27

0

بريكس في مواجهة ترمب

في لحظة فارقة من التحولات الاقتصادية العالمية، انعقدت قمة استثنائية لمجموعة بريكس بدعوة عاجلة من البرازيل، بعد أن وجدت نفسها هدفاً لسياسات دونالد ترمب الذي قرر فرض رسوم جمركية قاسية على صادراتها الزراعية بنسبة 50 في المائة، مهدداً بإجراءات إضافية ضد أي دولة تدعم المجموعة.

الحاج بن عمر

هذه الخطوة لم تكن مجرد خلاف تجاري عابر، بل إعلان مواجهة مفتوحة بين البيت الأبيض وتكتل يضم قوى صاعدة تمثل ما يقارب 37 في المائة من الاقتصاد العالمي، متجاوزة مجموعة السبع التي طالما هيمنت على النظام المالي الدولي. القمة التي انعقدت افتراضياً بعيداً عن الأضواء الإعلامية، ومن دون بيانات رسمية أو مؤتمرات صحفية، جسدت حجم التوتر وحساسية الملفات المطروحة، إذ لم يعد الأمر يتعلق برسوم جمركية محدودة، بل بمحاولة أميركية واضحة للحد من نفوذ بريكس ومنع تمدده في مسارات التجارة العالمية ومشاريع فك الارتباط بالدولار الأميركي. فترمب الذي عاد إلى البيت الأبيض بخطاب أكثر تشدداً، وصف بريكس بأنها تكتل يفقد بريقه، لكنه في الوقت نفسه حذر من تهديدها لمكانة الدولار، كاشفاً بذلك جوهر المعركة: من يملك السيطرة على النظام المالي العالمي. ومن جانبها، وجدت البرازيل في هذه الضغوط فرصة لتعزيز دورها القيادي داخل المجموعة، إذ أكد الرئيس لولا دا سيلفا أن المرحلة تقتضي بناء شراكات جديدة وتوسيع التعاون التجاري بعيداً عن هيمنة السوق الأميركية، بل والتفكير بإجراءات مضادة تحمي مصالح التكتل وتمنح اقتصادات الجنوب العالمي مساحة أكبر من الاستقلالية. أما روسيا، التي تواجه أصلاً حصاراً غربياً وعقوبات متصاعدة، فقد ذهبت أبعد من ذلك عبر وزير خارجيتها سيرغي لافروف الذي اتهم واشنطن وشركاءها بمحاولة تقويض الاقتصادات الناشئة، مؤكداً أن التحالفات مع الصين والهند ثابتة ولن تتأثر بالعقوبات. في خلفية هذه المواجهة، تكمن أرقام ثقيلة: فبحلول 2024 أصبحت بريكس تمثل نحو 37 في المائة من الاقتصاد العالمي، متقدمة على مجموعة السبع، مع توقعات ببلوغها 41 في المائة بنهاية 2025، وهو ما يجعلها رقماً صعباً في معادلات التجارة والطاقة والتكنولوجيا. ومن هنا، فإن قمة بريكس الأخيرة لم تكن مجرد رد فعل ظرفي على سياسة حمائية أميركية، بل علامة على مرحلة جديدة من إعادة تشكيل النظام العالمي، حيث لم يعد الغرب قادراً على فرض قواعد اللعبة منفرداً، ولم تعد القوى الصاعدة تقبل بدور التابع أو السوق الاستهلاكية فقط، بل تسعى لفرض شراكة حقيقية تعيد توزيع النفوذ والثروة على نحو أكثر توازناً. وهكذا، فإن مواجهة ترمب لبريكس قد تبدو في ظاهرها صراعاً على رسوم جمركية أو صادرات زراعية، لكنها في جوهرها معركة حول مستقبل العولمة والعملة المهيمنة ومراكز القوة في القرن الحادي والعشرين.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services