372

0

الجزائر ليست الدور القادم.. بل الإستثناء الثابت!

 

بقلم :ضياء الدين سعداوي

 

لا تقتصر الحروب المعاصرة على ميادين القتال التقليدية، بل أصبحت تدور على جبهات جديدة، أبرزها الجبهة النفسية التي تستهدف وعي الشعوب، وتحاول التأثير على إدراكها للواقع. في هذا الإطار، يُلاحظ تزايد الخطاب الإعلامي الذي يروّج لما يمكن تسميته "نظرية الدور التالي"، حيث يُطرح السؤال المريب: من سيكون بعد إيران؟

هذا النوع من الخطاب لا ينبع من تحليل منطقي أو استقراء موضوعي للواقع الجيوسياسي، بل يُبنى غالبًا على إشاعات مضخّمة وتكهنات مضلِّلة، هدفها زرع الشك والخوف في نفوس الشعوب، ومن بينها الشعب الجزائري، الذي أصبح يُستهدف بشكل متكرر في هذه الرواية.

لكن ما يُتجاهل، أو يُراد تجاهله، هو أن الجزائر لم تكن يومًا دولة عدوان أو تصعيد. لطالما تبنّت مواقف متزنة قائمة على احترام القانون الدولي، والدعوة إلى الحلول السلمية، والدفاع عن القضايا العادلة، وعلى رأسها حق الشعوب في تقرير مصيرها.

هذه المواقف ليست طارئة أو ظرفية، بل تُعبّر عن توجه ثابت له جذوره في تاريخ طويل من النضال من أجل الاستقلال والسيادة الوطنية. الجزائر التي واجهت الاستعمار، وصنعت تجربتها السياسية والاجتماعية بصبر وتضحيات، لا يمكن إدخالها في حسابات التهويل بسهولة، ولا إخضاعها لمنطق الضغط النفسي الذي يسعى لتقديم الاستسلام كخيار حكيم.

إن الإشارات التي تُسوَّق حول "إمكانية استهداف الجزائر" ليست سوى امتداد لحملة أوسع تُستخدم فيها أدوات الإعلام والتأويل والمبالغة، لتقويض الثقة بالنفس الجماعية، وإضعاف مناعة الشعوب تجاه المخاطر الحقيقية. والمفارقة أن بعض الأصوات المحلية، دون وعي، تُعيد إنتاج هذا الخطاب، فتصبح أداة في معركة لا تخدم فيها سوى مصالح خارجية.

ومع ذلك، فإن الجزائر ليست ساذجة أمام هذه المحاولات، ولا غافلة عن طبيعة المتغيرات الدولية التي تعصف بالعالم. الكل يعلم أن النظام العالمي يشهد اهتزازات حادة، وأن ما يحدث في الشرق الأوسط أو أوروبا ليست أحداثًا معزولة، بل مؤشرات على إعادة تشكيل موازين القوى.

وفي هذا السياق، يبقى الشعب الجزائري محصنًا بوعيه وتجربته وتاريخه، ويدرك أن الخطر الحقيقي لا يأتي من الخارج فقط، بل من الداخل أيضًا، حين يتسلل عبر خطاب التثبيط واليأس والتشكيك.

الجزائر، بلدٌ لا يبحث عن الصدام، لكنه في الوقت ذاته لا يقبل أن يُملى عليه موقعه في التاريخ أو مستقبله. والذين يراهنون على تفكيك الجبهة الداخلية، أو ترويج سيناريوهات الهلع، سيكتشفون عاجلاً أن الجزائر ليست هدفًا سهلاً، بل صخرة صلبة تتكسر عليها كل الأوهام.

 

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services