627

0

اسهامات علماء الجزائر في القضية الفلسطينية

 

بقلم الأستاذ محمد بوكريطة الحسني

إن التاريخ لا يروي لنا فقط ما حدث في الماضي  بل يؤثر في حاضرنا ويهذب مستقبلنا ومن هذا المنطلق نسعى في هذا البحث إلى التطرق إلى موضوع ذو أهمية بالغة ألاهو مكانة القدس الشريف وضرورة وحتمية تحرير ثالث الحرمين من أيدي الصهاينة المجرمين والتحدث عن علماء الجزائر الذين ساهموا في الجهاد ضد الإفرنج و الصلبيين من أجل استرداد القدس الشريف.

 بسالة أبي مدين الغوثي وقصة باب المغاربة

إن ذاكرة التاريخ تروي لنا أن أول رجل سهام في الجهاد وفي تحرير القدس هو سيدي شعيب أبي مدين دفين تلمسان ،فالتاريخ يخبرنا أن أبا مدين الغوثي قد شارك في فتح بيت المقدس وأنه لم يكتف بمباركة حملة صلاح الدين ضد الصليبيين، بل حارب في الصفوف الأمامية لجيشه حتى كتب للمسلمين النصر وقطعت ذراع الولي الصوفي أثناء خوضه معركة حطين المشهورة سنة 1187.

وتبعا لهذه الحادثة فقد دفنت يداه كشهادة على سقاية الأراضي المقدسة بدماء جزائرية، مكافأة له على تضحيته وعرفانا منه ببسالته وفي ها الشأن أوقف السلطان الأيوبي حارة للمغاربة بالقدس الشريف، تولت إدارتها عائلات من أصول جزائرية إلى أن اختفت معالمها حين قام اليهود الصهاينة بتوسيع ما يعرف بحائط المبكى إثر سقوط القدس الشرقية، إذ قامت آلة التدمير الإسرائيلية صبيحة11 يونيو 1967 بمحو تسعة قرون من الحضور التاريخي الجزائري بهدمها، ما يضاهي العشرة آلاف متر مربع من المعالم الأثرية.

وقد تمت عملية الهدم في ظرف قياسي لا يتجاوز الأربعة أيام بعد احتلال المدينة القديمة التي تم وضعها تحت الحكم العسكري و أعقبها تشريد 650 شخص، أي ما يقارب 135 عائلة أعطيت لها مهلة ثلاث ساعات لإخلاء بيوتهم.

إن قضية فلسطين هي قضية العرب والمسلمين قاطبة، ومن المعلوم أن لفلسطين مكانةً مميزةً، فإليها تهفو النفوس وتُشَدُّ إليها الرِّحَالُ، ففيها المَسْجِد الأقْصَى المبارك مسرى النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومعراجه، وأولى القبلتين وثاني المسجدين، وفيها التّاريخ العريق الماثل في أزقتها وحواريها وأسواقها، بل في كل أثر من آثارها.

ولهذه الميزات التي حباها الله بها، حرص العلماء والقادة والرجال على الدفاع عن قضية العرب والمسلمين الأولى، وكان من بين أولئك علماء الجزائر الذين تابعوا تطوراتها المختلفة منذ أيامها الأولى، على الرغم من أن الجزائر وقتئذ كانت تحت الاستعمار الفرنسي.

جزائريون يلبون نداء الجهاد في الحرب العربية الإسرائلية الآولى

ومن الذين سلكوا درب سيدي أبي مدين شعيب في الجهاد والرباط في أرض الإسراء والمعراج نجد من الذين قضوا نحبهم في القرن الماضي ومن أعلام الجزائر الذين سخروا أقلامهم وجندوا أنفسهم للدفاع عن قضية فلسطين، رجال جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين الذين كتبوا وأرشدوا الرأي العام إلى الاهتمام بها، وتعميق صلة الجزائريين بالقدس والمسجد الأقصى، كما نبّهوا مبكراً إلى الأطماع الصهيونية وبيّنوا مؤامرات تقسيم فلسطين، وساهموا في جمع المساعدات لإعانة الفلسطينيين…

وبالعودة إلى علماء بلدنا نجد بعض المصادر التاريخية ومن بينها  كتاب “صفحات من جهاد الجزائريين بفلسطين 1948 ـ 1949 ” من نشرا دار الخلدونية الجزائرية حيث جاء الكتاب ليبين ويظهر حقائق غير معروفة لدى كثيرمن الناس و ليزيل الستار عن مقاومة شباب في عمر الزهور قطعوا المسافة بين الجزائر وفلسطين مشيا، ليدافعوا عن فلسطين بعد وصول نداءات الاستغاثة من إخوانهم الفلسطينيين، ودعوات النفير التي أطلقها أعلام الأمة وزعماء الحركة الإسلامية و الوطنية.

ومما ميزهذا الكتاب التاريخي والموثق توثيقا علميا هو أنه اتبع خطوات المتطوعين أثناء شد رحالهم إلى فلسطين وما اكتنف طريقهم من مخاطر مطاردة القوات الاستعمارية الفرنسية والبريطانية التي اعتقلت العشرات منهم بالأراضي التونسية والليبية، و مخاطر الجوع والتعب و الضياع أثناء الطريق والتعرض لضربات الشمس الشديدة في الصحراء الليبية الشاسعة.

كما تضمن الكتاب معلومات هامة عن فترة التدريب في معسكرات “قطنة” السورية و”مرسى مطروح” المصرية، و كذا عن تفاصيل بعض معاركهم مثل معركة قرية “هوشة” بشفا عمرو و معركة “الجش” و”الشجرة” بالجليل التي خاضوها في صفوف الفوج التاسع المكّون من متطوعي المغرب العربي، رفقة الجيش العربي السوري وبعض وحدات الجيش اللبناني، أو معارك الجنوب الفلسطيني في شمال غزة والنقب والتخوم الجنوبية والغربية للقدس رفقة المتطوعين العرب والمسلمين من ليبيا والسودان ومصر.

وللتذكير فقد قاد المجموعات الأخيرة الشهيد أحمد عبد العزيز وغيرهم كما خصص الكاتب فصلا خاصا للمجاهدين الجزائريين من المهاجرين المقيمين في قرى المغاربة بالشمال الفلسطيني وعلى رأسهم الشهيد القائد محمود سليم الصالح ـ أبو عاطف ـ الذي كان قائدا لأحد الفصائل المقاتلة المعروفة التابعة لجيش الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني بمنطقة صفد وطبرية قبل أن يستشهد في معركة الشجرة في 1948 وقد خلدته قصائد الشعراء وقصص رواة سير الجهاد و المجاهدين.

و تضمن الكتاب كذلك العديد من الصور والوثائق التي لم يسبق نشرها ، من منها صورة للشهيد علي بن قربان أحد مفجري ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 بالبليدة بلباس جيش الإنقاذ العربي بفلسطين، وصورة الشهيد محمد إبراهيم القاضي من باتنة في معسكر التدريب وغيرها من الصور المعبرة، كما حفل الكتاب بعض الوثائق مثل شهادات التكريم الصادرة عن الجامعة العربية، وبتوقيع أمينها العام الأول عبد الرحمن عزام ، و أخرى عن الجيش العربي السوري ، والتي تدل على أن الجزائريين لم يتخلوا عن بلاد أولى القبلتين و ثالث الحرمين الشريفين حتى وهم تحت الاحتلالالفرنسي البغيض.

العلامة ابن باديس يرفع احتجاجا ويستنكر ما يحدث في فلسطين

 الرئيس الأوّل لجمعية العلماء العلاّمة الشّيخ عبد الحميد بن باديس و الذي رفع صوته عاليا  (1889-1940م) بالاحتجاج منذ أوائل الثلاثينيات حيث وجه في نوفمبر 1933م احتجاجًا إلى وزارة الخارجية الفرنسية استنكر فيه وتألم على الحوادث الدامية الواقعة بفلسطين، أعقبه ببرقية تألم إلى مفتي القدس.

وفي أوت 1937م رفع احتجاجًا شديدًا باسم الأمة الإسلامية الجزائرية ضد مشروع تقسيم فلسطين إلى وزير الخارجية الفرنسية واعتبر المشروع ضربة قاضية على حياة شعب ضعيف دافع طيلة سنين عديدة دفاع الأبطال عن شرفه وحريته، واعتداء شنيعا على جميع الشعوب العربية الإسلامية، وانتهاكا لحرمة الأماكن المقدسة عند سائر المسلمين،

ولما هب رجالات الإسلام في الشرق للقيام بهذا الواجب، أبرق برقية إلى المؤتمر البرلماني العام الذي عقدته اللجنة البرلمانية المصرية للدفاع عن فلسطين بالقاهرة في 17 أكتوبر 1938م، أبدى فيها باسم المسلمين الجزائريين الموافقة على ما يستقر عليه الرأي والتأييد بكل ما يستطيعون في سبيل قضية فلسطين التي هي قضية الحق والإنسانية والسلم العام.

أعلام جمعية العلماء المسلمين يسيرون على خطى ابن باديس

هذا وسار أعلام جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين على نهج المصلح الشّيخ ابن باديس، وحظيت قضية فلسطين باهتمام جمع من علمائها أبرزهم:

الشّيخ مُحَمَّد البشير الإبراهيمي (1889-1965م):أخذت قضية فلسطين حيزا كبيرا في مواقفه وبياناته، وفي كتاباته بجريدة البصائر ومجلَّة الأخوة الإسلاميّة العراقيّة، وبعض ما عُثِرَ عليه في أوراقه الشّخصيّة (جمعت في آثاره وفي كتاب فلسطين الذي أصدره مركز الإعلام العربي بالقاهرة) حيث تناول القضيّة من مختلف جوانبها السّياسيّة والدّينيّة والتّاريخيّة، وأبرز أهميتها ومكانتها لدى العرب والمسلمين، وضرورة مواجهة المشروع الصّهيوني في فلسطين وذلك في 14جوان 1948.

وفي عهدة رئاسته للجمعية تأسست الهيئة العليا لإعانة فلسطين في برئاسته وعضوية الشّيخ الطيب العقبي والشّيخ إبراهيم بيوض والمناضل فرحات عباس، ثمّ تكوّنت لجنة تنفيذيّة للهيئة من أهل العلم والفضل والجاه الجزائريين. ومن أعمالها إرسال برقية إلى الحكومة الفرنسية تندد فيها باعتراف المجلس الوطني الفرنسي بالكيان الصهيوني، واعتبرت ذلك عملا عدائيا ضد العالم الإسلامي وجرحا لعواطف مسلمي المغرب العربي، كما أرسلت الهيئة برقية مماثلة إلى جامعة الدول العربية تبرز فيها تضامنها الدائم لمكافحة الإمبريالية الصهيونية متهمة الأمم المتحدة بالتواطؤ مع الحركة الصهيونية، والتناقض مع ميثاقها وتهديد السلام العالمي. وتمكنت الهيئة من جمع ثمانية ملايين فرنك كتبرعات، وجندت حوالي 100 متطوع للجهاد في فلسطين.

ومن مواقف الشّيخ الإبراهيمي المستوحاة من فكره العميق ورأيه الدقيق، تسميته للوفد الذي شكله المؤتمر الإسلامي المنعقد بالقدس في 03 ديسمبر 1953م بـ“الوفد الصخري”نسبة إلى قبة الصخرة، وخاطب الذين كلفوا هذا الوفد بالطواف حول البلدان الإسلامية لجمع المال لترميم مسجد الصخرة وزخرفته، قائلا: «أيها الإخوان الصخريون، إنكم ومن أعانكم على مشروع الصخرة بالمال، أو نشطكم عليه بالرأي، لم تزيدوا على أن أحييتم في الإسلام سُنّة من سُنن المصريين القدماء في قصة عروس النيل: كانوا يُزيّنون فتاة للموت، وأنتم تُزيّنون مسجدا للهدم»، وقد صدق تنبؤ الشّيخ الإبراهيمي، حيث احتل الصهاينة القدس وأقصاها وصخرتها في 06 جوان 1967م.

الطيب العقبى اعتبر مأساة فلسطين كارثة عظمى

الشّيخ الطيب العقبي (1890-1961م):اعتبر مأساة فلسطين كارثة عظمى، ووجه انتقادات شديدة من خلال كتابته عبر جريدته الإصلاح وصحف جمعية العلماء لسياسة انكلترا في تشجيع الهجرة اليهودية، وإلى عصبة الأمم حين أوكلت مصير فلسطين إلى لجنة التحقيق الانجليزية المنحازة للصهاينة، والتي أوصت في تقريرها بالتقسيم. كما أبرق باسم الشعب الجزائري إلى الجامعة العربية برقية يعبر فيها عن رفضهم لمشروع تقسيم فلسطين الذي تقدمت به هيئة الأمم المتحدة وعن استعدادهم لحمل راية الجهاد لحماية مقدسات المسلمين. وفي سنة 1947م تأسست في نادي الترقي لجنة الدفاع عن فلسطين برئاسته، وتولى كتابتها العامة مُحَمَّد الأمين العمودي، واقترح الشّيخ العقبي أن يؤسس على رأس كل مدينة أو قرية لجنة للدفاع عن فلسطين، تتولى جمع التبرعات وتسجيل أسماء المجاهدين الذين يرغبون في التطوع لدفاع عن فلسطين، وقد أسند هذه المهمة لمصالي الحاج. وقد شهد له الشّيخ الإبراهيمي بأنه الروح المدبرة لتأسيس الهيئة العليا لإعانة فلسطين التي تولى فيها أمانة المال.

الشّيخ إبراهيم أبو اليقظان (1888-1973م):تصدرت قضية فلسطين أخبار صحفه وكان من أبرز مراسله مُحَمَّد علي الطاهر رئيس اللجنة الفلسطينية العربية، كما نالت حظا وافرا في مقالاته وقصائده الشعرية منها قصيدة تجاوزت الثلاثمائة بيت، ويشهد له بالعمل الدؤوب لصالح القضية حيث جمع وحده من التبرعات ما يساوي نصف ما جمعه الأعضاء الباقون في الهيئة العليا لإعانة فلسطين.

العربي تبسي يفتي بوجوب الجهاد في فلسطين

الشّيخ أبو يعلى الزواوي (1862-1952م):سخر قلمه للدفاع عن فلسطين ورأى في الانتداب البريطاني اعتداءا وجورا، لا يحوز شرعا ولا قانونا عند جميع الأمم الدائنة بالشرائع السماوية أو المتحاكمة للقوانين الوضعية، ودعا اليهود إلى رفض قرار تقسيم فلسطين باعتباره قرارا جائرا وغير شرعي وقائم على باطل، وحثهم على البقاء في دولة فلسطينية عربية تصون حقوقهم كما صانت مختلف الدول الإسلامية حقوق أجدادهم عبر التّاريخ.

الشّيخ العربي التبسي (1895-1957م):له فتوى بوجوب الجهاد في فلسطين ونصرة أهلها لما اندلعت حرب 1948م حيث لقيت صدى كبيرا لدى الشباب الذي تحمس لنصرة القدس، ومنهم ثلة من شباب مدينة تبسة الذين اجتمعوا ليلة 27 ماي 1948م، ووقف فيهم قائدهم عبد الحفيظ قصري يقرأ عليهم فتوى الشّيخ، وقد ذهبوا للجهاد سيراً على الأقدام وشاركوا في الحرب ضمن المتطوعين المغاربة الذين بلغ عددهم 200 عنصر تقريبا.

الشّيخ الفضيل الورتيلاني (1900-1959م):له المئات من المقالات والرسائل والبرقيات والخواطر الثائرة عن قضية فلسطين، لعل أبرزها مقال له سنة 1954م، جاء في صيغة نداء وندبة وتحسر تحت عنوان “هل يعرف العرب هذه الحقائق عن فلسطين – أنقذوا الممكن منها قبل نزول الغضب”، كتبه بعد أن كلفه المؤتمر الإسلامي العام بزيارة الأماكن المقدسة ومعايشة الفلسطينيين عن كثب لمدة ثلاثة شهور. وقد نبه فيه إلى أهمية اضطلاع الفلسطينيين بعبء العمل الجهادي، والحفاظ على الجزء المتبقي من الأراضي الفلسطينية ومقاومة العدو الصهيوني من الداخل.

هذا جانب من اهتمامات علماء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقضية فلسطين التي كان لها أيضا اهتمام فريد لدى شعراء الجمعية كمُحَمَّد العيد آل خليفة، وأحمد سحنون ومُحَمَّد جريدي والعباس بن الحسين وغيرهم.. نشرت قصائدهم في صحف الجمعية خاصة البصائر التي عرضت في أعدادها المختلفة واقع فلسطين وتتبعت الأحداث ودعت إلى نجدتها ونصرتها وخصت صفحاتها لنشر مقالات مفتي القدس مُحَمَّد أمين الحسيني وكذلك البيانات والنداءات التي كانت تصلها من داخل فلسطين والجمعيات الفلسطينية في الخارج.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services