933
0
عبد المجيد بيرم:" نواجه معركة حضارية، ونسعى لتعزيز الثوابت وأرشفة تراث الجمعية"
رئيس جمعية العلماء المسلمين في حوار خاص لبركة نيوز

تعتبر جمعية العلماء المسلمين مشروعا حضاريا زرع دعائمه العلامة الفذ ابن باديس مع ثلة من علماء الجزائر، فكان لها الدور الريادي في الاصلاح والتعليم والمحافظة على الهوية الجزائرية التي منها انتعش الوعي القومي وخطا الجزائيون طريق الاستقلال.
حول هذا الصرح التاريخي الذي قارب وجوده قرن من الزمن ولا يزال صامدا كان لنا حوار خاص مع رئيس جمعية العلماء الجزائريين الدكتور عبد المجيد بيرم.
حاورته زهور بن عياد
لو أردنا أن نتعرف على مسيرة عبد المجيد بيرم في محطات فاصلة أين يمكننا التوقف؟
فيما يخص المسار العلمي، درست في الجزائر كل مراحلي الدارسية وأكملتها في دمشق في كلية الشريعة وتحصلت على إجازة في الشريعة الإسلامية، وبعدها تحصلت على شهادة ماجستير من كلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر وبعدها رسالة الدكتوراه.
مدرس في جامعة الجزائر منذ 1993 الى غاية 2015، وبعدها درست في جامعة أم القرى كلية الشريعة وأصول الدين لمدة 5 سنوات.
أما في مجال التأليف، لدي مجموعة من المقالات، وبحوث في موضوعات مختلفة في الفقه وعلوم الحديث ومقالات حول شخصيات من جمعية العلماء المسلمين.
وفيما يخص المؤلفات لدي كتاب "دلاله الأفعال النبوية في اختلاف الفقهاء" وهي رسالة دكتوراه، و محاولة لحصر الفعل النبوي على الحكم الشرعي وتباين فهم العلماء للاحاديث، هناك كتاب آخر طبع سنة 2004 بالمدينة المنورة "رواية الحديث بالمعنى "، لان هناك بعض الاحاديث تصرف فيها العلماء حاولت تتبع ما قيل أنه تصرف بالمعنى وما يمكن ان ينجم عليه من اختلاف في حكم الفقهاء، وهناك كتاب اخر ينتظر كتابة المقدمة للخروج لعالم النشر هو كتاب يضم مجموعة بحوث تعالج مسألة التدين عنوانه "مسالك العلماء في الاختلافات الفقهية والتفقه"، لان هذه الظاهرة عايناها في الواقع بعضهم يحاول أن يأخذ من القران والسنة الأحكام التعبدية، بعضهم يحاول أن ياخذ من المدارس الفقهية التي أصلها العلماء وتوارثتها الأجيال بالتزام المذاهب، حاولنا اعطاء نماذج ماكان عليه العلماء الأوائل في منهجية التدين، وأضن أن هذا الكتاب يسد بعض الفجوات الموجودة وبعض القناعات التي لا ندرك مخاطرها الا بعد فوات الاوان، وهناك كتاب اخر وهو رسالة ماجستير وله علاقة بموقف علماء الحديث من بعض المسائل ونجم عن ذلك خلاف العلماء في بعض المسائل الفقهية، بالاضافة الى ما كنت اقوم به في اذاعة القران الكريم اكثر من عقد من الزمن من خلال برامج خاصة أعددتها.
جمعية العلماء المسلمين مشروع حضاري قاده ابرز علماء الامة ابن باديس رفقة علماء أجلاء، بالعودة الى الوراء ماهي أهم الانجازات التي حققتها منذ تاريخ تاسيسها ؟
من خلال رجوعنا لتاريخ جمعية العلماء وماكتبه ابن باديس والبشير الابراهيمي على وجه الخصوص، ان ظهورها في مرحلة تاريخية كانت الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي وما قامت به فرنسا في المهرجان الكبير بمرور قرن على وجودها في الجزئر، فالشعار الذي حملته هده الجمعية يعكس توجهها ورسالتها، الاسلام ديننا يعبر عن انتماء الشعب الجزائري لهذا الدين والعربية لغتنا اي اللغة الحضارية التي يتحدث بها واللغة التي اختارها الله تعالى لتكون وعاءا لأخر الرسالات السماوية.
الجزائر وطننا وهذا غرس للبعد الوطني في نفوس الجزائريين ونلاحظ أن الجمعية من خلال المجلات التي كانت تصدرها كوسيلة تعليمية تثقيفية للمجتمع الجزائري، كجريدة المنتقد شعارها "الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء"، عبارة جامعة ومعبرة، عملت على غرس المعالم الوطنية في نفوس الشعب الجزائري، هذا تاكيد أن جمعية العلماء اشتغلت على هذه المحاور.
فأنشات مدارس حرة ومجلات،واستحدثت النوادي، و لأن فكر الجمعية كان متزنا حاولت احتواء الفئة الوسطى اي الشباب من خلال هذه النوادي، فالكبار يمكن توعيتهم من خلال المساجد والمدارس خصصت للأطفال.
فعلا الجمعية كانت رائدة في رؤيتها و واستطاعت تحريك المجتمع المدني، كما استعانت بالمسرح، فلو نذهب لمدينة تلمسان ونقف على دار الحديث نجد طابق خاص لتقديم المسرحيات وفق الأصول لأن المسرح كان يؤدي وظيفة توعوية، فالعلامة الابراهيمي في اثاره يقول أن الممثل في المسرحية لا يقل أهمية عن الخطيب في المسجد.
وفي سنة 1937 أنشأ ابن باديس، الاتحاد الفني من أجل تنمية الذوق السليم والتمسك بالتراث.
هناك من المشارقة ممن قرأ تراث الجمعية أصيب بالذهول، لأن هناك نضج ووعي وعمق لدى علماء الجمعية، فقد استغلوا كل وسيلة من شأنها أن تثبت في النفوس هذا التوجه، و يذكر أن مولودية قسنطينة حضيت بتشجيع من الشيخ ابن باديس كما أن الكشافة الاسلامية كانت بتشجيع وتوجيه منه، فكان الشيخ ابن باديس يتسابق مع عقارب الساعة لنشر الوعي بأي وسيلة ممكنة.
فالغرض من جهود الجمعية المحافظة على الهوية والانتماء وكتبت في افتتاحية البصائر، اذا كانت المعركة المسلحة قد انتهت فان المعركة الحضارية مستمرة، نحن نحمي الهوية من خلال الأنشطة المتنوعة التي ننظمها.
مرت الجمعية بتحديات كثيرة ولا سيما بعد الاستقلال ومرحلة الحزب الواحد وتوقف نشاطها، لكنها استأنفت عملها في مرحلة التعددية ماهو سر صمودها وتميزها؟
كان الاختيار السياسي بعد الإستقلال لا تعددية حزبية ولا جمعوية، لكن كما يقول شيخنا عبد الرحمان شيبان أن الجزائرحرمت من مرجعية علمية معترف بها مشرقا ومغربا، كان ما يزال البشير الابراهيمي والرعيل الأول الذي درس على يد الشيخ ابن باديس على قيد الحياة ،فالجزائر في تلك الفترة عاشت فراغا استمر لقرابة عقدين من الزمن، ولأن الطبيعة تأبى الفراغ فقد تسللت أفكار وتوجهات أثرت سلبا على مسار المجتمع الجزائري وبالخصوص الشباب، لأن الجمعية كمرجعية وطنية قادها العلماء كانت غائبة، لذلك تقوية الجمعية يمثل حصانة للمجتمع.
بعد دستور 1989وبداية مرحلة التعددية، الشيخ على مغربي ومحمد الاكحل شرفاء وغيرهم أي الرعيل الاول للجمعية هم من تجمعوا واعادوا بعث الجمعية، لان من وجهة نظرهم ان رسالة الجمعية لا تتوقف، رغم وجود وزارت قائمة على مجال التربية والثقافة ، لكنها تحتاج إلى روافد من المجتمع المدني تعززهذا المنحى.
ولكن الجزائر دخلت في نفق مظلم فتوقف نشاط الجمعية وبقي عملها بعد تلك الفترة محتشما ومحدودا لأن اغلب اطارتها هم خرجي معهد ابن باديس، و لم تطعم بعناصر شابة، لكن بعد تولي عبد الرحمان شيبان رئاسة الجمعية اعطاها زخما قويا وفتح المجال للشباب ان ينظموا اليها، وتوسعت الجمعية في كل ولايات حتى في المناطق التي لم تصلها جمعية العلماء التاريخية.
تعنى الجمعية بالجانب التربوي والاغاثي ، ماهي اسهاماتها في هذا المجال؟
الأصل في رسالة الجمعية أن إهتماماتها تنصب في الجانب التعليمي التربوي، الجانب الدعوي والجانب العلمي، هذه المحاور الكبرى في عمل الجمعية، وبالنسبة للجانب الأول ما تقوم به مدارس الجمعية هو مكمل لما تقوم به وزارة التربية، تهتم بالاخلاق والقرآن وهناك تفاوت من مدرسة لاخرى.
وفي الجانب الإغاثي ررغم أن الجمعية، جمعية علم وتربية إلا أن القانون الاساسي ينص على المساعدات الإنسانية، لذلك لنا بعض الأنشطة ذات بعد إغاثي أو خيري سواء في فلسطين أو الصحراء الغربية أو الروهينغا، أو في حالة كوارث طبيعية، فقد نظمت الجمعية حملات لمساعدة المتضررين من الحرائق داخل الوطن.
وبخصوص غزة كانت هناك حملات ومساعدات شملت أدوية وخيم ومن المشاريع التي نفذتها الجمعية المستشفى الجزائرالتخصصي الذي تم قصفه في ظل حرب الإبادة التي تشهدها غزة.
بعد عام من توليكم رئاسة الجمعية وكنت قد تحدثتهم عن أهمية ترتيب البيت من الداخل ومعالجة القصور ولا سيما في مجال الاعلام والرقمنة، كيف تقيمون جهودكم في هذا المسعى؟
هذا نتاج لمعاينتي لمسار الجمعية بعد إعادة بعثها، في عهد عبد الرحمان شيبان رحمه الله عيني أمينا عاما للجمعية وبقيت في المنصب إلى غاية عقد المؤتمر الثالث للجمعية العامة وحضره الكثير من المسؤولين والشخصيات الهامة عام 2008 ،وترأس الدكتور عبد الرزاق قسوم الجمعية لعهدتين، وبقيت في هذا المنصب إلى غاية مغادرتي للجزائرعام 2015، ولدى عودتي للجزائراقترح علي الدكتور قسوم العودة كأمين عام إلى غاية انتخابي العام الماضي كرئيسا للجمعية.
من خلال هذا المسار أدركت أن علينا إعادة ترتيب البيت الداخلي لكون الجمعية توسعت توسعا كبيرا في الولايات وليس لها الامكانات للتحكم في هذا التمدد.
لذلك يتفق معي إطارات الجمعية أنه من الضروري الإستفادة من الرقمنة، كما أن هناك نقص في الجانب الاعلامي رغم ان الجمعية تقوم بانشطة كبيرة جدا وذات أثر في مختلف الولايات، لكنها لا تصل الى غالبية الناس، الان لدينا مجلة البصائر والموقع نحاول من خلاله أن نطلع المجتمع على ما نقوم به.
الجمعية كان لديها مجلات علمية حاولنا لملمتها كمجلة التبيان ومجلة المقدمة ومجلة الشاب المسلم، وإدراجها في جانب البحث العلمي يشرف عليها مجلس علمي.
وهناك منصة رقمية نحاول أن نجمع فيها كل مانقوم به، بحيث كل من يدخل المنصة يجد نوافذ يمكنه الاطلاع على كل النشاطات وحتى جريدة البصائر وأرشيفتها، بما فيها مجلة الشاب المسلم التي تصدر بالفرنسية بدأنا بأرشفة كل الأعداد القديمة، كما تحتوي هذه المنصة على المعلومات الخاصة بالجمعية فيما يخص الكفاءات والمكاتب وغيرها، ولاتزال المنصة قيد الإنجاز.
يعتبر التشبيك والتنسيق والشراكات عوامل استراتيجية لتمكين الجمعيات من بلوغ اهدافها، مامدى اعتمادكم على هذه الالية؟
بعض النشاطات التي نقوم بها تأتي بالتنسيق مع هيئات تابعة لمؤسسات الدولة أو وزارات ومديريات التربية لتوعية التلاميذ من مخاطر المخدرات مثلا وإحياء مناسبات وطنية ودينية.
أيضا مع وزارة المجاهجين عندما يتعلق الأمر بإحياء مناسبات وطنية ووزارة الثقافة ووزارة السياحة في بعض المناطق، بالاضافة إلى أننا نشارك مع هيئات أخرى كالمرصد الوطني للمجتمع المدني والمجلس الأعلى للغة العربية والمكتبة الوطنية.
نعيش اليوم مجتمع يميزة اختلال في سلم القيم فاصبح المؤثر ليس الداعية او العالم وانما من يستحوذ على وسائط التواصل الاجتماعي بغض النظر عن المحتوى المقدم، من هذا المنطلق حاولت الجمعية احتواء المؤثرين الإيجابيين، ماهي الدواعي والاهداف المرجوة من هذا الاحتواء؟
من تمام الحكمة أن نساير التغيرات التي تحدث في المجتمع بإعتبار أننا أصحاب رسالة، لذاعلينا أن نخاطب كل جيل باللغة التي يفهمها ونخاطبه بالوسائل التي يستعملها، فالجريدة والكتاب زهد الناس فيها، لذلك أصبحت هذه الوسائط اكثر اقبالا من الوسائل التقليدية.
ونحن اليوم في تسارع لذلك منذ فترة أقامت لجنة الشباب والطلبة نشاطا سنويا ووجدوا دعما من بنك السلام وبعض المؤسسات وحاولوا ان يجمعوا المؤثرين الإيجابيين أصحاب المحتوى الهادف الذي يعززالاخلاق ويحذر من اليأس والمخدرات، فالمؤثر أصبح يستقطب آلاف الشباب وله زوار لصفحته أكثر من مليون شخص وهذا أمر رهيب، لذلك على المؤثرين أن يوجهوا الشباب للوجهة الإيجابية لخدمة الأخلاق والثوابت وتقوية اللحمة الداخلية حتى يكونوا سدا منيعا في وجه كل من يحارب المجتمع في دينه وهويته وقيمه.
كلمة اخيرة توجهونها للشباب
لا يؤثر في الشباب إلا الشباب لذلك نود أن نستوعب فئة من الشباب ونوجههم ليقوموا هم بتوجيه اقرانهم وبخاصة المؤثرين وممن يملكون الوسائل الخاصة على الفضاء المفتوح، وحتى في نشاطاتنا نحاول أن نركز في خطابنا للآباء والأمهات أن يصطحبوا أبنائهم لتعزيز القيم والأخلاق في نفوسهم.