379
1
بابا سالم.... شخصية شعبية تراثية ترتبط بالوجدان لا تزال صامدة في عصر العولة و الانفتاح
بعد عقود من الزمن، عادت الشخصيات الشعبية و اساطير الروايات الجزائرية، إلى الساحة العامة تجوب الازقة و تطلب الصدقات في جو احتفائي تزينه الألبسة التقليدية و الآلات الموسيقية القديمة، من دف و دربوكة ترافق النغم الموسيقي للأمثال و الحكم.
شيماء منصور بوناب
في عصر التكنولوجيا و العولمة، شخصية بابا سالم تعود للوجدان من جديد بطابع خاص و فريد يعيد عجلة التاريخ لحقبة العثمانيين حين كانت الجزائر الحضن الدافئ للمهاجرين الافارقة، و عودتهم اليوم اعادت الحياة لشخصية بابا سالم الذي اختلفت فيه وجهات النظر للباحثين في الروايات و الأساطير من حيث حقيقته و أصوله .
الخلفية والنشأة التي أسست لشخصية بابا سالم
بداية وفي حديثنا مع الباحثة في التراث تاج لريام، قالت ان بابا سالم يعد شخصية تاريخية تعود لفترات سابقة، تحكي قصة رجل يدعى مرزوق و ابنه سالم الضائع، والاسطورة تقول أن بابا سالم من أصل أفريقي من "زنج الصومال" من المهاجرين، جاء الى الجزائر رفقة زوجته و ابنه بحثا عن الأمان و الحياة الكريمة، لكن في مرة من المرات استيقظ على خبر سطو منزله اين تم اختطاف ابنه سالم واخذه لمكان اخر خارج المدينة.
وأضافت ، هاجر مرزوق من دشرة الى أخرى ومن مدينة الى أخرى بحثا عن ابنه بطريقة خاصة يكسب به رزقا يعيله في رحلة حياته و بحته، من خلال القرع على الطبول او القرقابو او الطنبور و البندير ومختلف الآلات الموسيقية التي يعتمد عليها لإثارة انتباه الشعب و المارة بين ازقة مدينة الجزائر.
وهو ما دعمته حامية التراث الباحثة عائشة بن نوي ، حين اكدت أنه ظاهرة ثقافية شعبية جزائرية بامتياز، مرتبطة بالممارسات الروحية والفنية القديمة التي تعود جذورها الى تداخل المعتقدات الصوفية والموروثات الافريقية والعادات المحلية التي صنعت هذا التجسيد الثقافي الذي يعكس مظاهر الحياة الشعبية.
و بما أن هذه التظاهرة تعد جزءا من تاريخ الجزائر الاجتماعي والثقافي فهو الامر الذي جعلها تتميز بطابع خاص مستمد من التراث الوطني الغني الذي يجمع بين التقاليد والممارسات الروحية والرمزية التي تعود لفترة ما قبل الحقبة الاستعمارية.
و تابعت أنه بحكم التواجد الأفريقي، كانت الطقوس الروحية جزءا من الحياة اليومية لكثير من المناطق الريفية والمدن القديمة، التي تأثرت بهجرة الأفارقة من جانب العادات و التقاليد الشعبية المتوارثة.
الأغاني الشعبية و الآلات الموسيقية....مزيج فني يجسد شخصية بابا سالم
في ذات السياق لفتت لريام إلى أن شخصية بابا سالم أو مرزوق تعتمد على القاء أغاني شعبية تمتزج فيها الادعية و إعطاء البركات و كذا مدح الرسول مع ادراج أمثال و حكم افريقية الغاية منها البحث عن ابنه سالم، فكثيرا ما كان يردد "بابا سالم" كمصطلح له دلالات خاصة تلخص قرابة الابن بوالده و تعبر عن الشوق و الحنين اليه.
في ذات الصدد أوضحت بن نوي أن بابا سالم يعتمد على الموسيقى والرقصات الطقوسية واستخدام آلات ايقاعية تقليدية مثل الدف ،والطبول، إلى جانب اغاني لها معاني رمزية تتعلق بالحماية.....وهي غالبا ما تؤدى في المناسبات الخاصة او خلال الطقوس الشفهية.
مؤكدة أن ظاهرة بابا سالم هي اكثر من مجرد أداء فني او شعائري، لأنها تأخذ طابع فني لحماية القيم الثقافية والتاريخية التي تعكس المظاهر الشعبية المتوارثة في المجتمع الجزائري في ازمنة سابقة كانت جزء من الحياة اليومية تجول بين الاحياء مما يجعلها ظاهرة وجدانية مرتبطة بالمكان والفضاء الذي تعايشت معه.
و حسب ذات المتحدثة فإن هذه الارتباطات تعزز الشعور بالمكانة كجزء من الهوية الثقافية التي تعبر عن صلة التقارب التي يحتضنها بابا سالم كعنصر يمثل ذاكرته الثقافية تستخدم الشعر الشعبي مثل البوقالات ( عبارات حكيمة تستخدم ادبيا وفولكلوريا تساعد في فهم التقاليد الشفوية الجزائرية في المجال الادبي والفولكلوري)
كما يمكن ربط هذا التراث بالفولكلور الشعبي الذي يقوم على استخدام الحكمة والمثل في الادب الشفهي ،لنقل الحكم والحكايات مما يجعله جسرا بين الاجيال والحفاظ لذاكرة المجتمع.
فالآلات الايقاعية التقليدية كالقراقب، والقلالة ( طبول محلية)التي تميز هذا الفن وتربطه بالهوية الافريقية، تعكس الحكمة من التجارب اليومية فيها وصف للحالة الاجتماعية للإنسان البسيط الذي يواجه ضغوطات الحياة .
فضلا على ذلك ، بابا سالم يعمل من خلال هذه الالات على إحداث ايقاع متكرر يجذب المشاركين في الطقس. كما يستعمل احيانا بعض الألات الوترية كالڨنبري ذو أصل افريقي ليحدث تمازج بين الثقافتين العربية و الأفريقية .....
الهندام الشعبي البسيط لبابا سالم... ترويج للثقافة و تمسك بالتراث
و بخصوص هيئته، نوهت لريام بأنه في رحلته كان يعتمد على لباس بسيط مزركش و ملون بالوان تلفت النظر اليه، منها سروال الد ليوة مزين بجلود حول خصره تتدلى في الجوانب، يرافقه ايضا حماره ليعطي أجواء من البهجة بين الأطفال.
تثمينا لذلك، كشفت بن نوي ان أزياء بابا سالم عادة ما تكون عادية وفضفاضة "شاشية ،سروال عريض ،وقندورة " التي تحمل دلالات روحية تستخدم لجلب البركة او الحماية، كما انها غالبا ما تعكس نمط الحياة الشعبية البسيطة للفئة الغالبة للمجتمع.
إذ يرتدي بابا سالم ملابس واسعة ومزخرفة غالبا مصنوعة من اقمشة تحمل الوانا زاهية مثل الاحمر الاصفر، والاسود والابيض مما يعطيه مظهرا يعكس طبيعة الشخصية الروحية التي يمثلها ، وما يزيده حيوية وبهجة هي القبعة أو الطربوش مزينا بالزخارف والحلي وهي رمزية ترتبط بالتقاليد الصوفية .
بينما نجد الحلي الذي يرافق القطع المعدنية كزينة تراثية وكذا كطقس يرمز لجلب البركة والحماية، التي تتعلق في جوهرها بالرمزية الثقافية التي تمزج بين الارث المحلي والرمزية الافريقية التي تمثلها الالوان الزاهية مما يجعله ملفتا للأنظار بين المجتمع..."حسب ما أوضحته ذات الباحثة".
بابا سالم ....من مظاهر ترفيهية إلى قربان ووديعات
من هذا المحور أوضحت لريام أن مرزوق استمر على هذا الحال فترة طويلة، إلى غاية العثور على ابنه، اين أصبحت ظاهرة بابا سالم، تجوب الجزائر، في شكل طقوس شعبية استبدل فيها الحمار بالثور الذي زين بالودعات "عظام صغيرة محفورة في قطرها" في أعلى رأسه، تستخدم كوديعة خاصة للنساء التي تقصد بابا سالم للدعاء لها من اجل البركة او من اجل الرزق.
مشيرة أنه من المعروف على بابا سالم أيضا، انه كان يحمل راية فيها عدة الوان "الأحمر و الأخضر و الأصفر و الأزرق" عبارة عن العيون السبعة المتواجدة في "بولوغين " اين تم ذبح الثور .
مع مرور الوقت اصبح شخصية معروفة يقال عنها تعمل طوال السنة لتأخذ اليوم الأول من افريل في " عيد الفول" يوما لرد قرض الثور الذي تجوب به وتأخذ المنطقة الواقعة بين حي باب الوادي و حي بولوغين، مركزا لممارسه طقوسهم" ذبح الثور كقربان".
بابا سالم واسرار التسمية الشعبية
وبالعودة لأصل الكلمة بابا سالم ، قالت بن نوي انها تحمل مفردتين ، يقصد بأولها بابا بمعنى الاب او السيد و( سالم) الذي يشير الى شخصية صوفية مقدسة تشير الى السلام أو النقاء الروحي مما يدل على ارتباطها بالموروث الديني والروحاني....
ظهور هذه الظاهرة كان استجابة لعدة اسباب منها الحاجة للتعبير عن الذات وطلب الحماية او البركة ، واحيانا الهروب من ضغوط الحياة اليومية، كما تعود بعض طقوس ( بابا سالم) الى ممارسات الافارقة في الجزائر ،خصوصا من خلال الهجرة التي جلبت عادات وثقافات متنوعة الى البلاد، فقد كانوا يلجؤون الى هذه الطقوس تعبيرا عن انتمائهم وتواصلهم مع جذورهم الثقافية ........
الأوجه الثقافية لبابا سالم.. امتزاج تراثي بين الأفارقة و الجزائريين
وبخصوص علاقته بالثقافة الافريقية عامة والجزائر خاصة ، أوضحت بن نوي ، أنها تكمن في المظاهر الاحتفالية التي يعتمد عليها و المتعلقة بالإيقاعات التقليدية والطقوس التي تعود الى المجتمعات الافريقية في الجزائر وخاصة لدى الطوارق الذين يعتمدون على الطبول والرقص كوسيلة للتواصل مع القوى الروحية.
ومنه فان ارتباطه بالموسيقى الشعبية جعل منه رمزا للهوية الجزائرية مثل صوت الحكمة في الاحياء الشعبية ، وكذا يعد نموذجا للتمازج الثقافي بين افريقيا وشمال افريقيا، فهو حلقة وصل بين الارث الجزائري والموروث الافريقي الذي يجعله شخصية جامعة تعبر عن الهوية الجزائرية....
اساطير وروايات..... تعود للوجدان
في السنوات الاخيرة عادت ظاهرة بابا سالم للظهور من جديد ولكن بشكل عصري يتماشى مع التحولات الاجتماعية والثقافية في الجزائر لأسباب عديدة ؛ منها الحنين للتراث...مع صعود موجة الاهتمام بالثقافة الشعبية خصوصا عند الشباب.
وعلى ضوء ذلك أفادت بن نوي أن البحث عن الهوية في سياق العولمة جعل الجزائريون يبحثون عن رموز ثقافتهم التي تعيد الحياة لتاريخهم المنسي، لاسيما ما شمل بطقوس عودة بابا سالم بشكل جديد يجمع بين الطقوس التقليدية والزينة المبهرة ( الزرنة) التي أعطته مظهرا اكبر شعبية وجذبا مما سهل تفاعله مع مختلف الفئات الاجتماعية.
و في هذا السياق ، أشارت لريام أن الظاهرة الشعبية عادات اليوم بدون ثورأو البسة شعبية و حتى الراية غائبة ، لان الغاية منها اليوم تنحصر فقط حول طلب قوت يومي او الترفيه أيضا لاستذكار الثقافة الشعبية القديمة.
و الجذير بالذكر، أن بعض المجتمعات الشعبية تحافظ على الشخصيات الأسطورية او الشعبية لتعبر عن ( حكمة الشارع) من خلال صوت الشعب العادي...لذلك يمكن القول ان عودة بابا سالم تأتي كرد فعل على حاجة المجتمع لاسترجاع الرموزالثقافية التي تعطيه هويته الخاصة وهو ايضا تعبير عن تمازج الحداثة مع الاصالة في المجتمع الجزائري." حسب ما ورد على لسان الباحثة بن نوي".