946

0

اسهامات العلامة عبد الحميد بن باديس في الدفاع عن القضية الفلسطينية

 

من بين القادة والعلماء الذين حملوا عبىء الدفاع عن القضية الفلسطينية، يبرز العلامة الراحل الشيخ عبد الحميد بن باديس، مؤسس ورئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فقد حرص الشيخ على الدفاع عن قضية العرب والمسلمين الأولى، رغم الظروف الصعبة التي كانت تمر بها الجزائر آنذاك تحت وطأة الاستعمار الفرنسي.

نسرين بوزيان 

كما كان للشيخ بن باديس بصيرة نافذة، حيث كان يدرك تمامًا ما يُخطط لفلسطين وأهلها، وعلى الرغم من قلة الإمكانيات في تلك الفترة، فقد بذل ما في وسعه لفضح المخططات الصهيونية المدعومة من قوى عظمى معادية للأمة.

وفي أواخر أيامه، قام الشيخ بإرسال برقيات احتجاج إلى وزارة الخارجية الفرنسية، موجهًا انتقادات لاذعة للممارسات الاستعمارية تجاه فلسطين.

كما كانت جهوده رائدة في تثقيف الأمة حول الوعي بقضية فلسطين، حيث عمل على تأصيلها من الناحية الشرعية، وحدد الأطراف المسؤولة عن الاعتداء على الأرض الفلسطينية، متجنبًا التعميم.

علاوة على ذلك ، حافظ الشيخ  على إبقاء القضية حية في ضمير الشعب الجزائري، من خلال متابعة الأحداث والتعليق عليها، وتوجيه الناس لدعم القضية عبر التعاطف الوجداني، والدعاء، والتبرع بالمال. 
وقد تلت هذه الجهود حملة توعية مستمرة عززت من مكانة القضية لدى الجزائريين ، مما جعلها حصينة ضد محاولات التطبيع أو التلاعب بمبادئها العادلة.


وفي هذا الصدد، يقول المؤرخ الدكتور بوعلام بن معمر لـ “بركة نيوز” إن الشيخ عبد الحميد بن باديس يُعدّ شخصية بارزة في العالم الإسلامي وفي الجزائر، وله مواقف خالدة في الدفاع عن القضية الفلسطينية وحماية مقومات الأمة الإسلامية. 
مضيفا: "فهو أحد رواد النهضة الإصلاحية في الجزائر، الذي ناضل ضد السياسة الاستعمارية الفرنسية التي كانت تهدف إلى طمس معالم الهوية الجزائرية، سواء كانت متعلقة بالدين أو اللغة أو الثقافة وعادات المجتمع الجزائري".

كما أشار الدكتور بن معمر إلى تمكن الشيخ عبد الحميد بن باديس من تحطيم المشاريع الفرنسية الرامية إلى فرنسة المجتمع الجزائري، خاصة بعد تأسيسه جمعية العلماء المسلمين في 5 ماي 1931، في وقت كانت فيه السلطات الفرنسية تعتقد أنها قضت على مقومات الدين الإسلامي في شمال إفريقيا.
لكن الجمعية استطاعت إعادة تثبيت ثوابت الأمة الإسلامية من خلال نشر مقالات الشيخ بن باديس في الصحف التي أسستها الجمعية مثل "الشهاب،“الإصلاح”، و”البصائر”.
وأكد المؤرخ  أن الشيخ بن باديس، رغم وطأة الاحتلال، لم ينسَ القضية الفلسطينية في مقالاته وخطاباته وملتقياته وحلقاته، فقد  كان يدرك أهمية وقدسية المسجد الأقصى في ديننا الحنيف.
قائلاً : “على الرغم من أن الشيخ عبد الحميد بن باديس لم يعاصر الاحتلال الصهيوني لفلسطين في نكبة 1948 حيث توفي عام 1940، إلا أنه عاصر الاحتلال البريطاني لفلسطين، وكان يدرك المخطط البريطاني لتوطين اليهود في فلسطين، وكان يعلم أيضًا عن المؤامرة الصليبية الإمبريالية الهادفة إلى محاربة الإسلام والمسلمين”.

 

أوضح الدكتور بن معمر أن  إسهامات الشيخ عبد الحميد بن باديس في الدفاع عن القضية الفلسطينية  تجلت في مقاله الذي نشر في مجلة “الشهاب” في أوت 1930 تحت عنوان “شهداء فلسطين الدامية”،حيث تضامن مع الشهداء الثلاثة الذين أعدمهم الاستعمار البريطاني بسبب مشاركتهم في مقاومة الهجمات الصهيونية، خاصة بعد بدء الاستعمار البريطاني عملية تهجير اليهود إلى فلسطين. 
اذ ذكر الشيخ في مقاله بطولات هؤلاء الشهداء في الدفاع عن وطنهم، كما أشار إلى تفاعل الأمة الإسلامية والعربية مع هؤلاء الشهداء قبل إعدامهم، واستعرض سياسة الاستعمار البريطاني تجاه الفلسطينيين والأمة العربية والإسلامية. 
وأشار إلى أن القضية الفلسطينية كانت لها جذور عميقة في تاريخ الجزائر، حيث شارك الجزائريون في تحرير المسجد الأقصى والقدس بقيادة الشيخ سيدي بومدين شعيب في عهد صلاح الدين الأيوبي في القرن الثاني عشر الميلادي، مما يبرز أن تاريخ الجزائر وفلسطين هو تاريخ مشترك، خصوصًا في قضية تحرير المسجد الأقصى.

وفي مقال آخر نشره في مجلة “الشهاب” في أوت 1938، تناول الشيخ عبد الحميد بن باديس أهمية المسجد الأقصى وقدسيته لدى المسلمين باعتباره مسرى الرسول (صلى الله عليه وسلم)،مشيرًا إلى أنه من مقدسات الأمة الإسلامية.

وفي هذا الصدد، أكد الدكتور بن معمر أن  الشيخ عبد الحميد بن باديس شدد على وجوب مناصرة الأمة الإسلامية جمعاء للقضية الفلسطينية، معتبرًا أن ما يحدث في فلسطين يجب أن يُعتبر قضية مقدسة كما لو كانت تحدث في مكة المكرمة أو المدينة المنورة. 
كما بيّن أن المسلمين في القدس كانوا دائمًا في حماية الإسلام، بينما كان اليهود يعيشون في سلام في أراضي المسلمين لقرون طويلة. 
وأبرز بن معمر أن الشيخ بن باديس استشهد بموقف رئيس الطائفة السامرية الذي قدم عريضة إلى حاكم نابلس، محتجًا باسم الطائفة اليهودية على الاعتداءات التي وقعت على العرب في القدس ويافا وحيفا، وقد وصف الشيخ بن باديس الوضع الذي كانت عليه فلسطين منذ آلاف السنين، وشبّه الصهاينة والاستعمار البريطاني بالزوجين المشؤومين اللذين جلبا البلاء لفلسطين.
وبناءً على ذلك، كان دفاع الشيخ عبد الحميد بن باديس عن القدس واجبًا على كل مسلم، سواء كان فردًا أو حكومة،وقد خص بالذكر اللجنة البرلمانية المصرية التي كانت تعتزم عقد مؤتمر للدفاع عن فلسطين في عام 1938، والذي ضم الشيوخ وزعماء العرب والمسلمين. 
اذ اعتُبر هذا المؤتمر الأول من نوعه في العالم العربي، وكان بمثابة مؤشر على دعم فلسطين ونهضة الأمة الإسلامية واسترجاع مقدساتها، وبالنسبة للشيخ عبد الحميد بن باديس، كان هذا المؤتمر نقطة فارقة لإثبات أن العالم الإسلامي والعربي موحَّد في دفاعه عن فلسطين.
وفي مواجهة هذا الوضع، كان الشيخ عبد الحميد بن باديس يدعو اليهود الذين ينكرون ظلم الصهيونية إلى اغتنام هذه الفرصة للتصدي لهذا الظلم. 
وفي 17 أكتوبر 1938، أرسل الشيخ برقية إلى المؤتمر البرلماني الذي انعقد في القاهرة، عبّر فيها باسم المسلمين الجزائريين عن موافقتهم على كل القرارات التي سيتخذها المؤتمر لصالح الدفاع عن فلسطين، وأكد الشيخ في برقيته على ضرورة تأكيد الرأي العام على دعم القضية  بكل الوسائل المتاحة.
 كما أشار الدكتور بن معمر أن  الشيخ عبد الحميد بن باديس من أبرز الشخصيات التي عملت على توعية الرأي العام حول خطر الصهيونية، مع التركيز بشكل خاص على القضية الفلسطينية وتعميق الصلة بالقدس والمسجد الأقصى،ونبَّه الشيخ بن باديس مبكرًا إلى أطماع الصهيونية في تقسيم فلسطين.


في إطار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي كان يقودها، أطلق الشيخ بن باديس عدة مبادرات لجمع التبرعات والمساعدات لإعانة الفلسطينيين، إيمانًا منه بأن الدعم العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية هو واجب ديني وإنساني.

ويُعتبر الشيخ من أوائل الذين وجهوا احتجاجًا رسميًا إلى وزارة الخارجية الفرنسية في عام 1933، حيث استنكر الحوادث الدامية التي وقعت في فلسطين وأرسل برقية تضامن إلى مفتي القدس.

و رفع سنة 1937 احتجاجا  شديد اللهجة باسم الأمة الجزائرية ضد مشروع تقسيم فلسطين إلى وزير الخارجية الفرنسية ، معتبرًا أن هذا المشروع يشكل تهديدًا خطيرًا على الشعب الفلسطيني الذي كان يدافع عن نفسه وعن مقدساته.

علاوة على ذلك، كتب الشيخ عبد الحميد بن باديس العديد من المقالات في مجلة “البصائر”، أبرزها مقالات تحت عناوين مثل “فلسطين الدامية الشهيدة”، التي نقل فيها نداء اللجنة المركزية لإعانة المنكوبين في القدس، و”فلسطين الشهيدة” التي تناولت عملية القبض على الزعيم الفلسطيني الشيخ فرحات سعدي، والذي حكم عليه بالإعدام من قبل المحكمة العسكرية البريطانية. 
كما كتب مقالًا آخر بعنوان “فلسطين ”، ناقش من خلاله نداء وبيان اللجنة التنفيذية للمؤتمر السوري الفلسطيني. إضافة إلى مقال آخر تناول فيه حالة الزعماء الفلسطينيين في المنفى تحت عنوان “منفى سيشل”.

وكان للشيخ أيضًا دور في نشر نداءات للجمعيات العربية والإسلامية للإغاثة، مثل نداء لجنة الإغاثة العربية، التي وجهت دعوتها إلى العالمين العربي والإسلامي لإغاثة منكوبي فلسطين. 
وكتب مقالًا بعنوان “اعتداء سفيه واحتجاج وجيه”، حيث نقل احتجاج جمعية العلماء في دمشق ضد الاحتلال البريطاني للمسجد الأقصى واعتقال العلماء.

 ليخلص  الدكتور بن معمر القول تُظهر هذه المقالات بوضوح اهتمام الشيخ عبد الحميد بن باديس العميق بالقضية الفلسطينية، ومتابعته الدقيقة لكل الأحداث التي تجري في فلسطين. 
مضيفا:" كان مدافعًا شرسًا عن حقوق الشعب الفلسطيني، رغم  أنه كان في مقاومة مع الاحتلال الفرنسي للجزائر، وكان يعتبر الدفاع عن القضية الفلسطينية جزءًا من دفاعه الأوسع عن الأمة الإسلامية ومقدساتها."

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services