629
0
الذكرى 62 للإستقلال: الجزائر بخطوات ثابتة نحو مستقبل زاهر
بعد 62 عاماً من الاستقلال، مازالت الثورة الجزائرية تلهم الدول المناضلة الطموحة لنيل الحرية، كيف لا وقد ذاع صيتها عبر ربوع العالم فأصبحت مثالا حياً يقتدى به للشعوب المضطهدة، وحتى فرحة الاستقلال التي تتزامن مع تاريخ 05 جويلية من كل سنة، لم تغادر نفوس الجزائريين بعد مرور السنين وزادتهم إصراراً للدفاع عن كل ما يتعلق بالوطن وبالقضايا العادلة في العالم.
ملف من إعداد : بثينة ناصري/ نزيهة سعودي
يحيي الشعب الجزائري هذا العيد وكله تفاؤل واستبشار بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة في إطار برنامج "الجزائر الجديدة" التي فتحت المجال على تحوّل نوعي عميق في حياة الجزائريين والجزائريات، ومهدت الطريق لبناء مؤسسات تستجيب لتطلعات الأجيال الجديدة في بناء فضاءات سياسية اقتصادية ثقافية واجتماعية تتماشى مع العولمة المتزايدة والتطور العالمي.
غربي: "الحفاظ على الذاكرة الوطنية مسؤولية والتزام"
عقب الاستقلال سعت الجزائر إلى ترسيخ الذاكرة الوطنية باعتبارها عاملاً أساسياً في تمرير الرسالة بين الأجيال، وبالحديث أكثر عن هذا الموضوع تحدثنا مع عبد الباسط غربي رئيس لجنة الدفاع الوطني بالمجلس الشعبي الوطني، الذي أكد لجريدة "بركة نيوز" على أهمية الحفاظ على المواقع التاريخية المرتبطة بثورتنا المجيدة باعتبارها شاهدا على الجرائم والمجازر التي ارتكبتها فرنسا ضد الشعب الجزائري وكذلك من أجل توعية وتوجيه الأبناء بكل الأفعال الشنيعة التي قام بها المستعمر الفرنسي من تعذيب وقتل وحرق للجزائريين.
وأشاد غربي بالتوجيهات والتعليمات التي أسداها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون بخصوص الاهتمام بالذاكرة الوطنية وتبليغها للأجيال الصاعدة وترسيم يوم للاحتفاء بها، بالإضافة إلى تشكيل لجنة مشتركة للمؤرخين تعمل على معالجة كل المسائل المتعلقة بالذاكرة، مبرزا دور مؤسسة الجيش الوطني الشعبي في ترسيخ الذاكرة الوطنية عبر تسمية مقرات النواحي العسكرية بإسم الشهداء والمجاهدين.
وكشف رئيس اللجنة عن إحصاء 5215 معلما تاريخيا تتضمن بيوت القادة والسجون والمعتقلات الاستعمارية إلى جانب 1474 مركزا كان يستخدم للتعذيب، بالإضافة إلى 1289 مقبرة للشهداء و201 مربعا للشهداء داخل المقابر العمومية، مشيراً إلى ضرورة الاستعانة بالرقمنة في هذا الشأن لمواكبة التطور التكنولوجي في شتى المجالات، منوها بإنشاء منصات رقمية وتطبيقات إلكترونية تساهم في إعادة تكوين أجيال واعية بقيمها التاريخية.
وفي ذات السياق أوضح غربي أن عيد استقلال الجزائر يمثل رمزاً للوحدة الوطنية والفخر بالتاريخ والنضال، مؤكدا أن الشعب الجزائري يواصل استلهام التضحيات وروح المقاومة لتعزيز تطور البلاد وتحقيق المزيد من الإنجازات في مجالات مختلفة.
وذكّر ذات المتحدث بمجازر الـ08 ماي، مؤكداً أنها كانت أكبر وأبشع مجزرة إرتكبتها فرنسا الإستعمارية في يوم واحد، حيث خرج مئات آلاف الجزائريين في 8 ماي 1945، للاحتفال بنهاية الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، ولمطالبة فرنسا بالوفاء بوعدها بمنحهم الاستقلال، لكن قوات الإستدمار إستخدمت الرصاص الحي وقتلت 45 ألف من المتظاهرين العزل في يوم واحد مرتكبةً بذلك أكبر جريمة ضد الإنسانية.
وأشار غربي في حديثه لـ"بركة نيوز" إلى اللجنة الجزائرية الفرنسية المشتركة للذاكرة، موضحاً أن هذا الإتفاق جاء لاسترجاع الأرشيف الجزائري خلال الحقبة الاستعمارية وممتلكات لا تقدر قيمتها التاريخية بثمن والراسخة في قلوب وأذهان الشعب الجزائري.
دزيري يكشف أهم انجازات قطاع التربية منذ الاستقلال
ومن جهة أخرى كشف صادق دزيري رئيس الاتحاد الوطني لعمال التربية و التكوين عن المراحل التي مر بها التعليم منذ الاستقلال حيث قسّمها إلى 4 مراحل، المرحلة الأولى ما بعد الاستقلال وتمثلت الصعوبات في الكوادر والإطارات وهذه المرحلة امتدت منذ الاستقلال إلى غاية 1976.
المرحلة الثانية، بدأت الجزائر في تعريب التعليم من خلال أمرية 16 أفريل 1976 التي تضبط البرامج الكبرى للمدرسة الجزائرية والمساهمة في بناء مواطن جزائري صالح، وهذه الأمرية انطلقت منها مرحلة جديدة إلى غاية 1980 التي امتازت بالتعليم الأساسي وتعريب التعليم اي الخروج من التعليم باللغة الفرنسية إلى التعليم باللغة العربية وفق ما جاءت به أمرية 1976.
المرحلة الثالثة، انطلقت من 1980 إلى 1990 في هذه المرحلة أيضا عرفت مسألة إعادة بناء القوانين مثل قانون الوظيفة العمومية، القانون الأساسي لقطاع التربية، و جزئرة التعليم بشكل أكثر قوة وبناء الجامعات والمعاهد و بدأت المرحلة الفعلية بالاكتفاء الذاتي و أصبح التعليم جزائري جزائري في كل مراحل التعليم.
المرحلة الرابعة، من 1990 إلى غاية 2002 تم التركيز على بناء مؤسسات في المدرسة الجزائرية بمراسيم خاصة وكيفية تسيير المدرسة الجزائرية كنظام الجماعة التربوية و المجالس الموجودة كمجالس التعليم والانضباط والترتيب في كيفية تسيير المدرسة إلى جانب مرحلة إصلاح المنظومة التربوية عن طريق ندوة وطنية في جويلية 1990 مخرجاتها للأسف وضعت في الدرج ولم يطبق منها أي شيئ إلى غاية قدوم مرحلة الإصلاحات في 1999.
جاءت مرحلة إصلاحات 2002 سميت بإصلاحات بن زاغو نسبة للرئيس الذي كان يرأس هذه اللجنة من بين التوجهات التي جاء بها هذا الإصلاح هو التركيز على الفرنسية من جديد في المواد العلمية وغيرها، و لكن بفضل وقوف رجال و نساء التعليم لم نذهب إلى هذا المنحنى مثل الدول المجاورة.
وأوضح صادق دزيري أن هناك ما يسمى بالإصلاحات الأخيرة في 2014 والتي تم رفضها و اليوم نعيش ارهاصاتها و تجاذبات هذه الإصلاحات خاصة بالنسبة للبرامج و المناهج و محتويات الكتب المدرسية فيما يتعلق بالكتب التاريخية و الأدبية لأنها مواد علمية تدرس بأي لغة وفي أي مكان.
الدعوة لإنشاء المجلس الأعلى للتربية لرسم السياسات العامة للمنظومة التربوية
باعتباره ممثل للنقابة أعرب دزيري قائلا "كان صوتنا واحد في الكثير من القضايا التي لاحظناها نحن كفاعلين في الجانب التربوي والاجتماعي كنقابة وخبراء والأولياء الذين وقفوا معنا في هذا الأمر، و هي المرحلة التي نعيشها ونريد في المرحلة القادمة إعادة النظر في المناهج و البرامج و تأسيس المجلس الأعلى للتربية الذي يكون تابع لرئاسة الجمهورية وأن يتم ترسيم السياسات الكبرى العامة للمنظومة التربوية ".
أما بالنسبة للنظام التربوي الجزائري خاصة في مجال الرقمنة استرسل المتحدث ذاته قائلا "نشهد اليوم ثورة كبيرة في إطار الرقمنة و فيه أمل كبير للخروج كليا من العمل الكلاسيكي القديم بتوفير بعض الآليات والانترنت في المدارس الابتدائية و كل المؤسسات و توفير اللوازم الضرورية و إدخال برامج في إطار الرقمنة " مشيرا إلى أن العمل الجاري يعتبر معركة كبيرة متمنياً لها النجاح بتظافر الجهود.
و على صعيد آخر يعتقد أن تحديات كبيرة تنتظر المنظومة التربوية، التحدي الأول هو العمل على رفع مستوى المعلمين و الأستاذة و الرفع من مردود التلاميذ في العلم و العلوم و هذا يؤدي _حسب محدثنا_ لإعادة النظر في البرامج والمناهج بالشكل الذي يجعلهم أكثر تفاعلا في هذا الجانب.
التحدي الآخر هو بناء هياكل كافية وتحقيق الظروف الملائمة لتمدرس أبناءنا التلاميذ و القضاء على الاكتضاض و التركيز على المواد الأساسية و تعليم القراءة و الكتابة و الحساب و معالجة القضايا بشكل سريع لتأهيل الأجيال لتكون فعالة في مراحل التعليم القادمة وتكثيف التعليم عن طريق اللعب وهذا ناجح في الكثير من المدارس العالمية التي أصبحت قبلة للباحثين كفرلندا وسنغافورة.
و في كلمة أخيرة خصصها لسبل النهوض بالمدرسة الجزائرية، أوضح رئيس الاتحاد العام لعمال التربية والتكوين قائلا "كلما كنا في مصاف المدارس العالمية الناجحة وركزنا على هويتنا كأمة لها لغة وجذور وعقيدة في برامجنا، و غرس المواطنة الحقيقية وحب الوطن في أبناءنا كلما كسبنا الرهان إلى جانب كسب معركة العلم و التكنولوجيا سواء في الجامعات أو الذكاء الاصطناعي والبحوث العلمية، مع كسب معركة المدارس العالمية الناجحة.
ما بعد الاستقلال "الجزائر تتخطى العقبات ...وخطوات كبيرة نحو البناء"
ومن جهة أخرى وبعد 62 عاماً من الاستقلال، يجدد الشعب الجزائري عزمه وتمسكه بمواصلة مسيرة النضال والبناء بقيادة من صنعوا الانتصار يتقدمهم رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، وهو ملتف أكثر من أي وقت مضى حول استقلال وسيادة هذا الوطن، ليتمكن بفضل قيم الثورة المترسخة فيه أن يطبق استراتيجيات وطنية، تحافظ على قيم الجمهورية والحرية والسيادة.
وبهذا الشأن أكد رشيد مقدم أستاذ بجامعة الجزائر 2 أن الجزائر عندما تحصلت على استقلالها كان لابد من عقد اجتماع لجميع الأطياف السياسية بما فيها الحكومة المؤقته آن ذاك بمؤتمر طرابلس من 20 ماي إلى غاية 04 جوان 1962، وهذا بهدف إعادة بناء الجزائر، وتحديد الأسس المرجعية لها، حيث تم على اثره انتخاب أول رئيس للجزائر وهو الراحل أحمد بن بلة، والذي وجد تركةً ثقيلة للجزائر في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية التربوية وغيرها.
ولفت الأستاذ مقدم أن المعمرين قبل أن ينتقلوا إلى فرنسا قاموا بحرق كل المحاصيل الزراعية والمنشآت الاقتصادية وكذا تفريغ خزينة الدولة، فكان على أحمد بن بلة إيجاد حلول استعجالية للقضاء على المخلفات الفرنسية، أين اهتم الرئيس الراحل بالجانب الثقافي والاقتصادي، حيث أنه بعد الاستقلال كانت تعاني البلاد من بطالة كبيرة جداً والتي قدرها بعض المؤرخين بـ 2.5 مليون عاطل عن العمل، وكانت هناك هجرة كبيرة من الأرياف نحو المدن لأن الجيش الفرنسي دمر أكثر من 8000 قرية عن آخرها.
وأوضح أن بداية الإصلاحات كانت من الجانب التربوي حيث أعطى بن بلة الأوامر من أجل فتح مراكز الجيش كمدارس للتعليم وقام بجلب العديد من الأساتذة من دول مختلفة لتدريس التلاميذ، ثم قام بدمج العديد من الجزائريين في مختلف مؤسسات الدولة في الجيش وحراسة الغابات وغيرها من المهام للقضاء على البطالة، مشيراً إلى اصلاح المؤسسات الاقتصادية واصلاح الجانب الزراعي من خلال إصدار قانون التسيير الذاتي للأراضي الفلاحية سنة 1963، بالإضافة إلى قانون تعميم البنوك واصدار عملة الدينار الجزائري كبديل للفرنك الفرنسي، وتبني الفكر الاشتراكي كخطوة أولية لتسيير كل المؤسسات الاقتصادية وتأسيس شركة سوناطراك للاهتمام بالمحروقات الوطنية.
وتطرق الأستاذ بجامعة الجزائر 2 إلى عهدة الرئيس الراحل هواري بومدين، مبرزا أنه اتخذ استراتيجية جديدة متمثلة في دعم القضية الفلسطينية، حيث أن الجزائر كانت دائما تدعم القضية الفلسطينية، إذ أنه فتح أبوابه لحركة فتح من خلال إنشاء أول مكتب لها في الجزائر، وساند أيضا الثورة الفلسطينية المسلحة في سنة 1965، كما قام برفض كل المشاريع التي من شأنها أن تؤدي إلى هضم حقوق الشعب الفلسطيني، مؤكدا أن الجزائر عملت منذ استقلالها على مساندة حركات التحرر في العالم والوقوف إلى جانبها ونبذ الحركات الاستعمارية وبالأخص الاستعمار الاقتصادي الإمبريالي في منطقة افريقيا وآسيا وكل دول العالم الثالث.
أهمية الرجوع للتاريخ و الاهتمام بالذاكرة الوطنية
يقول المؤرخ و الدكتور علال بيتور أن التاريخ يمثل المجتمع والأمة وهو إرث عظيم و مهم ينبغي للأمة أن تستحضره في مختلف محطاتها ومراحلها لأنه يعطي قوة و شحنة نفسية ومعنوية للمجتمع من أجل النهوض، مؤكدا أن من لا يعرف ماضيه لا يستطيع فهم حاضره و لا استشراف مستقبله، لهذا يؤكد محدثنا أن الحياة محطات و التاريخ ينبغي استحضاره خاصة في المحطات الحاسمة التي تكون فيها الأمة معرضة لأزمات داخلية وخارجية وهذا معروف لدى كل الأمم.
أما عن المكاسب المحققة منذ استقلال الجزائر أوضح ذات المؤرخ أنه وبعد عقود من الزمن بدأت الجزائر تخطوا خطوات ثابتة نحو مستقبل زاهر لإعادة بناء هذه الأمة التي تعرضت للقهر والتخريب على مستوى النسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي، في حين عمل الاحتلال كل ما بوسعه لتحطيم هذه الأمة انطلاقا من تحطيم الدولة واسقاطها سياسياً ثم تخريب اقتصادها وتفتيت نسيجها الاجتماعي والثقافي.
و أكد بأن العمل الذي تقوم به الجزائر اليوم كبير وجبار قد لا يبدوا للبعض أنها تتقدم خطوات، و لكن في الحقيقة هي تتقدم نحو مستقبل زاهر.
و بالنسبة لكيفية بناء جيل واعي ومدرك بقضايا الوطن والتحديات الراهنة، كشف لنا علال بيتور أن لكل جيل قادته ومربوه ومن يشرف عليه لتحضيره ليقود المجتمع في المستقبل، وقال في هذا الشأن "المجاهدين قدمو مشعل التضحية ومشعل الشهادة والحرية لنبلغه للأجيال التي بين أيدينا على مستوى الندوات والنشاطات الاجتماعية و الثقافية في المدرسة و الجامعة وعلى مستوى الصحافة والسينما، كل هذه المؤسسات يجب أن تلعب دورها من أجل تحضير هذا الجيل لقيادة الأمة في المستقبل لأننا نحتاج غدا هذا الجيل الذي نبذل فيه الغالي و النفيس لأنه رأس مال الأمة".
أما بخصوص أوجه التشابه بين الثورة الجزائرية والمقاومة الفلسطينية، فأشار بيتور إلى أن المقاومة لا يمكن أن تقاس بالقدرة لأنها ستظهر لنا عاجزة عن تحقيق النصر، سواء كانت المقاومة الجزائرية مع الاحتلال الفرنسي أو المقاومة الفلسطينية مع الإحتلال الإسرائيلي البغيض، لكن المقاومة تملك الحق وصدق القضية والتفاني والتضحية التي لا يعرفها ولايدركها المحتل.
وفي هذا السياق يفيد محدثنا "منذ زمن قال بعض الصهاينة جئنا من كل بلاد لهذه الأرض لنموت" ولكن هؤلاء المقاومون يريدون أن يستشهدوا لإنقاض وطنهم والصهاينة جاءوا ليعيشوا في هذا الوطن، بدون شك أن النصر سيكون حليفهم، و لكن متى و كيف بثبات المقاومة و بدعمها و للأسف مرات يتخلى القريب و البعيد عن المقاومة، لكن ثبات هذه المقاومة هو نصر قريب من الله عز و جل".
نايت قاسي "الجزائر تحقق وثبة جديدة "
من ناحيته يكشف البروفيسور الياس نايت قاسي لبركة نيوز وهو المختص في التاريخ الحديث و المعاصر و المكلف بتسيير المتحف الوطني للمجاهد على مستوى وزارة المجاهدين و الحقوق ، أن الجزائر حققت وثبة كبيرة جدا بعد 1962 بالنظر إلى ما كانت تعيشه عشية الاستقلال من ركود في الحالة الاقتصادية وانتشار الجهل و الأمية و غيرها التي تعمد من خلالها المستدمر الفرنسي أن يترك الجزائريين في مستويات متأخرة و منهارة محاولا أن يربط الجزائريين في نقدهم وعلمهم وثقافتهم بما تركه من فكر استعماري غاشم.
كما يرى البروفيسور نايت قاسي أن ما تحقق من إنجازات خاصة في البنية التحتية و الجامعات و المجال الصحي و الاقتصادي و المنشآت الكبرى سيظهر بكل موضوعية لأن الجزائر حققت نوع من الاستمرارية، ولم يكن من المنصف مطالبة الجزائريين بتحقيق إنجازات ضخمة بعد 62 مباشرة لأن التحدي الأكبر كان تأمين فكرة وجود الجزائر كدولة مستقلة.
و في هذا الصدد ذكّر محدثنا بأن مرحلة العشرية السوداء كذلك أسقطت بضلالها على الكثير من المكتسبات والمسائل التي تحققت قبل 1989 و 1990، واليوم علينا قراءة هذا الأمر وعدم خلق ما يحاول البعض القيام به من خلال صراع الاجيال، وفي الحقيقة هناك تواصل للأجيال كل جيل يؤمن بما قدمه جيل سبقه ويحاول تقديم الأفضل فيجب الحفاظ على هذه الذاكرة مع المساهمة صناعة ذاكرة الأجيال المستقبلية.
الجزائر تفاوضت من أجل اعتراف كل الشعوب المستعمرة باستقلالها
ومن بين الدروس المستخلصة من تاريخ 5 جويلية 1962، أكد نايت قاسي أنها بذرة لذلك الزخم من القيم التي جاءت بها ثورة نوفمبر 1945 التي لم تكن ثورة محلية، وحتى عند مطالبة فرنسا وتم إعداد مشروع مشرف للخروج من الحالة الاستعمارية من خلال التفاوض لم تتفاوض الجزائر على استقلالها فقط بل من أجل اعتراف كل الشعوب المستعمرة باستقلالها.
كما أوضح محدثنا القيم التي نستصيغها من بيان أول نوفمبر أو من شيم من أعلنوا الثورة و قادوها أنهم كانوا يفكرون في الآخر رغم حالة الشدة و البأس، هذا ما جعل الثورة الجزائرية تستقطب اصدقاء من ربوع العالم من امريكا و آسيا و إفريقيا وأوروبا و حتى من المستعمر نفسه، وقال في هذا الشأن "كابرلار سمى الجزائر قبلة الأحرار ليس من عبث بل لما امتلكته الجزائر من حضور ديبلوماسي في الدفاع عن القضايا العادلة في المجتمع، والقيم التي بنيت عليها الديبلوماسية الجزائرية".
وحول بداية تأسيس ديبلوماسية جزائرية قوية، يروي ذات البروفيسور أن الديبلوماسي الجزائري أبدى في مفاوضاته مع المستعمر الفرنسي حالة من العبقرية الجزائرية التي تفجرت في 1954، حيث أكد الديبلوماسي الجزائري على مبادئ أساسية لتدوين القضية و التعريف بها عند الشعوب الصديقة وحلفاء المستعمر حيث استطاع الديبلوماسيين نزع حلفاء فرنسا، كما ذكّر بصديق الثورة الجزائرية، جورج كينيدي الرئيس الأمريكي السابق، الذي كان نائب في مجلس الشيوخ الأمريكي انذاك والذي وقف مع الثورة الجزائرية ضد حلفائه وهي فرنسا.
في حين جاءت اتفاقيات إفيان "يضيف محدثنا"، و مهما قيل عنها إلا أنها أبدت بما لا يدع مجالاً للشك عبقرية هذا الديبلوماسي في تعاطيه مع الأحداث والمعطيات، كل هؤلاء الدبلوماسيون لم يكونوا خريجي معاهد دبلوماسية عليا ولكنهم كانوا خريجي الوضع الجزائري والميدان وهذه العبقرية الجزائرية التي ما فتئت تنتجها الأم الجزائرية الولاّدة لمثل هؤلاء الأبطال.