38

0

الضربة التي أشعلت الشرق: أمريكا دخلت الحرب… وإيران تستعد للرد

 

بقلم: الحاج بن معمر

 

ما بين التصريحات المتلفزة، والخدع الدبلوماسية، والضربات الجوية الخاطفة، انقشع الضباب الذي لفّ المشهد لأسابيع: الولايات المتحدة، مدفوعة بتحالف خفي مع إسرائيل، دخلت الحرب فعليًا ضد إيران.

ومهلة الأسبوعين التي تحدث عنها الرئيس السابق دونالد ترامب لم تكن إلا قناعًا هشًا لتضليل الإعلام والرأي العام، بينما كانت الطائرات المقاتلة الأمريكية والإسرائيلية تحلّق على ارتفاعات قاتلة فوق منشآت إيران النووية والعسكرية.

لم تكن واشنطن تبحث عن حلول سلمية، بل كانت تمهّد لدخول ناري، رسمته في الغرف المغلقة منذ شهور، وبدأ تنفيذه فعليًا حين تم استهداف منشآت بالغة الحساسية في فوردو، وأصفهان، ووَنتونز، حيث ترقد العتبة النووية الإيرانية تحت الأرض.

إن استهداف هذه المواقع لا يحمل دلالة عسكرية فقط، بل يُترجم بوضوح أن ما كان محرّمًا قبل أعوام أصبح اليوم هدفًا مشروعًا في نظر البنتاغون وتل أبيب. منشأة فوردو، المحصّنة داخل جبل بارتفاع 90 مترًا، والمخصصة لتخصيب اليورانيوم، كانت لعقود خطًا أحمر حتى في ذروة التصعيد، أما اليوم، فقد تحوّلت إلى هدف مباشر.

الضربة لم تكن تقنية فقط، بل رمزية، لأنها تستهدف "مركز السيادة النووية الإيرانية"، تمامًا كما تستهدف إسرائيل فلسطين في مركز رمزيّتها.

والرسالة التي أرادت أمريكا إيصالها كانت واضحة: "لن نسمح لإيران بالاقتراب أكثر من السلاح النووي، ولو استدعى الأمر حربًا شاملة."

لكن ماذا بعد دخول أمريكا هذه الحرب المفتوحة؟

من الواضح أن واشنطن، التي لطالما مارست سياسة الحافة في تعاملها مع طهران، قد تجاوزت الآن حافة الهاوية وقفزت إلى قلبها.

لم تعد الحرب الافتراضية، أو الحروب بالوكالة، أو العقوبات، كافية. أمريكا اختارت لغة الحديد والنار، وسحبت آخر ورقة تفاوض من على الطاولة، وفتحت معركة متعددة الأبعاد: عسكرية، استخباراتية، نفسية، إعلامية، واقتصادية. التداعيات المحتملة لهذا التحول ستكون كارثية، ليس على إيران فقط، بل على المنطقة برمتها، بل والعالم. فإيران، وبعقلية النظام السياسي – العقائدي الذي يحكمها، لن تتلقى الصفعة بصمت.

الرد قادم، وهذا ما يدركه صانع القرار الأمريكي والإسرائيلي، لكن لا أحد يعرف أين سيكون الرد الأول، ولا ما هو حجمه، ولا متى ستُفتح بوابات الجحيم بالكامل.

لدى إيران أكثر من جبهة مفتوحة، وأكثر من ذراع قتالي: في لبنان، حزب الله يملك ما يزيد عن 150 ألف صاروخ موجّه نحو الجليل ومراكز الكيان.

في اليمن، أنصار الله يملكون طائرات مسيّرة طويلة المدى وصواريخ باليستية قادرة على الوصول إلى العمق السعودي والإماراتي، بل وحتى إلى البحر الأحمر وقواعد القرن الأفريقي.

في العراق وسوريا، الحشد الشعبي والفصائل الشيعية المسلحة لديهم بنية تحتية كاملة قادرة على ضرب القواعد الأمريكية المنتشرة من التنف إلى أربيل. في البحر، تملك طهران غواصات هجومية وزوارق سريعة انتحارية وألغام بحرية قادرة على شل الملاحة في مضيق هرمز، حيث تمر 30% من صادرات النفط العالمية.

لكن الأخطر من كل هذا هو أن الردّ قد لا يكون عسكريًا فقط، بل اقتصاديًا واستراتيجيا أيضًا.

إيران قد تختار خنق خطوط الملاحة العالمية، وقد تستهدف أسواق الطاقة، ليس فقط عبر الصواريخ، بل بإشعال الفوضى في دول نفطية حليفة لأمريكا.

كما يمكن أن تدفع بالصين وروسيا للعب أدوار أكثر انخراطًا، وفتح جبهات متزامنة في تايوان أو أوكرانيا، ما سيُربك الحسابات الأمريكية ويفتح صراعًا متعدد الأقطاب.

وفي قلب كل هذا الانفجار، هناك الداخل الإيراني... ماذا عن الجبهة الداخلية؟

بخلاف ما يتوقعه البعض في الغرب، فإن الضربات لم تُضعف الجبهة الشعبية، بل عززت من تماسكها.

الإيرانيون، الذين يحملون في ذاكرتهم الجماعية آثار الحرب مع العراق، والحصار الاقتصادي، والعقوبات الظالمة، يُدركون أن ما تتعرض له بلادهم الآن هو حرب وجود، لا صراع على ملف تقني.

وهنا يلعب الخطاب القومي والديني والسيادي دورًا مفصليًا، حيث تتصاعد الدعوات إلى التماسك، و"تحويل كل بيت إيراني إلى ثكنة مقاومة"، على حد وصف أحد خطباء الجمعة. وللمفارقة، فإن هذه الحرب قد تكون "هدية من نار" للنظام، لأنها ستُخرس أصوات المعارضة الداخلية مؤقتًا، وتمنح الدولة مبررًا لفرض حالة طوارئ، وضبط الإعلام، وتوحيد الصفوف خلف المؤسسة العسكرية والحرس الثوري.

وستتحوّل المطالب الإصلاحية إلى مطالب سيادية، وتُرفع رايات الدفاع عن الكرامة بدلًا من رايات الشكوى من الاقتصاد. وهنا يدخل الداخل الإيراني في طور جديد من "المقاومة الداخلية الشاملة"، وهو ما سيجعل من الحرب فرصة لإعادة صياغة شكل الدولة والمجتمع، لا مجرد اختبار سلاح. أما في العالم، فالانعكاسات ستكون أكثر قسوة.

– أسعار النفط قد تقفز إلى ما فوق 200 دولار للبرميل إذا أُغلق مضيق هرمز أو تم استهداف مصافي الخليج. – الأسواق المالية ستصاب بالهستيريا، والبورصات العالمية ستنهار مؤقتًا.

– أوروبا، التي لا طاقة لها على تحمّل موجة لاجئين جديدة أو أزمة طاقة موازية، ستتوسل الهدنة.

– روسيا والصين قد تستغلان الفرصة لتوسيع نفوذهما، خصوصًا في آسيا الوسطى وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

– إسرائيل ستكون في عين العاصفة: من الجليل إلى تل أبيب، من الحدود اللبنانية إلى مفاعل ديمونا، كل شبر سيُصبح هدفًا.

والسؤال الآن لم يعد: هل سترد إيران؟ بل: كيف سترد، وأين، ومتى؟ هل سيكون الرد مباشرًا على قواعد أمريكية في الخليج؟ هل سنشهد عملية كبرى في مضيق هرمز أو استهدافًا لناقلات نفط أمريكية؟ هل تفتح طهران الباب أمام "رد نووي غير مُعلن" عبر تهديد بامتلاك المعرفة دون التصريح؟ أم ستكون هناك مفاجأة بحجم لم يتوقعه أحد؟

في النهاية، ما بدأ كخدعة سياسية – "مهلة الأسبوعين" – تحول إلى معركة فعلية، سقط فيها القناع عن مشروع المواجهة الشاملة. أميركا دخلت حربًا طويلة لن تخرج منها بسهولة، وإيران لن تقاتل وحدها. وفي هذا البحر المشتعل، لن ينجو أحد من اللهيب، لأن الحرب هذه المرة ليست حرب حدود... بل حرب وجود.

 

 

 

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services