887

2

الغرفة الفلاحية لتوقرت... من الفكرة إلى الريادة

في عمق الجنوب الشرقي الجزائري، حيث تتقاطع الكثبان الرملية مع خضرة الواحات، تولد قصص الريادة بصمت وجهد. هناك، في توقرت، برزت الغرفة الفلاحية للولاية كمثال حي على مؤسسات محلية استطاعت أن تُحوّل التحديات المناخية والاقتصادية إلى فرص واعدة لبناء نموذج فلاحي ذكي ومستدام.

منذ توليه رئاسة الغرفة، سعى  معاش بشير إلى تحويلها من هيئة إدارية استشارية إلى قاطرة ميدانية للتنمية الفلاحية.
 يؤمن بأن “الفلاحة الصحراوية ليست تحدياً مناخياً فقط، بل رهان استراتيجي على الأمن الغذائي الوطني”، وهي رؤية بدأت ملامحها تتجسد في المشاريع، التكوينات، واللقاءات التي تجمع الفاعلين في الحقل الفلاحي المحلي والجهوي.

جاءت الندوة الجهوية الأخيرة التي نظمتها الغرفة ، لتكرس هذا المسار. الحدث لم يكن مجرد تظاهرة علمية، بل إعلاناً عملياً عن قدرة الغرفة على صناعة الفعل الميداني وتوحيد الجهود بين الغرف الفلاحية للجنوب.
تحت رعاية  والي الولاية، وبحضور الغرف الفلاحية من ورقلة، غرداية، المغير، المنيعة، الوادي، بسكرة، وتمنراست، حملت الندوة شعارين دالين"معاً من أجل فلاحة ذكية ومستدامة" و "يداً بيد من أجل أغذية ومستقبل أفضل".

كانت القرية السياحية قمة الرقي بالنزلة فضاءً يعبق بالنقاش العلمي والفكري، حيث اجتمع خبراء وأساتذة ومهندسون لتشريح واقع الفلاحة الصحراوية وتحديد سبل تطويرها. من بين الحضور، الوزير الأسبق للفلاحة الدكتور رشيد بن عيسى، والدكتورة فطوم الأخضاري الباحثة في العلوم الزراعية، إلى جانب نخبة من الأكاديميين مثل بوحنية قوي، بومادة عبد الباسط، وبن إبراهيم فوزي.

تميزت الغرفة الفلاحية لتوقرت في هذا الحدث بتنظيم احترافي يرقى إلى مستوى الندوات الوطنية. تنسيق محكم مع مديرية المصالح الفلاحية، وبرنامج ثري بالمداخلات العلمية، وحضور نوعي من الفاعلين الفلاحيين، كلها عناصر جعلت من الندوة منعطفاً حقيقياً في المشهد الفلاحي الجهوي.

ويقول رئيس الغرفة معاش بشير في حديثه  "نريد أن نجعل من توقرت قطباً مرجعياً للفلاحة الصحراوية الحديثة، لا فقط على مستوى الجنوب بل على المستوى الوطني ،نؤمن أن الفلاح الصحراوي يمكن أن يكون فاعلاً أساسياً في تحقيق الاكتفاء الغذائي للبلاد إذا وُضعت أمامه الأدوات المناسبة والدعم التقني اللازم."

من بين الحضور، كان لعدد من رؤساء الغرف الفلاحية الجهوية كلمات صريحة تعكس الإعجاب بما قدمته توقرت.
صرّح رئيس الغرفة الفلاحية لولاية ورقلة قائلا “غرفة توقرت نجحت في الجمع بين البحث العلمي والتطبيق الميداني. ما شاهدناه اليوم هو نموذج لتكامل الجهود بين المؤسسات والفلاحين.”

أما رئيس الغرفة الفلاحية لولاية غرداية فأضاف “هذه الندوة تبرهن أن الجنوب ليس منطقة هامشية في الفعل الفلاحي، بل مركز إشعاع وتجديد في أساليب الإنتاج الصحراوي.”

من جهته، أشار رئيس الغرفة الفلاحية لولاية المنيعة إلى أن “المستوى التنظيمي والطرح العلمي في توقرت يستحق أن يُعمم. هناك وعي حقيقي بضرورة الانتقال إلى فلاحة حديثة مستدامة.”

وفي السياق ذاته، أكد رئيس الغرفة الفلاحية لولاية الوادي أن  “التجارب المعروضة في هذه الندوة تثبت أن التنسيق بين الغرف كفيل بإحداث نقلة نوعية في مردودية الفلاحة الصحراوية.”

أما رئيس الغرفة الفلاحية لولاية بسكرة، فعبّر عن انبهاره قائلا “اختيار الموضوع من طرف غرفة توقرت كان موفقاً للغاية، لأنه يضع الأمن الغذائي في صميم السياسات الفلاحية المقبلة.”

لم يكن نجاح الندوة حدثاً معزولاً، بل تتويجاً لمسار متكامل من العمل الميداني والمبادرات التي جعلت الغرفة الفلاحية لتوقرت رقماً صعباً في المعادلة التنموية. من حملات الإرشاد والتكوين إلى مرافقة الفلاحين في استصلاح الأراضي الصحراوية وتثمين المنتجات المحلية، تواصل الغرفة مسارها بخطى ثابتة نحو جعل الفلاحة الصحراوية قطاعاً منتجاً ومهيكلاً يخدم التنمية المستدامة للمنطقة.

ويختم  معاش بشير حديثه بكلمات تختصر الرؤية المستقبلية “رهاننا هو بناء فلاحة قادرة على مواجهة التغيرات المناخية وضمان الأمن الغذائي لأجيال الغد. توقرت اليوم لا تزرع فقط النخيل أو الحبوب... بل تزرع الأمل.”

ومن خلال هذه الندوة الجهوية، أثبتت توقرت أن الجنوب الجزائري ليس مجرد فضاء جغرافي، بل فضاء استراتيجي لصناعة المستقبل الفلاحي. فهنا تتجسد مفاهيم الاقتصاد الأخضر، والزراعة الذكية بالمياه، والتسيير العقلاني للموارد الطبيعية. وهنا أيضا تتشكل شبكة تضامن مهني بين الغرف الفلاحية التي بدأت تدرك أن الأمن الغذائي لا يتحقق إلا بتكامل الجهود.

إن الغرفة الفلاحية لتوقرت، وهي تواصل هذا المسار، لا تراهن على عدد الفلاحين أو الهكتارات فحسب، بل تراهن على الإنسان: على وعيه، تكوينه، وقدرته على الإبداع رغم قسوة الصحراء ، وربما هذا ما جعلها تخرج من دائرة الإدارة الكلاسيكية إلى فضاء المبادرة الميدانية، حيث تتحول الأفكار إلى مشاريع، والمواسم إلى فرص للنمو والإلهام.

في النهاية، يمكن القول إن توقرت اليوم تكتب فصلا جديدا في قصة الفلاحة الصحراوية الجزائرية، عنوانه "من الواحة إلى الوطن... ومن النخلة إلى الأمن الغذائي."

محمد الحسان رمون

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services