136

0

المجتمع المدني .. بين الممارسات الديمقراطية والاعتبارات التاريخية

 

لا يزال الحديث عن المجتمع المدني في الجزائر مرهون بعدة تحديات تتحكم في نجاعته، ولعل أهمها التكوين والتخصص، الذي يضع الممارسات الاجتماعية لعمل المنظمات والجمعيات ومختلف التكتلات في موقع اشكال كبير، ورغم وجود الفكرة و رغم الايمان التام بها ، الا ان قلة الخبرة في التسيير و التكوين وكذا  نقص الثقافة القانونية  جعل من العمل الجمعوي يفتقر للاحترافية.

شيماء منصور بوناب

وفي هذا الصدد ابرز محمد عيساوي، رئيس منظمة حمايتك ان عمل المجتمع المدني بات يخضع لبنود  الشكليات  التي أصبحت عملا ممتهنا داخل التنظيمات الجمعوية، الغاية منها إعطاء طابع الأهمية الوهمي في مواقع التواصل الاجتماعي، مثلا "عبر اخذ صورة مع مسؤول معين او شخصية مشهورة كنوع من أنواع التظاهر " الذي يوضح أن هذه التصرفات من شأنها احباط الهيكل القاعدي للجمعيات فقط دون غاية .

وبالتالي فعندما نتكلم  عن المجتمع المدني ومؤسساته علينا الحديث عن  أهميته في التنشئة و في السياسات العمومية  باعتباره من اهم الفواعل المشاركة في صنع المشهد الوطني وفي بناء الاجيال والمستقبل رغم كونه عمل تطوعي بالدرجة الأولى.

وفي ذلك قال عرعار عبد الرحمان رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الأطفال، أن  المجتمع المدني الجزائري عبر التاريخ مبني على العمل  الخيري المشترك، والذي تطور تلقائيا ليصبح أكثر ديناميكية وحركية تجمع كل الايديولوجيات الدينية و السياسية و الفكرية، باعتباره   عمل تطوعي و عمل خيري نابع من قناعة الأشخاص و  من التزامهم، كما انه يخضع الان لتنظيم المؤسسات الهيكلي  بعد ان اصبح اكثر حكامة .

من جانبه أوضح عبد المجيد بيرم رئيس جمعية العلماء المسلمين سابقا، ان أهمية العمل الجمعوي ظهرت موازاة مع السياقات التاريخية للعلامة عبد الحميد ابن باديس، الذي ادرك بدوره  أهمية هذا العمل وبنى عليه معتقداته لتكريس روافد المجتمع و لتطوير الجبهة الداخلية للامة  عبر التأثير الإيجابي في كل الفئات من عدة جوانب ، ابرزها الجوانب القيمية و العلمية التعليمية ، ذلك برفقة الجانب الديني العقائدي الذي يعد الركيزة الأساسية للمجتمع.

وهو ما يعكس أهمية المجتمع المدني كرافد أساسي وداعم لما تقوم به الدولة من خلال العمل الفعال لمؤسساته.

 

المجتمع المدني.... جذور تاريخية طويلة بطشها الاستدمار الفرنسي

 

بالعودة الى  الحقبة الاستعمارية  قال بيرم، أن الجهد كان منصبا على المجتمع المدني لان مؤسسات فرنسا لم تكن في خدمة الشعب الجزائري بل في خدمة مصالحها، وعلى اثر ذلك ضاعف علماء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الجهود ليكونوا بديل لدعم المجتمع الجزائري.

وتثمينا لذلك كشف عرعار ان اول نواة تم تفكيكها  في الجزائر فور دخول المستدمر الفرنسي، هي العمليات التطوعية الجمعوية،  التي كانت في تلك الفترة بقيادة الشيوخ و العلماء الذين سهرو آنذاك على خدمة  المعوزين والمسنين والمطلقات والعائلة  المحتاجة.

 وتابع ، ان الاستعمار الفرنسي ادرك بان قوة المجتمع  تكمل في التجمعات التي تعتبر فيها  جمعية علماء المسلمين  واتحاد الطلبة وكذا الكشافة الإسلامية الجزائرية احد اهم و اول التنظيمات في ذلك الوقت والتي عملت على استرجاع  الموقف الوطني في التحرر.

 مؤكدا ان حركات التحرر في الجزائر كانت نابعة من المجتمع المدني و حتى بالنسبة للأحزاب السياسة التي تعد هي الأخرى  جزء من المجتمع المدني  لان الإرادة السياسية كانت الفاعل الرئيسي الذي  ينشر الوعي  التحرري.

مستذكرا ان القيادات الجزائرية كانوا أعضاء في المجتمع المدني بالضبط تحت لواء الكشافة الإسلامية،  من بينهم أعضاء  المجموعة 22 ، الذين تصادموا في تلك الفترة  بضغوطات  من المستعمر في اطار ممارستهم نشاطهم الجمعوي.

واقع العمل الجمعوي في فترة الحزب الواحد

 وفي هذا المجال كشف عرعار ان قانون الجمعيات في تلك الفترة  كان عبارة عن اجراء فقط ولكن  في عمق القانون عند الاستعمار الفرنسي كان قمع لهذه الحركات  و المنظمات والجمعيات التي كانت تنقل صوت الاستقلال.

 وبالإشارة الى الحزب الواحد الذي أنشأ منظمات في اتجاه واحد كاختيار قبله الشعب الجزائري وتعامل معه كواقع  باعتباره اختيار سياسي لا مجال للنقاش فيه، ومع ذلك كانت  المنظمات في اطار الحزب واحد على غرار منظمة اتحاد الشبيبة او الحركة الكشفية التي كانت جزء من اتحاد الشباب والطلبة والنساء والفلاحين و العمال الاخرين ،  قد قدموا دورا كبيرا على المستوى الوطني في مجال التنمية وغيرها من السياقات.

من الأحادية الحزبية الى  العشرية السوداء .... المجتمع المدني تحت رحمة الإرهاب

 بعد تلك الفترة لفت عرعار   الى ان استخلاص الدروس  من فترة الحزب الواحد كان استجابة للحاجة المجتمعية لتقييم المسارات التاريخية وبناء المستقبل للشعب،  وفق ما تمليه الديمقراطية التي فتحت المجال  لممارسة  الحريات الجماعية  والفردية .

 عرف المجتمع المدني اصطدام حاد مع الإرهاب الذي قلب موازين الحياة العامة  رغم الثبات على الموقف الوطني، الذي تمكن من خلاله الشعب الجزائري الخروج من الازمة بفضل الإرادة السياسية و قوة الشعب الموحدة .

موضحا أنه منذ سنة  1989إلى غاية تقريبا 2002/2003 حين دخلت الجزائر في المصالحة الوطنية و أصبحت أكثر استقرارا ، باتت ممارسة  الحقوق الجماعية اكثر انفتاحا  مقارنة بما عهدنا عليه.

مشيرا ان ما عاشه المجتمع المدني بسبب الاستعمار ثم بداية الاستقلال وبعدها العشرية السوداء و كذا الحزب الواحد و غيرها من الاحداث ، كلها محطات اثرت في سياقاته و بنيته و تكوينه

2020 محطة مفصلية في حياة المجتمع المدني

في هذا الشأن قال عرعار  ان سنة 2020  كانت باب الفرج للمجتمع المدني حين تم استحداث المرصد الوطني للمجتمع المدني كهيئة استشرافية تعمل وفق ما تمليه  اهتمامات  الدولة الجزائرية ومؤسساتها تحت اشراف السيد عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية.

 وأضاف، المجتمع المدني اصبح  شريك لمؤسسات الدولة ، بما فيها المرصد الذي يعمل على اعطاء نفس جديد  لقانون الجمعيات وكذا ترقيه دور المجتمع المدني وليس التضييق عليه.

تدعيما لذلك أوضح ياسين تاج الدين بوهريرة رئيس مؤسسة شباب الجزائر، انه قبل 2020  كان المجتمع المدني تحت رحمة البيروقراطية  و القرارات الإدارية ، لكن بقدوم السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، انقلبت الطاولة للجهة الإيجابية، اذ اصبح المجتمع المدني ينعم  بالديموقراطية، بعد بتعديل الدستور 2020 الذي  جاء بشيء لم يسبق له في الدساتير الجزائرية، الا وهو المجتمع المدني بسبع مواد ذات البعد الرقابي.

 وتابع، ان بند مكافحة الفساد جاء ضمن بنود تعزيز مهارات المجتمع المدني في مجال الاستشارية ، يتولها المرصد الوطني للمجتمع المدني الذي يعد هيئة نصبها رئيس الجمهورية  لمعالجة  انشغالات واهتمامات  أطياف المجتمع المدني.

وفي هذا المحور قال رئيس شبكة ندى ان قوة المجتمع المدني ليس بالعدد ولكن بالأثر و بالنتائج التي تقيسها الأسرة الجزائرية أو  المواطن الجزائري  تبعا لما تمليه السياسات العمومية ، فتصبح بذلك الجمعيات هي قوة رأي و قرار ينوب عن المواطنين و يمثلهم مع اكيد احترام القانون و بالتكيف مع الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للوطن .

فضلا على ذلك جاء الدستور 2020 في سياق تعزيز الديمقراطية التشاركية ، من خلال تنمية  الإرادة السياسية الحقيقية للإشراك المجتمع المدني في صناعة القرار والمساهمة في التنمية المحلية ، وهو ما خلق اليوم انتفاضة حقيقية للمجتمع المدني في مختلف مجالات الحياه العامة.

ونبه بوهريرة ان المجتمع المدني اصبح مشاركا في كل المجالات التضامنية والوبائية وكل الميادين الاجتماعية التي تعكس الوعي السياسي المجتمعي للجمعيات و المنظمات و الهيئات  التي أصبحت عنصرا فعالا في التنمية الاقتصادية و في المقاولاتية التي تعمل على تنميه مهارات شباب و اشراكهم في الحياة العامة وغيرها من المواضيع اللي كانت في وقت مضى حكرا على فئه معينه .

وبلغة الأرقام كشف عرعار   ان المجتمع المدني بالجزائر يحوز على أكثر من 1134جمعية وطنية  معتمد ،   تحمل من الموارد البشرية ما يفوق التعداد اما من ناحية الجودة و النوعية في الخدمات يبقى التمييز واضح لمن يسعى للعمل و من يحاول البقاء بمجرد اسم فقط، وعلى ذلك لا يمكن الحكم على قوة المجتمع المدني بعدد اطيافه انما بالجودة و النتائج المحققة.

  مشددا على  تعزيز الأدوار و المسؤوليات بالمجتمع المدني، ليصبح شريك اساسي في تقويم العمل الرسمي وفي تنفيذ ومتابعة  السياسات العمومية من خلال التوجه في العمل الجمعوي  الى التخصص و الدخول في وضعيه جديده متوازنة ومنظمة .

 التشبيك و العمل المشترك... قوة دفع لعمل المجتمع المدني

مقاربه التشبيك تقودنا للحديث عن ملخص تجربة شبكة ندى التي دامت 20 سنه  تمكنت من خلالها من فرض نفسها في المجتمع و فتحت افاق جديدة امام الأطفال و الاسر كما قدمت اقتراحات قوة في مجال حقوق الأطفال على مستوى اللجنة الدولية وغيرها من الإنجازات التي يشهد لها المجتمع. "حسب ما ورد في حديث رئيس الشبكة عرعار".

مؤكدا ان نجاح الشبكة اليوم يكمن  في التشبيك بالدرجة الاولى ، الذي يقصد به خلق ديناميكية جماعية  نتقاسم فيها المسؤوليات و الادوار  و المتاعب لتحقيق رضا مشترك  وهو الامر الذي جعلنا كشبكة نحقق اكثر من 200 و 254 مشروع

في ذات الجانب ركز عيساوي على أهمية الاستثمار في العلاقات، لتطوير بنية المساهمات داخل الهيكل الجمعوي لان اغلب الأنشطة ترتكز على مدى قوة العلاقات التي تربط أطياف المجتمع المدني ببعضهم.

الشباب قوة رأي تصنع القرار و تقود المجتمع المدني

وبالنسبة لواقع المشاركة الشبابية في المجتمع المدني، ذكر بوهريرة ان مختلف القوانين التي جاءت بعد التعديل الدستوري كانت موجهة للشباب والمجتمع المدني في مختلف ،وعلى سبيل الذكر قانون الاستثمار مؤخرا ومراسيم تطبيقه التي تتكلم على منح الأفضلية والأولوية  من نسب الاستثمارات لصالح الشباب فصلا عن قانون الانتخابات لسنه 2021 الذي اعطى تسهيلات للشباب للمشاركة السياسية .

مشيرا للفرص الاستثنائية المقدمة أيضا في وزاره المؤسسات الناشئة  التي فتحت مؤخرا عده دورات التكوينية والتأهيلية للشباب الذين يمثلون  75% من سكان الجزائر وبالتالي هم صناع القرار  الذين يعتمد عليهم  في بناء مستقبل الامة.

 

آليات ترقية المجتمع المدني

عمل الجمعيات يحتاج الاحترافية اكثر و التوجه نحو التخصص و النوعية بدل الكمية  التي تساهم في صنع الشراكة مع المؤسسات الرسمية، فضلا عن تعزيز الجهود و توسيع مجال الخبرة الميدانية  داخليا وخارجيا في اطار العمل على رفع التحديات والرهانات.

 كما انه من المطلوب الدفع بالشراكة بين الجمعيات والسياسات العمومية من خلال القطاعات الوزارية المختلفة والجماعات المحلية في سياق تعزيز  الممارسه الديمقراطية التشاركية بدون تدخل في الصلاحيات الخاصة.

 مشددا على أن الديناميكية المشتركة و المتعددة الاطراف و التخصصات الأيديولوجية توجهات  تسمح بمعالجة قضايا المواطن كما تساهم في نقص اكثر من 50% من مشاكل الراي في المجتمع .

ذلك دون الاهتمام أيضا بالعنصر البشري و التكوينات و   بالإمكانيات المادية و  المالية التي اصبحت مشكلا كبيرا  في الجزائر، خاصة مع نقص  اليات الرقابة و غياب الثقافة  القانونية على مستوى العديد من الجمعيات.

وبالعودة للتكوين ، نوه عيساوي ان التكوين القانوني هو اهم محور يجب على القائمين في العمل الجمعوي  التركيز عليه لأنه الاطار الذي ينظم الممارسات و يحفظ خصوصياتها و نشاطاتها داخل المجتمع، كما يسمح بتوضيح المسؤوليات و المهام دون المساس بدور أي عضو من داخل التنظيم او خارجه.

خاصة و أن أطياف المجتمع المدني هم همزة وضل بين المواطنين و السلطات الرسمية، ينقلون انشغالاته و يعالجون القضايا الاجتماعية التي تعيشها الامة من خلال التحسيس و التوعية وغيرها من الممارسات التي تضبط القيم و المبادئ داخل المجتمع. "يضيف ذات المتحدث"

تبعا لذلك، فقد بات ملزوما عليهم كأعضاء  في المجتمع المدني فهم ثقافة الاتصال و المشاركة الفعالة و الحوار الراقي عبر تعزيز المواطنة و تكريس الديموقراطية في نشاطاتهم التي نظرا للظروف الراهنة أصبحت تفتقر نوعا ما للتمكين و للتحيين المثالي ، لكن رغم ذلك نلتمس بعض الممارسات التي جسدت المعنى الحرفي للديموقراطية التشاركية و المواطنة الفعالة من قبل عدة تنظيمات و جمعيات .

ولفت ان على افراد المجتمع المدني ان يكونوا في مستوى القيادة و المسؤولية المطلوبة بحيث يناضلوا من أجل تحقيق مبتغاهم في تنمية وترقية المجتمع، على أن يستغلوا مناصبهم لتحقيق أغراض شخصية تصبح بها الممارسات الجمعاوية مجرد مهنة لقاء أجر معين.

  وبحكم ترأسه لمنظمة حمايتك، قال عيساوي ان المنظمة تولي أهمية كبيرة للتكوين على حساب عدة عمليات ايمانا منها بقدرته على تحقيق نتائج مرضية تخدم المجتمع .

 بناء على ذلك تعكف المنظمة على المشاركة في عدة ورشات  تكوينيه في  فن التعامل مع الإدارة و في الاتصال و في عدة محاور تهم العمل الجمعوي على المستوى الوطني  و الولائي والمحلي، وبالتالي  فكلما كان العمل اكثر احترافية كلما كان المجتمع المدني  فاعل أساسي و  حليف هام  للدولة الجزائرية.

وفي اطار العمليات التكوينية قامت المنظمة بعقد اتفاقيات شراكة و توأمة مع الاتحاد الاوروبي لدراسة الرؤى و المقاربات المستقبلية التي تهم الشأن التجاري و المستهلك خاصة من خلال التعمق في التفاصيل الميدانية لنشاط العمل .

سمحت الاتفاقية من تحديد المعيقات وإيجاد حلول لها في مسعى التحضير لخطط مستقبلية تحقق الاستقلالية المالية و الإدارية و التنظيمية للعمل  خاصة ما تعلق بالتنويع في مصادر الدخل للمنظمات.

ختاما اكد بيرم أن الوضع اليوم في فترة الجزائر المستقلة حضي المجتمع المدني باهتمام كبير  من قبل السلطات المعنية نظرا لما يقدمه من اسهامات كبيرة لترقية المجتمع ، من عدة جوانب في اطار مرافقة الدولة في نشاطها .

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services