222

0

الضربات على إيران... والرسائل إلى كل الدول التي تملك قرارها السيادي

‏خريطة صراع تُرسم في الخفاء

 

   

 

 

بقلم: ضياء الدين سعداوي

في وقت بدا فيه أن المنطقة دخلت مرحلة ما بعد الرد الإيراني، جاءت الضربات الإسرائيلية ـ الأمريكية الأخيرة على منشآت الطاقة في إيران لتكشف عن تحول نوعي في طبيعة الأهداف، وتوسّع مقلق في جغرافيا الإشتباك. 

فبعيدًا عن الإدعاءات حول منع طهران من امتلاك سلاح نووي، توحي كل المعطيات بأن الهدف الحقيقي لهذه الضربات هو شل القدرات الصاروخية الإيرانية، وتفكيك قدرتها على الردع خارج الحدود، في مشهد يعيد إلى الأذهان سيناريوهات "إزالة الأنياب" قبل فرض شروط الهيمنة.

وإذا ما قُرئ هذا الهجوم في ضوء الديناميات المتسارعة في منطقة الساحل الإفريقي، يصبح من الواضح أن المشروع يتجاوز إيران، ليطال كل دولة تملك قرارها السيادي وسلاحها الردعي، وفي مقدمتها الجزائر.

 

من إيران إلى الساحل الإفريقي...هل هناك خطة لإعادة ضبط الميدان؟

تسعى تل أبيب، ومعها واشنطن، إلى هندسة شرق أوسط خالٍ من أي سلاح ردعي خارج قبضتهما، بإستثناء الترسانة الإسرائيلية التي تضطلع بدور "الشرطي النووي" نيابة عن الغرب ، ويأتي هذا ضمن استراتيجية احتواء شاملة تهدف إلى القضاء على أي قدرة إقليمية على تهديد التوازنات المفروضة، سواء عبر الصواريخ، أو حتى النفوذ الجيوسياسي.

لكنّ الأهم من ذلك أن هذه الحرب ـ التي تأخذ طابعًا هجوميًا في إيران ـ يُحتمل أن تتخذ طابعًا خفيًا وغير مباشر في إفريقيا، خاصة في منطقة الساحل الغارقة في الفوضى والهشاشة.

في هذا السياق، تتحوّل مالي والنيجر وتشاد وجنوب ليبيا إلى "جبهات رمادية"، حيث لا خطوط نار واضحة، لكن كل شيء قابل للإشتعال ، ومن هناك تلوّح تهديدات خفية تطال الجزائر، عبر أدوات غير تقليدية تشمل: تغذية النزاعات المحلية والعرقية ، و محاولة تسليح جماعات متمردة تربطها علاقات استخباراتية دولية ، فضلا عن استخدام الفضاء السيبراني لشنّ هجمات رقمية وتشويه السمعة والمؤسسات إلى جانب دعم تهريب السلاح والمخدرات عبر شبكات منظمة ومحمية.

كلها عناصر تشكل جوهر الحرب الهجينة التي لا تحتاج إلى إعلان ، فقط إلى فراغ سياسي، وثغرات أمنية.

الجبهة الغربية... الحلف غير المعلن

وإذا كانت السماء الإيرانية مسرحًا للضربات، فإن ما وراء الحدود الغربية  الجزائرية قد تكون مرآة لحرب من نوع آخر.

فالتطبيع المغربي الإسرائيلي لم يقف عند الحدود الرمزية أو البروتوكولية، بل انتقل إلى مرحلة التنسيق الأمني والعسكري ، وقد ظهرت ملامحه في المناورات المشتركة، وفي تنامي القدرات المغربية في مجال الطائرات المسيّرة والحرب السيبرانية، بل وحتى في إشارات ضمنية إلى الإستعداد للدخول في صراعات غير تقليدية.

إلى جانب ذلك، تبرز فرنسا كفاعل "قديم ـ جديد" في خريطة التوترات، تبحث عن استعادة نفوذها في مستعمراتها السابقة، بما فيها الجزائر، وإن كان ذلك بوسائل غير تقليدية أيضًا.

و النتيجة؟ تحالف ثلاثي غير معلن ـ مغربي إسرائيلي فرنسي ـ يضع الجزائر أمام تحديات مزدوجة، ويجعل من حدودها الغربية "مسرحًا ناعمًا" لحرب شرسة لا تُخاض بالبنادق، بل بالميديا، والسيبرانية، والمخدرات، والتجسس.

الجزائر... بين الثبات والسيادة


أمام هذه الخارطة المعقدة، تتمسك الجزائر بمواقفها الثابتة إزاء قضايا التحرر، وفي طليعتها فلسطين و قضية الصحراء الغربية ، غير أن الحفاظ على هذه المبادئ في زمن الإضطراب الجيوسياسي يتطلب ما هو أكثر من الخطاب.

فمع تزايد وتيرة الحروب غير المتماثلة، لم تعد الإستعدادات التقليدية كافية، فمراكز القرار في الجزائر أصبحت في وعي كامل بأنه لزامًا على الجزائر أن تعيد تشكيل عقيدتها الأمنية لتواكب التحولات التالية: تعزيز الدفاع السيبراني، ومراقبة شبكات التسلل الرقمي ، إلى جانب تحصين الجبهة الداخلية ضد الحملات الإعلامية الممنهجة، و المضي قدماً نحو دعم استقرار منطقة الساحل كشريك فاعل، وليس فقط كجوار مهدد ، و الوعي بأهمية بناء دبلوماسية هجومية تقوم على المبادرة، لا فقط على الردّ.

كلمة عطاف... حين يتكلم القانون في زمن القوة

وفي قلب هذا المشهد المعقد، جاءت كلمة وزير الخارجية أحمد عطاف في قمة منظمة التعاون الإسلامي لتُعيد التوازن إلى المشهد: "منطق القوة بات بلا قيود، والمُعتدي بات يدّعي الدفاع عن النفس... لا يمكن أن يكون هناك سلام دون إنهاء الاحتلال، ولا أمن بدون احترام سيادة الدول، ولا عدالة مع ازدواجية المعايير."

إنها ليست مجرد جملة بروتوكولية، بل تأكيد على أن الجزائر ترى في الحرب على إيران، وفي المجازر بغزة، وفي التحركات المريبة في الساحل، ملامح مشروع واحد: تفكيك التوازنات بالقوة، وتحييد أي قوة إقليمية خارج بيت الطاعة.
 

خارطة جديدة... بصراعات بلا وجوه

بين الهجوم على منشآت إيران، وتنامي التهديدات في الساحل، وتعقّد المشهد المغربي، يبدو أن الجزائر مقبلة على مرحلة حساسة من المواجهة غير المعلنة، إنها مواجهة لا تُخاض في العلن، ولا تُختزل في صور الدمار، بل تُخاض في الخفاء، وتُكسب أو تُخسر في تفاصيل لا يراها الإعلام.

ولأنّ العالم يتغيّر، فإنّ الحياد قد لا يعود خيارًا آمنًا... بل قد يكون ثغرة، يُخترق منها الوطن من الداخل.

فهل نحن مستعدون لصراعات لا تُشهر سلاحها... لكنها تزرع نارها في كل اتجاه؟

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services