1285

0

المولد النبوي الشريف "من منظور السننية الشاملة " قراءات معاصرة متجددة واجتهادات للأجيال ..

 

محمد مصطفى حابس: جينيف / سويسرا

 

ونحن على أبواب عيد المولد النبوي الشريف لعام 1445 هـ ، لا زالت تستوقفني كالعادة كل سنة في مثل هذا الوقت بعض سلوكات بعض المتفيهقين من بني قومنا في بلاد المسلمين متناسين أن للغرب مجتهديه و فقهائه  ومراجعه أيضا، يعرفون  تمام  المعرفة أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال، وأن اختلاف الأزمنة والأمكنة وما حوتها من أنواع التغير فإنه لا يسوغ القول بتغير الأحكام الشرعية الأساسية، فما كان حلالا في عصر الوحي حلال أبدا، والحرام يبقى كما هو ولن ينقلب حلالا أبدا، إن الخمر، والميسر، والزنا، والربا، والسرقة، وما أشبه ذلك من المحرمات الثابتة والمعلومة من الدين بالضرورة؛ كلها سيئة عند ﷲ عز وجل وعند المؤمنين، وغير قابلة للتغير بتغير الزمان والمكان، وأما الأحكام التي سبيلها الاجتهاد لعدم ورود النص لتوضيحها، فإنها قد تقبل التغيير، وهو المراد بقاعدة تغير الفتوى، التي لا يجوز إنكارها، وقد كتب العديد من أساتذتنا و مشايخنا و أئمتنا في الموضوع و قتلوه بحثا منذ عقود و عقود، و حتى المتطفلين مثل كاتب هذه السطور كانت له صولات و جولات في الموضوع، وله عدة مقالات و أعمدة للنصح  والصفح نقلا عن علماء عارفين بخبايا الغرب وخصوصياته كالشيخ فيصل مولوي الذي عاش في فرنسا، وقبله من علماء المغرب الإسلامي كالإمام العلامة محود بوزوزو و ما ذهب اليه الشيخان الإمامان بن باديس والإبراهيمي، وقد كنا قد كتبنا مقالا نقلا عن فتاويهما هما بعنون: " هذا ما قاله الشيخان في إحياء المولد النبوي الشريف.. فعلى علماء المشرق أن يتعلموا من المغرب"، مبينين بضوابط أن الاحتفال جائز شرعاً ولو لم يكن له أصل عند السلف أي لم يقم به الصحابة والتابعون، و نشرت المقالات التوضيحية في يوميات عديدة منها أسبوعية البصائر:

https://elbassair.dz/4159/

وكذا كتبنا مواضيع أخرى حول المولد 

المولد و الميلاد نقلا عن فتاوى المجلس الأوروبي للإفتاء في ذات المسألة، وهو مؤسسة إسلامية علمية معتبرة بها كفاءات وازنة، منها على سبيل الذكر لا الحصر، مقالنا:

:"هدي العباد في مسألة الاحتفال بمولد خير العباد"، المنشور في عدد من الجرائد منهاwww.maghress.com/al3omk/27173

Conseils aux serviteurs (de Dieu) concernant la question de la célébration de la naissance du meilleur des serviteurs

 و مقالنا بعنوان " المولد و الميلاد سجال متجدد بين بني قومنا، فمتى يتبدد ؟ "، المنشور في عدد من الجرائد منها، صوت الوطن :

pulpit.alwatanvoice.com/content/print/479052.html

"La naissance du Prophète et la naissance du Christ, que la paix soit sur eux, sont un débat renouvelé au sein de notre peuple. Quand va-t-il se dissiper ?"

و مقالنا " للإنسانية قاطبة على اختلاف معتقداتهم.. عامكم سعيد وعمر مديد "، "، المنشور في عدد من الجرائد منها العمق المغربي:

www.maghress.com/al3omk/711503

A l'humanité dans son ensemble, quelles que soient ses différentes croyances... Bonne année et longue vie

وغيرها كثير ..
 هذا تذكير عابر لا غير، لكي يعود اليها من رغب من شبابنا في الاستزادة من أرشيف هذه الجرائد ومواقع  التواصل الاجتماعي، التي كثيرا ما خففت علينا عبء الاعادة و التكرار في مثل هذه المناسبات..

 

لا عجب فحتى شعراء النصارى مدحوا محمد مصطفى صلى الله عليه وسلم:

 

زيد على ذلك فالقارئ  في الشعر العربي  يعلم بأن المدائح النبوية قد تطورت غرضا مستقلا او فنا مستقرا عبر العصور في مراقي التطوّر كسائر العلوم والفنون الأدبية. وقد شارك في هذا التطوّر  والرقي شعراء كبار حتى لا يوجد شاعر من الشعراء المسلمين إلا وكان أحد أغراض شعره مديح النبي صلى الله عليه وسلم. وليس من الغريب العجيب أن تكون شخصية النبي صلى الله عليه وسلم محل إعجاب او تقدير للمسلمين، لأن هذا أمر طبيعي يتعلق بعقائدهم. ولكن العجيب حقا أن نجد هذا التعظيم والتبجيل لشخصية النبي صلى الله عليه وسلم لدى بعض الشعراء غير المسلمين وعند المسيحيين العرب خاصة في العصر الحديث !!

شعراء نصارى العرب مدحوا محمد مصطفى صلى الله عليه وسلم في اشعارهم وقصائدهم، "انهم لم يستطيعوا كتمان الحقيقة"- كما قال بعضهم-  رغم مخالفتهم لعقائده نطقوا بأحسن الكلمات في حق سيد البشر صلى الله عليه وسلم، وعددهم غير قليل ومن أشهرهم ميخائيل ويردي وقصيدته ’’وحي البردة ‘‘. وهي قصيدة مشهورة تعتبر اول قصيدة تعارض قصيدة البردة للإمام البوصيري في مدح النبي صلى الله عليه وسلم من شعراء النصارى العرب في العصر الجديد !!.

ميخائيل بن خليل خير الله ويردي شاعر سوري وموسيقى مشهور(1904-1978) وقد ولد في دمشق وتوفي فيها. وهو في قصيدته هذه يعبر عن انفعالاته ومشاعره بصدق وعفوية بعيدا عن التكلف والتزيد. وجاءت هذه القصيدة في مئة وخمسة وعشرين بيتا، حيث يبدأ قصيدته مادحا:

 أنوار هادي الورى في كعـبة الحـرم *** فاضت على ذكر جيران بذي سلم

الى ان يقول :

واجعلْ هواكَ رسولَ اللهِ تلقَ بهِ***يوم الحسابِ شفيعا فائق الكرم

هذا رسولُ الهدى فارشُفْ على ظمإٍ***من وِردِه العذبِ عطفاً شاقَ كلَّ ظَمِي

كأنَّما قلبُهُ ينبوعُ مرحمةٍ***مستبشرٌ بالرّؤى جذلانُ بالنّسم

حتى يختم قصيدته بقوله :

    صـلـى الإلـه عـلـى ذكـراك مـمـتـدحا ***  حـتـى تــؤم صـلاة الـبـعـث بـالأمـم

ومطلعها يعرض فيها مآثر العرب والإسلام وما اصطفى الله به رسوله الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق وحميد الصفات وطيب النفس وما جاء به من مبادئ إنسانية وسنن خالدة وما دعا إليه من تعاليم سمحة، لو اتبعها الناس لما ضلوا سواء السبيل، ثم يذكر محاسن الرسول ويعبر عن حبه له والذي يصل به إلى حد العشق ويفخر بممدوحه

 السننية الشاملة في موضوع الاحتفاء المولد النبوي الشريف

 

وبعيدا عن الشعر والشعراء، وعن فتاوى تحريم الاحتفاء بالمولد النبوي التي لاحقتنا حتى في ديار الغرب من أناس ليس لهم لا في العير ولا في النفير، استوقفتني هذا الأسبوع رسالة كتبها أستاذنا الكبير الدكتور الطيب برغوث عن "مشروع السننية الشاملة" في موضوع المولد النبوي الشريف، منذ سنة خلت تحديدا، ردا عن طلب جمعية جزائرية ووجدت فيها لفتات غاية في الأهمية، لم أطلع عليها من قبل عند غيره من معاصرينا، حيث كتب يقول حفظه الله :"

أشكر إخواني الأعزاء في " جمعية القلم " بولاية المدية ( الجزائر)، الذين اقترح علي بعضهم أن أتناول المولد النبوي الشريف من منظور السننية الشاملة، وهو اقتراح وجيه جدا، يدخل في صميم اهتماماتي وأهتمامات " أكاديمية الثقافة السننية للتجديد الحضاري " التي تشرفت بالمساهمة في إنشائها، وأتمنى أن تجد من يحتضنها من النخب الفكرية وأهل الخير، لكي تقدم مساهمتها في تجديد الفكر الإسلامي والإنساني، وفي دعم حركة التجديد الحضاري الذي تتطلبه حياة المسلمين المعاصرة، لكي يخرجوا من مستنقع الضعف والتخلف والغثائية والتبعية الحضارية المذلة، التي تطحنهم منذ زمن طويل، وبلغت مداها في النسخة الجديدة من دول الطوائف التي نعيش فيها الآن، والتي يتسابق المتغلبون عليها لتقديم فروض الولاء والطاعة لخصومهم ومذليهم، وكأنهم أصيببوا بمرض المازوخية أو المازوشية

masochism

" " الذي يشعر فيه صاحبه بلذة ومتعة الإذلال له، أو ما يسميه العلامة مولود قاسم " بمركب المركوبية "، مع الأسف الشديد! فهناك بشر مسكونون بالقابلية للاستذلال، قد مسخت إنسانيتهم، وأصبحوا جنسا ثالثا كما يقال

فالدراسة أو القراءة السننية الشاملة للسيرة النبوية الشريفة، هي المرحلة العليا التي ينبغي أن تستشرفها العلاقة المعرفية والمنهجية والتربوية بالسيرة النبوية بشكل مستمر، وأن تقترب منها أو تصل إليها، لكي تتوهج هذه السيرة في حياة المسلمين خاصة وحياة الناس عامة، لأنها الدراسة التي تبرز نواحي الغنى والتميز والقوة والعظمة والخيرية والبركة والرحمة الكونية العامة في هذه السيرة الشريفة، للقدوة العليا للبشر، سيدنا محمد (ص).

فالدراسة السننية الشاملة للسيرة النبوية، هي الدراسة التي تمكننا من الجمع بين القراءت الجزئية أو التجزيئية لها، وتحقيق القراءة والعلاقة الكلية الشاملة المطلوبة، التي أتصور بأنها ستعطي للسيرة النبوية الشريفة طعما وروحا وقوة وفعالية جديدة، وهو ما ينبغي أن تركز عليه مناهج الدراسات الجديدة للسيرة، وتعتبره المرحلة الأكثر أهمية في منهج القراءة والدراسة لها.

وبالرغم مما أنجز من دراسات تحليلية كثيرة في مجال القراءة السننية التكاملية للسيرة النبوية، إلا أنها في رأيي ما تزال تدور في نطاق القراءات الجزئية رغم أهميتها الكبيرة. ومن أجل الاستفادة من هذه القراءات الجزئية، نحتاج إلى بناء منظور سنني كوني شامل في فلسفة التاريخ والحضارة، أو فلسفة الاستخلاف البشري في الأرض، ندرس ونقرأ في ضوئه حركة السيرة النبوية الشريفة، وحركة النبوات، وحركة التاريخ عامة، ونقرأ ونفسر في ضوئه القرآن الكريم، ونقرأ ونشرح في ضوئه السنة االنبوية الشريفة، ونقرأ ونجدد في ضوئه الفكر الإسلامي، ونقرأ ونستثمر في ضوئه ما في الخبرة البشرية من رشد وحكمة.. وهكذا دواليك .

وهذا المنظور موجود في القرآن الكريم، وهو ما أسميته في دراسات كثيرة سابقة، " بمنظور السننية الشاملة " الذي يؤكد لنا بأن حركة المداولة الحضارية التي تهيمن على الصيرورات التاريخية لحركة الاستخلاف البشري في الأرض، يحكمها قانون " المدافعة والتجديد " بشكل مطرد. ( ...)

ورفع مستوى فعالية المدافعة الثقافية والاجتماعية والحضارية للأفراد والمجتمعات والدول والأمم والحضارات، مرتبط جذريا " بقانون التجديد "، فمن حقق تجديده المعرفي والنفسي والروحي والثقافي والسلوكي والاجتماعي والحضاري الشامل والمتكامل، رفع مستوى فعالية مدافعته الحضارية، وحقق بالتالي نهضته ومداولته الحضارية، ومن عجز عن تحقيق ذلك، ضعفت مدافعته الحضارية، وتقهقرت نهضته ومداولته الحضارية، وعظه ناب الغثائية والتبعية الحضارية المذلة.

 

الإحتفاء بالمولد النبوي الشريف، دراسة وفهما و تطبيقا :

هكذا ينبغي - حسب المفكر الجزائري - أن نقرأ السيرة النبوية الشريفة، وأن ندرسها ونفهمها، ونقيم علاقتنا الصحيحة المثمرة بها، وأن نقدم للأجيال والعالم هذه السيرة العظيمة، وهذا النبي العظيم، وهذا الإسلام العظيم، وهذه الحضارة الإسلامية العظيمة التي قامت على هذا الأساس ردحا طويلا من الزمن، وكانت خير حضارة عالمية أخرجت للناس، تكاملت فيها الفعالية والخيرية والبركة والرحمة الكونية العامة، بشكل متميز، حتى قال غوستاف لبون فيلسوف التاريخ والحضارة الشهير : " لم يعرف التاريخ فاتحا أرحم من العرب "، أي من المسلمين.

وبهذه المناسبة- يقول الدكتور برغوث- أقترح على إخواني الأعزاء في " جمعية القلم"، وعلى كل من يهتمون بالاحتفاء بالمولد النبوي الشريف، أو بالهجرة النبوية، أو بدراسة السيرة عامة، أن يحتفوا بالمولد النبوي الشريف هذا العام، بندوة أو ملتقى أو مدارسة أو كتابة حول: " منهج السيرة النبوية في الإدارة السننية الشاملة للحياة"، ويركز فيه على المحاور التالية:

منهج الإدارة السننية الشاملة للنفس في السيرة النبوية الشريفة.

منهج الإدارة السننية الشاملة للدولة في السيرة النبوية الشريفة.

منهج الإدارة السننية الشاملة للمجتمع في السيرة البوية الشريفة.

منهج الإدارة السننية الشاملة للعلاقات الدولية في السيرة النبوية الشريفة.

منهج الإدارة السننية الشاملة للعلاقة بالمكونات الكونية في السيرة النبوية الشريفة.

 

وفي خاتمة الرسالة، كتب المفكر الطيب برغوث :"  أدعو الله تعالى أن يوفقنا جميعا لأحسن المناهج وأنفعها، في فهم القرآن والسنة والسيرة النبوية الشريفة، وتجديد علاقتنا بها، والانتفاع بذلك في إدارة حياتنا في كل اتجاهاتها ومستوياتها المختلفة، إدارة فعالة متوازنة، تعيننا على رفع مستوى فعالية مدافعتنا الثقافية والاجتماعية والحضارية، وتحقيق نهضتنا ومداولتنا الحضارية المرجوة التي طال أمدها، والتي بدونها ستزداد محننا وآلامنا وامتهاناتنا لا قدر الله " .. و بالله التوفيق..

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services