابة شيئا فشيئا مع الافعال الأساسية، الذي يدخل في الإدماج الاجتماعي وهو الأولى والأهم.
وفيما يخص الطريقة المتبعة، ذكرت طاهير بان جلسة الارطوفونية تبدأ اولا بجذب انتباه وتركيز الطفل، الجلوس في مكانه والحفاظ على هدوئه، عن طريق اللعب، مع الأخذ بعين الاعتبار عمر الطفل، وقدرة استعابه، على سبيل المثال في بعض الحالات طفل يبلغ 7 سنوات نسبة استعابه تكافئ طفل بعمر سنة واحدة.
أعراض وتصنيف التوحد حسب DMS_5
وفي هذا الشأن، قالت لوجهان مليكة مختصة نفسية عيادية في فضاء اوتيزما، بخبرة 34 سنة في مجال الإضطرابات النمائية عند الطفل، في تعريفها لطيف التوحد بأنه "اضطراب نمائي نونولوجي عقلي" وذلك حسب التوصيات الأخيرة للمرجع القياسي الذي يستخدمه مختصي الرعاية الصحية لتشخيص الاضطرابات النمائية والسلوكية ال "DMS_5".
بحيث في كل سنة يقوم بصياغة معايير علمية للاضطرابات الذي من بينهم اضطراب طيف التوحد، عن طريق التجارب وبحوث العلمية العالمية التي تمت على مدى سنوات، وحسب آخر الإحصائيات أكدت أن التوحد ليس مرض، بل اضطراب في المجال العصبي والعقلي.
مشيرة بأنه مكسب كبير الوصول إلى هذه النتائج التي أوضحت ملامح طيف التوحد، وغيرت المعتقدات السابقة، التي كانت تدعي ان التوحد نتيجة علاقة الطفل مع الأم، ما جعل الأم تعيش في مأساة لسنوات.
وأشارت أن تطور الفحص ساعد الأخصائيين في تحديد المنطقة التي يوجد بها الخلل، بما أنه اضطراب نمائي يخص نمو الطفل يركز التشخيص عن النمو، بمعنى البحث عن المرحلة التي وصل إليها النمو، وفي أي منطقة يوجد فيها المشكل، كما يقدم ال DMS_5 الأعراض التي تأخذ بعين الاعتبار.
كما نوهت لوجهان بأنه يوجد الكثير من الأفكار المغلطة حول طيف التوحد، بحيث الكثير من الأولياء ينظرون اليه على أنه طيف "léger" شيء بسيط، لكن في حقيقة الأمر هو عبارة عن مسار ينقسم الى ثلاثة أنواع خفيف، متوسط، وشديد، وعلى هذا أساس يحدد معيار DMS_5 درجة طيف توحد اما يكون بسيط أو متوسط أو شديد.
وفيما يخص أعراض التوحد فتتمثل حسب لوجهان في مشكلة في التواصل، مشكل في اللغة، ومشكلة في السلوكيات التي تكون نمطية وتكرارية، باهتمامات محصورة، أما الأعراض الملاحظة على الرضيع تكون في التواصل البصري والسمعي مع الأم، بحيث أن الرضيع العادي عندما يسمع صوت الأم تكون لديه ردة فعل نتيجة تعرفه على صوتها منذ مرحلة الحمل، بدليل تؤثر الجنين بانفعالات الأم.
أهمية التشخيص وتكوين الطاقم الطبي المتابع للأم والرضيع
ولهذا أكدت لوجهان أنه بمجرد الشك وملاحظة مثل هذه الأعراض، لابد قطع الشك باليقين عن طريق التشخيص من قبل مختص، كما دعت على ضرورة تكوين الطاقم الطبي المتابع للام الحامل قبل وبعد الولادة من طبيبة النسائية، القابلة، طبيب عام، وصولا الى طبيب الأطفال، وحتى الطبيب العام، بحيث يكونوا على دراية بالأعراض الظاهرة والمعروفة لطيف التوحد، وبالتالي اذا لاحظ طبيب الأطفال بعض الأعراض في الأشهر الأولى لأن هذه الأعراض تزيد في شدة والكمية مع مرور الوقت، يوجه الأم إلى التشخيص الذي يحدد درجة الاضطراب وطرق التعامل مع طفل أوتيزما.
بالحديث عن نقطة تقبل الأولياء، قالت لوجهان، "من المستحيل التقبل لأنه أمر نفسي ومؤلم، لكن يوجد التأقلم وهنا كل ولي أمر وقدرته على التأقلم، وهو الدور الذي يقوم به فضاء أوتيزما قبل متابعة والتحاق الطفل بالمؤسسة، بحيث تخصص مقابلة عيادية أرطوفونية على العائلة لتهييئهم نفسيا ومساعدتهم مع التأقلم"، مشيرة بأن هذه الطريقة هي فلسفة فضاء أوتيزما العمل مع الطفل من كل الجوانب وكذا مع عائلته.
فضاء أوتيزما... الصمت يتكلم
ولتعرف أكثر عن فضاء أوتيزما والاستراتيجيات التي يعتمدها في التكفل، عرفه رضا قاسي أخصائي عيادي على مستوى المدرسة، بانه مؤسسة للتربية والتعليم خاصة بالأطفال ذوي الإعاقة الذهنية وطيف التوحد، متواجدة على مستوى بلدية بئر خادم، بفريق متعدد التخصصات وذو خبرة في مجال التكفل، فضلا عن تلقيهم تكوينات من طرف مختصين دوليين ومحليين.
كما ذكر قاسي بان فضاء أوتيزما يقوم بالمتابعة النفسية العيادية والارطوفونية، بجانب تطبيق برامج عالمية أثبتت نجاعتها في تطوير مختلف المهارات التي يفتقدها الطفل التوحدي، كبرنامج "لوفاس" و"بيكس"، بجانب برامج الوظيفة الحركية، التكامل الحسي، العلاج بالفن، الورشات، المتابعة البيداغوجية بالنسبة للأطفال المتمكيين من التعلم، وكذا الخرجات البيداغوجية.
والأهم من ذلك إعداد برنامج غذائي صحي مناسب لهذه الفئة، باستخدام الأعشاب كالمورينجا وبذرة الكينوا، فضلا عن تجنب الأغذية التي تحتوي على السكريات، التي تتسبب في زيادة فرط الحركة لدى أطفال طيف التوحد، واستبدالها بأكلات ذات أشكال وألوان تثير رغبة الطفل في الاكل، بحيث أصبحوا يتناولون مختلف الأطعمة التي كانوا يرفضون أكلها سابقا، وذلك على حد تعبير قاسي.
أما فيما يتعلق بقدرات طفل أوتيزما وإجابة عن تساؤل هل فعلا أطفال طيف التوحد لديهم ذكاء خارق للعادة، قال قاسي "توجد فئة واحدة من التوحد وهم أصحاب متلازمة أسبرجر لديهم ذكاء عالي لكن ينحصر في مجال معين على سبيل المثال في اللغات والحساب"، مبرزا بانه بفضل البرامج والأنشطة المكثفة هذا ما سمح باكتشاف القدرات الخفية لدى أطفال هذا الطيف.
واقع طيف التوحد بين لغة الأرقام ونظرة المجتمع
وفي هذا الإطار، أوضح قاسي بأن في الآونة الأخيرة عرف طيف التوحد تزايد ملحوظ، بسبب تطور طرق وآليات التشخيص عكس السنوات السابقة، بحيث أن العديد من حالات التوحد لم تكتشف، وهو ما ترتب عليه عدم التكفل الصحيح بهذه الفئة، بالإضافة إلى العوامل الأسرية والبيولوجية، التي ساهمت في زيادة الأطفال المصابين باضطراب التوحد خاصة عند فئة الذكور بما أنهم الأكثر عرضةً من الإناث.
وأضاف بانه من الناحية الاجتماعية ومن خلال الخرجات البيداغوجية التي تنظمها المؤسسة، كالتسوق في المراكز التجارية، ينقسم المجتمع إلى جزئان، جزء محب ومساعد ومتقبل اختلاف هذه الفئة، وجزء بجانب عدم تقبله يصدر أفعال غير أخلاقية وأليمة اتجاه الطفل، بالرغم من أن الحالات التي تكون ضمن هذه الخرجات هي الحالات المتوسطة.
برنامج التكامل الحسي
يُعرف التكامل الحسي بأنه قدرة الطفل على استقبال المثيرات الحسية كالسمعية البصرية، التذوقية الشمية اللمسية الواردة إليه من البيئة المحيطة وتنظيمها ومعالجتها داخل المخ وترجمتها في صورة استجابات حسية مناسبة، لكن ماذا عن طفل التوحدي؟
وفي هذا الصدد، قال قاسي "بان أطفال طيف التوحد يعانون من مشاكل حسية اما تكون عبارة عن فرط في الحساسية، أو نقص في الحساسية، وكأخصائيين يتمثل دورنا في تقييم الطفل وعلى هذا الأساس يتم التوصل إلى برنامج خاص لكل طفل".
وتطبيق برنامج التكامل الحسي، حسب قاسي يشمل كذلك الحاسة الدهليزية وهو الجزء المسؤول عن التوازن والإحساس بالإتجاه المكاني، بجانب العمل على الحاسة العميقة والحاجة العضلية، فإذا كان الطفل يعاني من فرط في الحساسية تقدم له تدريبات وأنشطة لتهدئة المسارات الحسية، أما إذا كان عند الطفل الشغف في هذه الحالة الأنشطة المناسبة هي ذات التأثيرات العميقة، مشيرا بان الهدف من استخدام برنامج التكامل الحسي هو إنتاج ردود أفعال مناسبة.
"بيكس" (PECS) و"لوفاس" (LOVAAS) من بين البرنامج المعتدة في فضاء أوتيزما
ولتعرف أكثر على هذه البرامج وتطبيقاتها في فضاء أوتيزما، أوضح محدثنا سعيدي محمد سامي مختص نفسي على مستوى المدرسة، بأن هذه البرامج تعمل على تطوير المهارات عند الطفل وتنميتها بشكل شامل ومتكامل.
بحيث يستخدم برنامج لوفاس حسب سعيدي، بهدف مساعدته على اكتساب مهارات التواصل مع الآخرين من خلال طرق تعليمية مدروسة وتعريفه على أنشطة يومية بإمكانه ممارستها.
ويتم تطبيق هذا البرامج في فضاء أوتيزما من خلال الورشات على غرار الطبخ، الرسم، العلاج بالفن، وصناعة مختلف الأشكال، واللوحات، بحيث تكمن أهمية هذه الورشات كورشة البيتزا في تأثيرها الإيجابي على عدة جوانب ابرزهم الجانب العيادي، بفضل دورها في تنمية المهارات المعرفية، كمعرفة الأشكال، ألوان، والاحجام.
كما ذكر سعيدي بان هذه الورشات تعمل كذلك على تنمية مهارة التواصل عن طريق تحفيز الاطفال على التواصل فيما بينهم، بجانب التعاون والعمل كفريق، بهذا المساهمة في تقليل أهم مشكلة لديهم وهي التواصل، مشيرا بان هذه الورشات تدخل في الإدماج المهني، بحيث يمكن توجيه الطفل مستقبلا الى عامل الشغل حسب مهاراته.
كما نوه ذات المتحدث بان قبل تطبيق البرنامج، يتم تشخيص الطفل من قبل مختصي المؤسسة كل حسب تخصصه، لتحديد طريقة ونوع البرنامج، وذلك لتحقيق أكبر قدر من النتائج المرجوة، وبلوغ الهدف الأساسي وهو إدماج الأطفال سواء في المؤسسات التربوية أو في الحياة المهنية.
ومن جانبها، أضافت سنڤوڤة شهيناز أخصائية أرطوفونية على مستوى فضاء أوتيزما، بان برنامج لوفاس يساهم كذلك في تقييم الطفل وتحديد طريقة العمل معه، فضلا عن المهارات التي تسمح بتعديل السلوكات الغير مرغوبة بمعنى إطفائها بمقابل تعزيز المهارات الاجتماعية والمعرفية من خلال التكرار المكثف، مع المتابعة الدقيقة لتقدم الطفل وتعديل الخطة العلاجية حسب الحاجة.
وفيما يخص تطبيق برنامج "بيكس"، الذي هو عبارة عن عملية التواصل بالتعبير عن الاحتياجات والرغبات عن طريق الصور، ذكرت محدثتنا بان العملية تتم من خلال صورة ومعزز، تكون بإعطاء الطفل صورة شيء يريده، على سبيل المثال أراد الطفل الحصول على تفاحة ، يتم التقاط صورة التفاحة ويعطيها للمتابع ثم يحصل على التفاحة في المقابل، بهدف تعليم الطفل التعبير عن احتياجاته.
مشيرة بأن هذه العملية تساعد الأطفال ربط الصورة بالكلمة، وبالتالي التمهيد لتواصل اللفظي، بجانب العمل على تحسين اللغة التعبيرية، السمع الفهمي، واللغة الإستقبالية التي تتمثل في الفهم، عن طريق تقليد الأصوات المرتبطة بالحركات، فضلا عن مساعدته في تطبيق التعليمات المعقدة.
وبالجدير ذكره بان هذه الورشات تميز بها فضاء أوتيزما، وذلك لما لها من دور في تحسين سلوك طفل طيف التوحد على غرار التقليل من الاندفاعية والعنف ومختلف الاضطرابات التي يعاني منها، بفضل البرامج المعمول بها عالميا.
البرنامج البيداغوجي
وبخصوص التعليم الذي يتلقاه طفل طيف التوحد على مستوى فضاء أوتيزما، أوضحت الأستاذة سيباوي سامية مختصة في علم النفس التربوي، على انه يتم في قسم التعليم المدرسي، التركيز على الجانب النفسي السلوكي، من خلال تعديل سلوك الطفل الغير مرغوب فيه كالإفراط الحركي والتقليل من الحركات النمطية، فضلا عن التحكم في نوبات الغضب.
بالإضافة إلى الجانب البيداغوجي المعرفي، الذي يعتمد بأساس حسب سيباوي، على مراعاة مستوى الطفل وإمكانياته في تطبيق البرنامج، بحيث يعمل على تعزيز الادراك، التركيز، الذاكرة، والتواصل البصري عن طريق مختلف الأنشطة التعليمية.
كما نوهت ذات المتحدثة، على ان الجانب المعرفي يُعتمد ما قبل الأكاديمي كتحضير له، عن طريق تعلم مهارات ما قبل الكتابة كالتخطيط، ومهارات ما قبل الحساب كالتعرف وإدراك العلاقات المكانية: فوق، تحت، أمام وخلف وغيرها، بالاعتماد عن مهارات التقليد والمطابقة، بالإضافة الى التعرف على الأشكال، الحروف، الأرقام، والألوان.
وأضافت بان القسم البيداغوجي يركز على خصوصية طفل طيف التوحد، لهذا يشمل البرنامج تعريف الطفل الزمان والمكان، بالتالي إدراك الفرق بين المنزل والقسم، التعرف على أفراد العائلة، أيام الأسبوع، الطقس، وتاريخ اليوم.
البرنامج الوظيفي الحركي
وفي هذا الجزء من التكفل، يركز فضاء أوتيزما على تحسين قدرات طفل طيف التوحد العضلية، باستخدام البرنامج الوظيفي الحركي، هو عبارة عن مجموعة من التمارين البدنية الممتعة والمفيدة، تهدف الى تحفيز الأطفال على ممارسة الرياضة بشكل منظم و مناسب لعمرهم.
تتضمن هذه التمارين حركات بسيطة مثل القفز، الركض، التسلق، والالعاب الجماعية التي تعزز اللياقة البدنية و تعزيز الصحة العامة للطفل، بالتالي تحسين وظيفة وحركة جسم الطفل، مع تركيز الاهتمام بشكل خاص على تنمية قدرة طفل التوحدي على التنقل، والتوازن، ووضعية الوقوف الصحيحة والتغلب على الألم والتعب الناتج عن الاضطرابات الحركية المختلفة، وهذا حسب ما ذكره المختص المسؤول عن الوظيفي الحركي على مستوى فضاء أوتيزما.
كما خصص فضاء أوتيزما مكان للتدليك الطبيعي بمختلف المستحضرات كمستحضرات البحر البيت، فضلا عن التدليك بالأسماك الذي يدخل في التكامل الحسي.