بقلم: الحاج بن معمر
في السنوات الأخيرة، تحولت الجزائر إلى وجهة اقتصادية واستراتيجية كبرى لكل من الصين وروسيا، في ظل تحولات جيوسياسية متسارعة، وسباق عالمي على النفوذ في إفريقيا.
وبينما ترى الحكومة الجزائرية في هذه الشراكات رافعة قوية للتنمية وتنويع الاقتصاد بعيدًا عن التبعية للغرب وأسواق الطاقة التقليدية، يحذر بعض الخبراء من مخاطر الوقوع في فخاخ ديبلوماسية ومالية قد تضع البلاد أمام التزامات ثقيلة على المدى البعيد.
الجزائر، بثقلها الجغرافي والسياسي، تبدو محط أنظار بكين وموسكو، سواء عبر مشاريع البنية التحتية الضخمة أو عقود الطاقة والدفاع، أو عبر التواجد المتزايد في قطاع التكنولوجيا والتمويل.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد بوشارب إن "الجزائر تحتاج فعلًا إلى تنويع شركائها التجاريين، لكن عليها أن تدرك أن رأس المال الصيني والروسي لا يتحرك بدافع التضامن، بل بدافع المصلحة، وبالتالي، فإن صياغة عقود متوازنة تضمن السيادة الاقتصادية شرط أساسي لنجاح هذه الشراكات".
من جانب آخر، يرى الباحث في العلاقات الدولية الأستاذ ناصر حمدان أن "الصين وروسيا تسعيان لفرض نموذج جديد من الدبلوماسية الاقتصادية، يقوم على مبدأ المقايضة بين الموارد الطبيعية والدعم السياسي. هذا ما يجعل أي شراكة معهما تنطوي على أبعاد استراتيجية معقدة، حيث يصبح الاقتصاد مجرد أداة في لعبة نفوذ دولية أكبر".
في المقابل، يشير الخبير المالي يوسف بن عمر إلى أن الجزائر يمكنها أن تستفيد من تمويلات البنوك الصينية بأسعار فائدة أقل من نظيراتها الأوروبية، ومن التكنولوجيا الروسية في مجالات الطاقة والبتروكيماويات.
لكنه يضيف: "إذا لم تُصغ العقود وفق رؤية جزائرية طويلة الأمد، فقد نجد أنفسنا أمام حالة إعادة إنتاج التبعية، ولكن هذه المرة نحو الشرق بدل الغرب".
الرهان الحقيقي إذن لا يكمن في توقيع الاتفاقيات بقدر ما يكمن في قدرة الجزائر على تحويل هذه الشراكات إلى محرك لنقل التكنولوجيا وبناء قاعدة صناعية محلية.
فكما يؤكد الاقتصادي عبد القادر بلقاسم: "المطلوب أن تكون هذه المشاريع ذات قيمة مضافة داخل الاقتصاد الجزائري، لا مجرد عمليات استيراد مؤطرة بعناوين الشراكة".
في ظل هذا الواقع، يبقى السؤال مطروحًا بإلحاح: هل ستتمكن الجزائر من تحويل التعاون مع الصين وروسيا إلى فرص استراتيجية لتعزيز التنمية المستدامة، أم أنها ستجد نفسها في مواجهة فخاخ ديبلوماسية واقتصادية تقيّد حركتها وتضعها في موقع التابع ضمن لعبة الأمم الكبرى؟