355267

1

مذكرات شاهد على سنوات الجمر الحلقة "138"

بقلم اسماعين تماووست 
هؤلاء من نصبوا أنفسهم حماة الدين لم يترددوا في تزييف الوقائع و استغلال جهل وضعف  المتطرفين لمصلحتهم الوحيدة، وهي ابعادهم عن الدين الصحيح.

تركوا الدين المقدس و فضلوا التمرد، والتطرف الأصولي، وساهموا في نشر الأوهام التي كانت تضلل الناس، فقط بهدف التأثير عليهم لدفعهم إلى كراهية السلطة، لكن في النهاية، كان الشعب هو الهدف، و استطاعت هذه الاستراتيجية الخبيثة قلب الحقائق في فترة معينة.

لكن ما لا يدركه هؤلاء هو أن هذا التلاعب لا ينقلب عليهم فحسب، بل يدمرهم من الداخل. فعندما يخرج الإنسان عن مسار الحق، تزداد حيرته وتضيع بوصلته، ويصبح عبئًا على نفسه وعلى مجتمعه، فهو لا يُصاب فقط بالخديعة، بل يُسحب إلى دوامة من التشويش الذي لا يستطيع الخروج منها بسهولة، في النهاية، يصبح في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة من حوله.

إن هذا التلاعب بالمبادىء والمشاعر لم يكن سوى جزء من خطة أوسع لزعزعة استقرار المجتمع، فالمجتمعات التي تكون أضعف في عقيدتها تصبح فريسة سهلة لهذا النوع من الأفكار الهدامة، وعندما ينقلب الناس على الحق ويتبنون الأكاذيب، فإن ذلك لا يؤذيهم وحدهم، بل يمزق النسيج الاجتماعي ويخلق حالة من الفوضى التي تضر الجميع.

في النهاية، هم لم يكونوا سوى ضحايا لأوهامهم التي زرعها أعداء الحق في عقولهم، وأصبحوا أداة في يد من لا يهمها إلا نشر الفتن، لكن الحقيقة، مهما حاولوا تحريفها، ستظل ساطعة و ثابتة، ويقين المؤمن هو سلاحه في مواجهة أي ظلام، كما تقول الحكمة: "من يزرع الرياح، يحصد العواصف".

 

لكن ما لا يدركه هؤلاء هو أن هذا التلاعب لا ينقلب عليهم فحسب، بل يدمرهم من الداخل. فعندما يخرج الإنسان عن مسار الحق، تزداد حيرته وتضيع بوصلته، ويصبح عبئًا على نفسه وعلى مجتمعه. إنه لا يُصاب فقط بالخديعة، بل يُسحب إلى دوامة من التشويش الذي لا يستطيع الخروج منها بسهولة. في النهاية، يصبح في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة من حوله.

نعم،أنا إسماعيل تماعوست، مفتش الشرطة و رجل الأمن والمخابرات الجزائرية الذي شاءت الأقدار أن يجد نفسه مكافحاً، شاهداً ومشاركاً في معركة خفية بين الحقيقة والزيف.

لم أختر هذا الطريق بمحض إرادتي، بل وجدت نفسي منذ طفولتي متأثرا بروايات أبي وأعمامي، الذين كانوا شعلة مضيئة في زمن الظلام.

كنت ابن الشهيد محمد تماعوست، الذي اقتلعت حياته آلة الاحتلال البشعة، وأحمل في داخلي ذكرى أعمامي الذين قُتِلوا بوحشية، ليس فقط بأجسادهم، بل بمحاولة طمس قصصهم من ذاكرة الوطن.
نشأت وأنا أؤمن أن الحق هو وصية من سبقونا، وأن النضال من أجله ليس خياراً بل واجباً،  لكن حين دخلت إلى عالم الشرطة، وجدت أن النضال يأخذ أشكالاً جديدة.

لم تعد المعركة تُخاض بالسلاح فقط، بل أصبحت معركة أفكار ومبادئ، معركة بين من يدعي الحق  ويرتديه كقناع وبين من يدافع عنه كعقيدة.
كنت أرى أمامي شباباً  غرتهم الشعارات، وضلّلتهم الأوهام التي نُسجت بمهارة، وجعلتهم يعتقدون أنهم يخدمون قضية سامية، لكن، في الحقيقة كانوا ضحايا تجارب قاسية، وعقول تلاعب بها تجار الدين الذين لا هدف لهم إلا الخراب.
أذكر إحدى المرات التي واجهت فيها شاباً كان يصرخ قائلاً إنه يدافع عن الحق، نظرت إلى عينيه، فلم أرَ فيهما سوى خوف طفل صغير يبحث عن معنى لحياته وسط ركام من الأكاذيب،  قلت له بهدوء: "يا بني، من يدافع عن الحق لا يقتل، ولا يظلم، ولا يزرع الكراهية. الله لا يحتاج منا أن نكون أدوات للخراب، بل يريدنا أن نكون معاويل للبناء"
في تلك اللحظات، كنت أرى في كل حالة أواجهها انعكاساً لمعركتي الشخصية، لم أكن فقط مفتشاً يحارب الجريمة، بل كنت إنساناً يحارب الظلام داخل النفوس، محاولاً أن يُضيء شمعة أمل لمن تاهوا في طريقهم.
لكن مع كل ما رأيته، لم أفقد إيماني. كنت أعلم أن الحق لا يُهزم. قد تشتد الظلمات، وقد يظن البعض أن الباطل انتصر، فأتذكر قول الله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (الإسراء: 81).

اليوم، وأنا أروي قصتي، لا أسعى إلى البطولة ولا أطلب المجد، بل أريد فقط أن أكون صوتاً لكل من فقد طريقه، وشاهداً على أن النور موجود، حتى وإن خفت بريقه. وكما تقول الحكمة: "الحق لا يموت إلا إذا تخلى عنه أصحابه."

ولأني ابن هذا الوطن، لن أتخلى عن الحق، حتى لو كنت وحيداً في طريقي، وقد أدركت أن في قلب المعركة، في خضم هذا الصراع الطويل بين النور والظلام، ليس فقط السلاح الذي يحدد نتيجة الحرب، بل ما يجسده كل فرد في أعماق نفسه. فالحرب الحقيقية ليست على الأرض، بل في داخلك، في ما تحمله من قيم ومبادئ. كنت أراقب في صمت كيف تتغير حياة الناس، كيف تتحول أفكارهم، وكيف يطغى الظلام على عقولهم في بعض الأحيان. لكن، في كل مرة كنت أرى فيها الشر قد انتشر، اجد في نفسي يقينا أن النور، مهما خفت بريقه سيعود ليشع من جديد.

الأمر ليس مجرد معركة مع الأعداء في الخارج، بل هو معركة مع الذات، مع مبادئك، مع كل ما تحمله من قناعات. ونحن في هذا الوطن، الذين حملنا عبر الأجيال إرث الشهداء والمجاهدين، علينا أن نكون حراسًا لهذا النور، لا أن نسمح له بالاندثار. لم يكن أبي أو أعمامي مجرد أبطال في معركة مع الاستعمار، بل كانوا رموزًا للحق الذي لا يزول، للكرامة التي لا تموت.

اليوم، وأنا في هذا المكان، أفكر في الأجيال القادمة، هل سيملكون تلك الشجاعة؟ هل ستكون لديهم القدرة على التمييز بين الحق والباطل وسط هذه الفوضى التي تحيط بنا ؟ لكنني متأكد من شيء واحد: لا يهم إن حاول البعض أن يخفوا النور، لأن الحقيقة دائمًا ستظل ساطعة، تحمل أملًا جديدًا،  تنير عقول الجزائريين ...

يتبع ...

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services