315

0

اليوم الوطني للشهيد ... استذكار ملحمة شعب وتجديد العهد على مواصلة الدرب

دعوة للإستثمار في الذاكرة من التقديس إلى التوظيف الإستراتيجي

تحيي الجزائر في الـ 18 فيفري من كل سنة اليوم الوطني للشهيد، و هي وقفة وفاء وعرفان متجدد لملايين الشهداء الذين أنارت دماءهم الطاهرة كل شبر من تراب الجزائر المنتصرة و الموحدة، فالجزائر التي دفعت الملايين من الشهداء ثمنا لاستعادة سيادتها الوطنية تصر اليوم على صونها والدفاع عنها بكل ما أوتيت من قوة.

نزيهة سعودي 

أصبحت تضحيات "جزائر الشهداء" مضرب الأمثال لدى العدو قبل الصديق ونموذجا للتحرر يحتذى به في كل المناسبات وعلى ألسن مختلف المجتمعات، فسيظل مبدأ السيادة الوطنية" بالنسبة للجزائر أحد المقومات الأساسية للدولة وخطا أحمر لا يسمح بتجاوزه بأي حال من الأحوال.

البروفيسور محفوظ عاشور "مسؤولية الشاب الجزائري إبراز تضحيات شعبه في ظل محاولة بعض الدول تشويه ماضيه "

عن الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه المناسبة يقول البروفيسور محفوظ عاشور أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر باحث في التاريخ الانساني بجامعة البليدة 2 أنها تضحيات الشعب الجزائري منذ بداية الاحتلال الفرنسي من أجل الحرية والاستقلال واسترجاع السيادة الكاملة على جل التراب الوطني، حيث قدمت الجزائر أكثر من 6 ملايين من خيرة أبنائها والتضحية الكبرى كانت إبان الثورة التحريرية بمليون ونصف المليون من الشهداء.

و أضاف الباحث في التاريخ الإنساني أن الدروس التي يمكن استنباطها من الذكرى هي أن الإستقلال لا يعطى بل ينتزع بالقوة وبالتضحيات الجسام  مهما كانت قوة المستعمر وسياساته التخريبية وجرائمه البشعة.

و استرسل الأستاذ بالقول أن الذكرى تهدف إلى الحفاظ على أمانة الشهداء المتمثلة في الجزائر التي سقيت أرضها بدماء الملايين من الجزائريين .وتذكير الجزائريين باختلاف أعمارهم أن ما أخذ بالقوة لم يسترجع إلا بالقوة التي تعتبر اللغة الوحيدة التي يفهمها الاستعمار الاستيطاني الفرنسي الذي يروج لفكرة إيجابية من ناحية الاستعمار.

أما في سياق الحديث عن خلفيات اليوم الوطني للشهيد، اعتبر البروفيسور عاشور أنها أساس الذاكرة الوطنية لذا كان لزاما وضروريا تخصيص يوم لاحياء تضحيات وبطولات اسلافنا الذين وهبوا أرواحهم لتحيا الجزائر ولكي نعيش اليوم في كنف الحرية والسيادة والاستقلال.

وفي السياق أكد محدثنا أن 18 فيفري لم يكن اختيار بل كان متزامنا مع حدث تاريخي من أحداث الثورة التحريرية المجيدة اقترحته تنسيقية أبناء الشهداء على إثر مؤتمرها عام 1989 مشددين على ضرورة تخصيص يوم وطني للشهيد لما له من رمزية تاريخية تربط الأجيال بماضيها وتذكرهم بتضحيات الشهداء من أجل أن يعيشوا اليوم في الحرية والاستقلال، حيث كان الإحياء الرسمي سنة 1990 وكان ذلك أول ترسيم له كيوم وطني للشهيد.

أما بالنسبة لقانون جرد وحماية وتصنيف المعالم التاريخية وحمايتها، يرى محدثنا  أن المهمة اوكلت لوزارة المجاهدين وذوي الحقوق التي باشرت العملية منذ سنوات ولا زالت تعمل على جرد وتصنيف وترميم كل المعالم  في إطار سياسة واضحة تهدف إلى الحفاظ على كل ما لديه صلة بملف الذاكرة الوطنية.

و في ختام كلمته و من أجل توطيد العلاقة بين الشباب و الذاكرة الوطنية، أعرب البروفيسور أن شبابنا اليوم هو شباب الرقمنة و وسائط التواصل الاجتماعي،مؤكدا بالقول  "صحيح أن المدرسة و الجامعة لهما دور في الحفاظ على رسالة الشهداء من خلال البرامج التعليمية والتكوينية التي تتضمن دروسا في التاريخ الوطني عامة وتاريخ الثورة خاصة ،لكن للنوادي والجعيات الشبانية والمجتمع المدني ككل دورا هام في دعم الجهود المدرسية والاكاديمية، فالشاب الجزائري مرتبط بتاريخه بفضل المؤسسات التي يتعامل معها في مساره التعليمي والتكويني".

و من بين المسؤوليات التي تقع عليه هي الحفاظ على الذاكرة الوطنية من خلال الانخراط في كل المساعي الهادف الى إبراز تضحيات الشعب الجزائري من أجل الحرية والاستقلال خاصة في وقتنا الراهن الذي تحاول فيه بعض الدول والأطراف المعادية لبلادنا تشويه بطولات وماضي وشخصيات الشعب الجزائري والتقليل من شأنها في وقت سجلت اسمها بأحرف من ذهب في سجل الحركات التحررية المعاصرة و جعلت الثورة التحريرية قدوة لكفاح كل شعوب العالم من أجل الحرية والاستقلال. 

المجاهد عيسى قاسمي"يوم الشهيد مناسبة لاستذكار أخلاق و سلوكات تحلى بها شهدائنا"

تهدف هذه المناسبة لإرساء الروابط بين الأجيال و التذكير بتضحيات الاسلاف، و في هذا الصدد يقول  المجاهد و الباحث في التاريخ عيسى قاسمي "عندما نحصي عدد الشهداء من 1830 إلى 1962 نجد ملايين الشهداء الذين ضحوا من أجل الأرض و العرض و الشرف و الحرية و الاستقلال".

وأضاف المجاهد أن "شهداء الجزائر تخلوا على خيرات الحياة لتنعم بها الأجيال القادمة و تعيش في كنف الحرية و الاستقلال و تخرج من مخالب الاستعمار العنصري و الظالم، ملايين الشهداء ضحوا من أجل الجزائر هذا الوطن، و هي رسالة الشهداء و المجاهدين التي كلما نحيي هذه المناسبات  نستذكر أخلاقهم و سلوكهم، لهذا نحن كمجاهدين واجبنا تمرير الرسالة للشباب لمعرفة إن السمو و التقدم لا يأتي إلا بالتضحية و أن هذا الوطن غالي لهذا علينا أن نبني هذه البلاد و نوصلها للمراتب التي حلم بها الشهداء".

كما وجه رسالة لجيل الاستقلال يؤكد فيها  على ضرورة مواصلة بناء الوطن خصوصاً و أن الأعداء هم لازالهم يترصدون بالبلاد لأن أحفادهم المعمرين لا ينسوا أن هذه اللؤلؤة "الجزائر"انتزعت من فمهم، و لهذا وجب الحيطة و الحذر لأن أسلحة فرنسا الاستعمارية اليوم تسعى لضرب هذا البلد العظيم لذا وجب الاستعداد و الحفاظ على استقلال و الحرية.

الصحفي و الكاتب بوعزارة " الاحتفال بيوم الشهيد يعكس رمزية كبيرة و يبرز تضحيات الشهداء "

ومن جهته صرح الكاتب و الصحفي بوعزارة محمد، أن الاحتفال بيوم الشهيد في الجزائر يعكس رمزية كبيرة لما له من أهمية على اعتبار أن الشهيد رمز كبير يأتي بعد الجهاد، لذلك فاختيار يوم 18 فيفري كيوم وطني للشهيد له خلفيات كبيرة فلولا الشهيد و المجاهد و الثورة العظيمة لما كان للبلد أن يتحرر ليبقى الشهيد في الذاكرة الوطنية الجماعية، و نتذكره كل عام و نستعيد  أمجاده".

و قدم الصحفي بوعزارة بعض أسماء الشهداء الأخيار، حيث تحدث عن اول شهيد من مجموعة ال22 هو عبد المالك بن رمضان الذي استشهد في الأسبوع الأول من نوفمبر 1954، هذا الشهيد واحد من بين القادة ال 22 المفجرين للثورة، و أول شهيد للقادة الستة الرئيسيين و البارزين هو الشهيد ديدوش مراد الذي استشهد في 18 جانفي 1955.

و بخصوص الإعلام فقد قدم أثناء الثورة شهداء، أبرزهم الشهيد محمد العيساوي الذي استشهد في 1955 بجبال الزبربر، و القادة الستة بعد توصلهم لصياغة بيان أول نوفمبر استرشدوا بواحد من الصحفيين الجزائريين كأول من امتلك البطاقة المهنية للصحفي عام 1953.

وعن التهجمات التي تتعرض لها الجزائر من قبل مسؤولي فرنسا اليوم أكد أن نظام الحكم في فرنسا و على رأسه اليمين المتطرف الذي لا يعترف أن الجزائر دولة مستقلة، وحين يدرك أن الجزائر اليوم دولة قوية وكاملة السيادة، عندها يمكن إقامة علاقات متوازنة تقوم على المصالح المتبادلة بين الطرفين و قائمة على منظور الإعتراف بما قاموا به من جرائم الإبادة الجماعية و التفجيرات النووية، فإذا تم الانطلاق من منظومة المصالح المشتركة يمكن للعلاقات أن تعود قائمة على تبادل المصالح و خدمة ما يمكن إفادة الأجيال المستقبلية به سواء في الجزائر أو فرنسا. 

و انتقل الصحفي بوعزارة، للحديث عن أوجه التشابه بين الفظائع التي إرتكبها الإستعمار الفرنسي بالجزائر ومجازر الإحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، موضحاً أن الشعبين الجزائري و الفلسطيني تعرضا كلاهما لمجازر إبادية، فالإبادة في الجزائر كانت تتم في الظلام رباعية الأبعاد من قتل جماعي و فردي و مجازر مرتكبة في كل منطقة من مناطق الجزائر بالإضافة إلى جريمة الأبعاد و هي ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة من محاولة الرئيس الأمريكي ترامب أن يبعد بها سكان غزة، جانب آخر و هو حرب المجاعة التي تعرض له الشعب الجزائري و الأراضي التي استلمت من الجزائريين، لاسيما الأمراض التي تعرض لها الجزائريون و هذا ما يحدث للفلسطينيين اليوم.

و في الاخير، يرى ذات أن التاريخ لا يمكن أن ينظر له بمنظور التهويل و لا بمنظور التقديس، "فمن لا يعرف تاريخه يبقى طفلاً صغيراً"بدون وطنية لا يمكن حماية بلادنا و حدودنا و ثقافتنا لهذا عمل الذاكرة جماعي يلعب فيه الإعلام دورا بارزا في تقوية اللحمة الوطنية الأجيال.

الخبير أحمد ميزاب " ضروري إدماج التكنولوجيا في نشر الذاكرة و تطوير محتوى رقمي قوي حول التاريخ الجزائري"

من جهته عالج الخبير في الدراسات الأمنية و الإستراتيجية أحمد ميزاب، الموضوع من زاوية سياسية و دلالاتها الإستراتيجية و المستقبلية بالنسبة للأجيال، لأن ملف الذاكرة  ذو بعد أمن قومي و ذو علاقة بمستقبل الأجيال و سلامة البلاد و ضمان أمنها القومي.

و في هذا الإطار يعتبر أن اليوم الوطني للشهيد هو مناسبة ذات دلالات عميقة حيث يجسد قيم التضحية و الفداء التي قدمها الشهداء من أجل استقلال البلاد و يذكر الأجيال الحالية أهمية الوفاء بتضحيات الأسلاف و يعزز الروح الوطنية و الانتماء.

كما أشار الخبير إلى استراتيجيات الاستثمار في الذاكرة الوطنية التي يمكن الحديث عنها من خلال هاته المناسبات و من بينها اليوم الذي يمثل أحد المرتكزات الأساسية في بناء الهوية الوطنية الجزائرية و الذي يعكس حجم التضحيات التي قدمها الشعب الجزائري في سبيل حريته و استقلاله و استرجاع الأرض، هذه لاستراتيجية التي لا تقتصر على البعد الرمزي فقط بل تمتد إلى ضرورة استثماره في تكريس الذاكرة الوطنية كقوة ناعمة يمكن توظيفها في بناء الأجيال القادمة و تعزيز التماسك الاجتماعي و حماية السيادة الوطنية من محاولات الطمس و التشويه.

جمع ميزاب، استراتيجية استثمار الذاكرة الوطنية في مجموعة نقاط أولها إعادة صياغة الرواية التاريخية في الأجيال القادمة ليكون لملف الشهداء دور محوري للمناهج التاريخية ضمن مقاربة تعتمد على تحليل استراتيجي لأبعاد النضال الجزائري و أثره على الجغرافية السياسية العامة.

من ناحية أخرى يمكن لمثل هذه المناسبات -يضيف- أن تكون آداة مؤثرة في العلاقات الدولية لاسيما من الجانب الفرنسي الذي يحرجه الحديث عن مليون و نصف مليون شهيد لجعل الاعتراف بجرائم الاستعمار كجزء من السياسة الخارجية الجزائرية.

المستوى الثالث و هو تحصين الذاكرة ضد حملات التشويه و هو يعتبر ملف حساس وجب الاشتغال عليه لمواجهة المحاولات الهادفة لإعادة تأويل التاريخ وفق مصالح القوى الخارجية.

و من جانب آخر، وضع ميزان الذاكرة في ميزان العلاقات الجزائرية الفرنسية، كأداة تفاوض أو كمصدر تأزيم دائم، يشكل نقطة صراع دائمة بين الجزائر و فرنسا حيث يطرح إشكالية هل يمكن توظيفها كأداة تفاوض لتحقيق مكاسب استراتيجية أو سيظل سبب رئيسيا في تأزم العلاقات الثنائية بين البلدين ؟، كما يجزم البروفيسور، أنه حق مشروع يجب الفصل فيه بما يستجيب للمطالب و الشروط التي وضعتها الجزائر. 

الجزائر تستفيد من التغيرات السياسية في رفع سقف مطالبها بشكل تدريجي 

و في رده على سؤالنا حول أن الجزائر تطالب باسترجاع الأرشيف كاملاً و تعويض ضحايا التفجيرات النووية و هي ملفات تضعها في موقف تفاوضي قوي لأنه حق من الحقوق التي لا يمكن للتنازل عليها، أما فرنسا فمن جهتها تتبع سياسة الاعتراف بالتقطير دون اعتذار مما يضعف مصداقية أي مبادرة من قبل الجانب الفرنسي.

قدم تحليل استراتيجي لمقاربة الجزائر، حيث ذكر أن استراتيجية الضغوط المرحلية بمعنى أن الجزائر تتبع سياسة فرض الأمر الواقع عبر رفع سقف مطالبها بشكل تدريجي و هي تستفيد من التغيرات السياسية سواء داخل او خارج فرنسا، بالإضافة إلى مسألة تصعيد الملف لمستوى دولي الذي يمكن أن يكون ورقة ضغط قوية خاصة في ظل التوجه العالمي لمحاسبة الاستعمار في محاكمات جرائم الحرب.

و أفاد أيضاً في هذا السياق ،ان توظيف الملف في إعادة تشكيل العلاقات الثنائية يعني أن الجزائر تدرك بأن ملف الذاكرة لا يمكن فصله عن المسائل الاقتصادية السياسية بالتالي أصبح حاضر في إطار إعادة التوازن للعلاقات مع الجانب الفرنسي.

 تصاعد التوترات بين الجزائر و فرنسا من زاوية الابتزاز إلى إعادة ضبط العلاقات، في السنوات الأخيرة أصبح واضحاً أن فرنسا تنتهج سياسات متناقضة تجاه الجزائر و هذا واضح للعلن، و يعتمد ذلك على الابتزاز السياسي من جهة و السعي للحفاظ على مصالحها الاقتصادية من جهة أخرى، و هذا التناقض بارز من خلال الابتزازات و المساومات و محاولات الضرب تحت الطاولة و من ناحية أخرى هي تعمل على الحفاظ على مصالحها الاقتصادية في إطار توجه الجزائر نحو تنويع الشراكات.

لخص ذات المتحدث مظاهر هذا التوتر في 3 نقاط، أولها تصريحات فرنسا المسيئة التي تعيد طرح خطابات الهيمنة الاستعمارية خاصة خطاب اليمين المتطرف المرفوضة من قبل الجزائر و التي تقابل بالرد الحاسم بالنسبة للجزائر،ثانيا هي تزايد تدخلات الفرنسية في الشأن الجزائري من خلال توظيف بعض الملفات، من الناحية الثالثة الملفات المجمدة مثل استرجاع  الأصول الجزائرية المحجوزة في فرنسا و هذا في حد ذاته يعطي نوايا سيئة و غير واضحة من فرنسا.

الجزائر تسير نحو توسيع علاقات الاقتصادية مع قوى بديلة 

الجزائر لديها خيارات استراتيجية تعتمد عليها أولها استراتيجية الاستقلال الاقتصادي حيث تسير الجزائر نحو تقليل الاعتماد على فرنسا كشريك اقتصادي و تعزز العلاقات مع قوى بديلة كالصين و روسيا و الولايات المتحدة و غيرها و هي ورقة مزعجة كثيرا لفرنسا.

كما استخدمت الجزائر سياسة الرد على الديبلوماسية لفرض موقف أكثر ندية في العلاقات الثنائية بين البلدين، كما تعمل  من ناحية أخرى لتحصين الجبهة الداخلية لمجابهة محاولات زعزعة الاستقرار الداخلي و التي تعتبر أحد أدوات الابتزاز الفرنسي.

و بخصوص نوايا فرنسا في هذا المجال، يقول ميزاب موضوع الذاكرة الوطنية مهم جدا و فرنسا تعمل على أن تتماطل في هذا الملف على أساس أن تأتي أجيال تتجاوز الحديث و تتنازل عن هذا الموضوع، لكنها لا تدرك أنه ملف أمة سنتوارثه جيل بعد جيل، كما اكتشفت فرنسا أنها أمام أجيال تؤمن بالوطن و الارض و دفعت الغالي والنفيس من أجل استرجاع  السيادة الوطنية.

علينا أيضاً - حسب تصريحات ذات الخبير- الخروج من مرحلة التقديس إلى التوظيف الاستراتيجي بمعنى أن التحدي الأساسي ليس في مجرد تخليد ذكرى هذه المناسبات بل في كيفية توظيف هذا الإثر كأداة لبناء وعي استراتيجي لدى الأجيال الجديدة و تحويل الذاكرة لمصدر إلهام اقتصادي و تقني ليكون للشهداء حضور في الخطاب الاقتصادي عبر ربط نضالهم بالتحديات الراهنة مثل تحقيق السيادة الرقمية و الاستقلال الرقمي الذي يتكيف مع طبيعة التحولات الاجتماعية.

و في الأخير، دعا البروفيسور ميزاب إدماج التكنولوجيا في نشر الذاكرة و تطوير محتوى رقمي قوي حول التاريخ الجزائري، و الانتقال من الخطاب الدفاعي للخطاب الهجومي، لتكون الجزائر صاحبة المبادرة في فرض سرديتها الخاصة، لهذا ملف الذاكرة ليس مجرد قضية تاريخية بل ورقة جيواستراتيجية تستخدم لتعزيز النفوذ الجزائري سواء على المستوى الداخلي أو في علاقاتها الدولية.

محمد عباد " على المجتمع المدني التحرك أكثر و إعطاء أهمية لمثل هذه المناسبات" 

للمجتمع المدني أيضاً دور هام في تعزيز اللحمة الوطنية بين جيل الثورة و جيل المستقبل، و في هذا الإطار يشير محمد عباد رئيس جمعية مشعل الشهيد، أنه من الناحية الرمزية كان اجتماع أول لأبناء الشهداء في 18 فيفري 1989 بقصر الأمم، الذي جرى قبل دستور 1989 ، تحدث أحدهم بالقاعة يدعى بن طرشة ليكون هذا اليوم كيوم وطني للشهيد بصفة رسمية، و بعد إجراءات قانونية و اجتياز هذا المشروع في البرلمان بدءاً من 1991 انطلق الاحتفال به كيوم وطني للشهيد و دخل ضمن الأعياد الوطنية.

و بالنسبة لدور المجتمع المدني في الحفاظ على الأجيال الوطنية، يعتبر عباد أن هذا المجتمع متنوع و متعدد بمختلف جمعياته سواء الثقافية و الاجتماعية كما يعتقد أن وجب الحفاظ على الذاكرة الوطنية من طرف المجتمع بصفة عامة في كل المراحل و المناسبات و ضروري الاحتفال في كل يوم بالشهداء و عدم انتظار المناسبات فقط.

 لهذا  ـ يضيف رئيس جمعية مشعل الشهيد-الملف يهم كل الأطراف و المجتمع المدني يبذل جهده معبرا في الاحتفالات الرسمية و المناسبات الوطنية، وبما أننا سنحتفل  بالذكرى ال80 لمجازر 8 ماي و اليوم الوطني للذاكرة، على المجتمع المدني أي يتحرك أكثر لإعطاء أهمية كبيرة لمثل هذه الأحداث.

و بخصوص النمطية التي تشهدها الاحتفالات بالمناسبات الوطنية، شدد محمد عباد بضرورة مواكبة الوضع و لكن ليس على حساب تقاليدنا و ذاكرتنا، داعيا الجمعيات و المنظمات إلى زيارة عائلات الشهداء، أو تنظيم دورات رياضية بسيطة تسمى باسم الشهداء، أو زيارة مدرسة أو شارع باسم شهيد للخروج من النمطية و جعل المواطنين يحتفلون بهذا اليوم بطريقة مغايرة.

كما أكد ذات المتحدث أن هناك عمل آخر تعمل عليه الذاكرة لنقلها من جيل الثورة لجيل الاستقلال، سواء في المدارس و المعاهد أو الجامعات، حيث أشار إلى الأسبوع الثقافي الخاص بالجمعية في طبعته ال25، مبرزا أن الاحتفال كان موجه لتلاميذ الثانويات و المدارس الخاصة و الابتدائيات، و كان النشاط مخصص للأطفال الذين اختاروا المواضيع و قاموا بالنشاطات و هذه الطريقة التي تجعل التواصل بين الأجيال.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services