118
0
أسلحة "السلام": اتفاقيات أبراهام تفتح شهية إسرائيل لتصدير السلاح رغم النزيف الفلسطيني
.jpeg)
بن معمر الحاج عيسى
منذ توقيع اتفاقيات أبراهام نهاية عام 2020، تحولت ما سُميت حينها "معاهدات سلام" إلى بوابة استراتيجية لإسرائيل نحو سوق التسلح العربي، في وقت تتساقط فيه القنابل على غزة، وتغوص المنطقة في مزيد من الأزمات. فبينما تواصل آلة الحرب الإسرائيلية حصد الأرواح الفلسطينية، تتضاعف الأرباح في قطاعها الدفاعي، لتغذيها صفقات بمليارات الدولارات مع دول كانت حتى وقت قريب تعتبر إسرائيل خصمًا وجوديًا.
البيانات الحديثة تكشف عن تصاعد لافت في صادرات السلاح الإسرائيلي إلى دول اتفاقيات أبراهام، وهي الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والمغرب، والسودان. ففي عام 2024، بلغت مبيعات إسرائيل الدفاعية لهذه الدول 1.8 مليار دولار، وهو ما يمثل 12% من إجمالي صادراتها العسكرية. ورغم أن هذا الرقم أعلى بكثير من مبيعات عام 2023، إلا أنه لا يزال دون المستوى الذي سجلته تل أبيب في عام 2022، عندما قفزت مبيعاتها الدفاعية إلى تلك الدول إلى نحو 3 مليارات دولار، في ذروة الحماس لما بعد توقيع الاتفاقيات.
لكن خلف هذه الأرقام، تظهر تحولات استراتيجية عميقة في طبيعة العلاقات الإسرائيلية مع العالم العربي، حيث لم تعد الصفقات الدفاعية مجرد تعاون تقني، بل أصبحت تعبيرًا عن مستوى غير مسبوق من التنسيق الأمني والاستخباراتي. إسرائيل، التي لطالما سعت لاختراق الجدران السياسية العربية، وجدت في اتفاقيات أبراهام المفتاح الذهبي لتسويق أسلحتها ومنظوماتها الأمنية، التي اختُبرت عمليًا على الأرض الفلسطينية.
في السياق نفسه، حافظت صادرات إسرائيل الدفاعية إلى أمريكا الشمالية على نسبتها المعتادة، حيث سجلت 9% من إجمالي الصادرات في عامي 2023 و2024 على التوالي، وبلغت قيمتها هذا العام 1.3 مليار دولار. ويشير ذلك إلى ثبات نسبي في السوق الأمريكية، مقابل حراك أكثر ديناميكية في الأسواق العربية الجديدة.
اللافت أن مبيعات السلاح هذه تأتي في ظل تزايد الانتقادات الدولية للسياسات الإسرائيلية، خصوصًا بعد المجازر المرتكبة في غزة والضفة الغربية، والتقارير الحقوقية المتزايدة التي تتهم تل أبيب باستخدام أسلحتها بطرق تنتهك القانون الدولي. ومع ذلك، لم يمنع هذا من أن تصبح دول عربية بوابات نشطة لتمويل وتطوير الصناعة العسكرية الإسرائيلية، في مشهد يعكس مفارقة تاريخية: فمن جهة، تتعمق معاناة الشعب الفلسطيني، ومن جهة أخرى، تتسع أسواق السلاح الإسرائيلي في قلب الجغرافيا العربية.
تجدر الإشارة إلى أن الدول الأربعة الموقعة على اتفاقيات أبراهام تختلف في مستويات تطبيعها مع إسرائيل، إلا أن القاسم المشترك بينها جميعًا هو الانخراط في صفقات دفاعية تراوح بين الطائرات المسيرة، وأنظمة المراقبة المتقدمة، وتكنولوجيا الحرب السيبرانية، والأسلحة الذكية. هذا النمط من التعاون يعزز مكانة إسرائيل كفاعل أمني إقليمي، لكنه في الوقت ذاته يطرح أسئلة مصيرية حول مستقبل القضية الفلسطينية، ومآلات الاصطفاف العربي في ظل صمت رسمي مطبق أمام الجرائم المستمرة بحق الفلسطينيين.
الأسلحة لا تُصَدَّر فقط، بل تُجَرَّب. هذه قاعدة غير مكتوبة في عالم تجارة السلاح، وإسرائيل تدركها جيدًا. فكل صاروخ يُطلق على غزة، وكل نظام مراقبة يُفعَّل في الضفة، هو إعلان مجاني عن "كفاءة" المنظومة العسكرية الإسرائيلية، التي تُعرض لاحقًا في معارض دبي أو الرباط أو أبو ظبي كمنتج أثبت جدارته ميدانيًا. وهكذا، تصبح دماء الفلسطينيين وقودًا لتلك التجارة، التي تنمو في ظل صمت دولي وعربي خانق.
ختامًا، قد تكون اتفاقيات أبراهام قد وُقعت باسم "السلام"، لكنها منحت إسرائيل ما لم تستطع تحقيقه بالحروب: شرعنة وجودها الأمني في الفضاء العربي، وتحويله إلى سوق لمنتجاتها الحربية. وبينما تتهاوى جدران الدعم العربي التقليدي لفلسطين، ترتفع جدران التعاون العسكري مع الدولة التي ما زالت تحتل وتصادر وتحاصر وتقتل. إنها مفارقة هذا الزمن السياسي العربي، حيث يُطبع مع القاتل، ويُحاصر الضحية.