52

0

المخيم يلغى... والمشروع النبيل ينفذ بقرار مستفز!

بقلم: الحاج شريفي 

الطفل في ولاية سعيدة، لا بحر في انتظاره، ولا ملاه تنسيه قسوة الجدران، ولا حديقة تخاطب براءته بلغة الألوان. كل ما كان يملكه، منذ سنوات، هو المخيم الصيفي. ذلك المتنفس السنوي الذي — رغم بساطته — كان يعيد ترتيب توازن الطفل النفسي والاجتماعي، ويمنحه لحظات نادرة من الفرح الجماعي المنظم.

هذا الصيف، غابت الخيام، وغاب البحر، وغابت الضحكة.
والمبرر كان واضحا وصريحا: اقتناء شاحنة متنقلة للتبرع بالدم... بدلا من تنظيم المخيمات الصيفية.

القرار صدر عن المجلس الشعبي الولائي، وجاء كما لو أنه "تعديل إداري"، لكنه في الحقيقة تعديل في فلسفة التعامل مع الطفولة.

دعونا نكون واضحين:
نحن مع التبرع بالدم، ومع ثقافته الإنسانية النبيلة التي طالما تجذرت في وجدان المواطن السعيدي البسيط.
نحن مع الشاحنة المتنقلة التي تنقذ الأرواح وتدعم جاهزية المستشفيات، خاصة في ولاية تعاني من نقص في الهياكل الصحية.
لكن السؤال هو:
هل كان من الضروري أن يأتي هذا المشروع على حساب المخيم؟
وهل حق الطفل في لحظة فرح أصبح أقل أهمية من أي مشروع آخر؟

الاختيار بين الشاحنة والمخيم لم يكن عادلا.
بل لم يكن ضروريّا أصلا.
كان بالإمكان تمويل الشاحنة من موارد أخرى، أو من برامج دعم متعددة، دون أن يلغى المخيم الذي يخدم آلاف الأطفال، ويسهم في صناعة ذكريات عمر لا تعوّض.

ولاية سعيدة ليست من الولايات السياحية الغنية بالمرافق الترفيهية.
هي منطقة داخلية تحتاج إلى أن يعامل فيها الطفل كأولوية لا كخيار قابل للحذف.
وفي ظل هذا الواقع، كان المخيم الصيفي هو "الحق البسيط" الذي يرمم هشاشة الطفولة... ولو لأيام.

الأدهى من القرار، هو الصمت الذي رافقه.
لا تفسير اجتماعي، ولا نقاش علني، ولا بدائل مقترحة.
كأن الأمر لا يخصّ مجتمعا بأكمله، وكأن ضحكة الطفل يمكن شطبها ببساطة من دفتر الميزانية.

الثقة في الشارع السعيدي عالية، وهو يقدر أهمية التبرع بالدم. لكن هذا الشارع نفسه، لن يقبل أن يعامل أطفاله وكأنهم فائض سهل الحذف، أو أرقام هامشية تلغى عند أول عجز.

نحن أمام لحظة تحتاج إلى مراجعة.
ليس في قيمة الشاحنة، بل في منهج التفكير.
هل نحكم على الأولويات ببرودة الأرقام؟
أم بنظرة شاملة تحفظ التوازن بين الصحة النفسية والجسدية، بين الطفل والبالغ، بين الحاضر والمستقبل؟

ما نحتاجه ليس استعادة المخيم فقط، بل استعادة المنطق في إدارة شؤون الناس.
المشاريع لا يجب أن تتزاحم، بل أن تتكامل.
والطفل... لا يجب أن يكون ضحية السياسات القصيرة النظر.

لأن الضحكة إذا أُلغيت اليوم،
فمن يضمن أن تعود غدا؟

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services