489

0

المؤمن الذّاكر أسبق النّاس إلى الخيرات

بقلم الأستاذ سيد علي دعاس  

الصَّائِمُونَ أَكْثَرَ النَّاسِ ذِكْرًا للّه عَزَّ وَجَلَّ... تَسْبِيحًا وَتَهْلِيلًا وَتَكْبِيرًا وَاِسْتِغْفَارًا...

إِذَا طَالَ النّهارُ عَلىَ الصّائِمِينَ قصَّرُوهُ بِالأَذْكَار، وَإِذَا آلَمَهُمْ الجوُعُ أَذْهَبَتْ حَرَارَتَهُ الأَذْكَار... فَهُمْ في ذِكْرِهِمْ فِي مُتْعَة، وَفي تَسْبِيحِهِم فِي سَعَادَة.

يَذْكُرُونَ اللهَ فَيَذْكُرَهُمْ... أَلَيْسَ هُوَ القَائِل: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ"؟![1]... أَمَرَنا اللَّهُ – تَعَالَى- بشكره، ووَعَدنا عَلَى شُكْرِهِ بِمَزِيدِ الْخَيْرِ فَقَالَ: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ".[2]

 

الصَّائِمُونَ الصَّادِقُونَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِم... الصَّائِمُونَ الصّادِقُونَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ، وَتَسْعَدُ أَرْوَاحُهُمْ بِحُبِّ الله، وَتَرْتَاحُ نُفُوسُهُمْ بِالشَّوْقِ إِلَى اللهِ... فقَدْ صَحّ عَنْهُ - صَلَىّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَال: "مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ".[3]

وقال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ. قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ".[4]

إنّ الصَّائِم الذَّاكِر أَسْبَقُ النَّاسِ إِلَى الخَيَرَاتِ... سَرِيعٌ إِلَى الجَنَّة... بَعيِدٌ عَن النَّارِ... سِجِلاَّتُهُ مَلِيئَةً بِالحَسَنَاتِ... مُفْعَمَةً بِالخَيَرَاتِ...

ولمّا جاء أعرابيَّانِ إلى النَّبيِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فقال أحَدُهما: يا رسولَ اللهِ أخبِرْني بأمرٍ أتشبَّثُ به قال: "لا يزالُ لسانُكَ رطبًا مِن ذِكْرِ اللهِ".[5]

فهذَا التَّعْبِيرُ جَمِيلٌ كُلَّ الجَمَالِ... غَايَةٌ فِي الرَّوْعَة... نِهَايَةٌ فِي الإِبْدَاعِ...

كَيْفَ يَجُوعُ الصَّائِمُ وَهُوَ يَذْكُرُ اللَهَ دَائِمًا؟

كَيْفَ يَظْمَأُ الصَّائِمُ وَهُوَ يُسَبِّحُ بِحَمْدِ اللِه أَبَدَا...؟

الذَّاكِرُونَ الله كَثِيرًا هُم الّذِينَ يَذْكُرُونَهُ مَعَ خُرُوجِ الأَنْفَاسِ وَتلَاقِي الشَّفَتَيْنِ وَتَعَاقُبِ اللَّحَظَات...

إِذَا أَعْرَض بَعْضُ المُقَصِّرِينَ عَنْ ذِكْرِ رَبِّ العَالَمِينْ، واِجْتَاحَتْهُم الهُمُومُ وَأَحْدَقَتْ بِهِمْ الغُمُوُم، وَتَوَالَتْ عَلَيْهِمْ الأَحْزَانُ... فعِنْدَهُمْ الدَّوَاءُ العِلَاجُ... وَلكِنْ مَا عَرَفُوهُ... أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوب... أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوب.

وعنْ جابرٍ -رضي الله عنه-، عَنِ النبي ﷺ قَالَ: منْ قَالَ: "سُبْحانَ اللَّهِ وبحَمدِهِ، غُرِستْ لهُ نَخْلَةٌ في الجَنَّةِ".[6] فَكَمْ يُفَوِّتُ أَهْل النَّوْمِ الثَّقِيلِ والعَبَثِ الطَّوِيل على أنفسهم من نخيل الجنّة؟!

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللَّه، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ".[7]

مَاِهَي الدُّنْيَا؟ وَمَا هُوَ ذَهَبُهَا؟ ومَا هِيَ فِضَّتُهَا؟ كيف هي قُصُورُهَا وَدُورُهَا؟

هَكَذَا يَزِنُهَا -عَلَيْهِ الصَّلَاُة وَالسَّلَاُم- وَيُثَمِّنُهَا... فَكُلُّ مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشّمْسُ لَا يُسَاوِي عند الله "سُبْحَانَ اللهِ، وَلَا ِإلَهَ إلَا الله، واللهُ أكبرْ".

فَهَلْ مِنْ ذَاكِرٍ يَمْلَلاُ سَاعَاتِهِ بِهَذِهِ الكَلِمَاتِ الغَالِيَاتِ؟ لِيَجِدَهَا يَوْمَ العَرْضِ الأَكْبَرِ نُورًا وَسرُوُرًا.

ومن أحاديث الأذكار، قوله ﷺ مُخاطبًا أصحابه وأُمَّته من بعدهم: "ألا أُنبِّئُكم بخيرِ أعمالِكم، وأزكاها عند مَليكِكم، وأرفعِها في درجاتِكم، وخيرٍ لكم من إنفاقِ الذَّهبِ والوَرِقِ، وخيرٍ لكم من أن تَلْقَوا عدوَّكم فتضرِبوا أعناقَهم، ويضرِبوا أعناقَكم"؟ قالوا: بلى. قال: "ذكرُ الله"ِ.[8]

فقوله ﷺ: ألا أُنبئكم بخير أعمالكم أي: أُخبركم هذا الخبر الذي له خطبٌ وشأنٌ؛ لأنَّ النَّبأ إنما يُقال للخبر الذي له شأنٌ، ولا يُقال ذلك لكل خبرٍ، فالنَّبأ خبرٌ خاصٌّ، خبرٌ له أهمية، ولما كان هذا الأمرُ بهذه المنزلة، وله هذه الأهمية؛ عبَّر عنه بذلك، فقال: ألا أُنبئكم؟

إِنَّ المُقَصِّرَ كُلَّ التَّقْصِيرِ مَنْ فَاتَهُ رَمَضَان وَلَمْ يَسْعَدْ فِيهِ بِذِكْرِ رَبِّهِ، وَلَمْ يَصْرِفْ سَاعَاتِهِ فِي تَسْبِيحِ مَوْلَاه...

فَهَلْ مِنْ مُثَابِرٍ يَغْتَنِمُ أَنْفَاسَ عُمْرِه في قليل من ذكر الله؟



[1]  سورة البقرة/152

[2]  سورة إبراهيم/7

[3]  رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري.

[4]  رواه مسلم عن أبي هريرة

[5]  أخرجه الترمذي في "سننه" باب ما جاء في فضل الذكر، وصححه الألبانيُّ في "صحيح الجامع" عن عبد الله بن بسر – رضي الله عنه-.

[6]  رواه الترمذي وَقالَ: حديث حسنٌ.

[7]  رواه مسلم

[8]  أخرجه الترمذي في "سننه": باب ما جاء في فضل الذكر، وصحّحه الألباني في "مشكاة المصابيح".

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services