323
0
العقد التنازلي لحضارة الغرب
بقلم / قرار المسعود
لقد وصلت سلوكات و تصرفات المجتمع الغربي الى درجة الخروج على المألوف المنطقي في حياة البشر التي خُلقوا من اجلها و حطمت كل ما هو أمام العاطفة المفرطة و يميل إلى الجانب الروحي و عملت على تدنيس الثوابت الدينية لكل الديانات و الشرائع و جعل السامية شبح مقدس فوق كل إعتبار .
فما هو ظاهر للعيان و ما نشاهده و نلاحظه من خلال التزايد في محاربة المسار الكوني و تقنين البشرية و تصنيفها و توجيهها على نمط التفتح المفرط و الحرية بدون حدود و تسخير المادة على أساس السيطرة و التدمير أكثر مما يفيد الإنسانية، يوحي أن العد التنازلي لهذه الحضارة قد وشك على نهايته. و من هذا المنطلق أظهر تصادم بين الشبعان و الجوعان ما أدى إلى تشتت المجتمع و حتى الأفراد و تفكيكه في قِيٌمِه و عاداتِه و صعود نمط عاطفي بامتياز و الحرص على متابعة هذه الطريقة و فرضها و تعميمها على المجتمعات و حتى الدول بالقوانين، مثل السماح (زواج المثنيين ذكورا و إناثا و عدم إحترام مسار الحياة المألوفة للبشر و التعدي على حرمة المقدسات، إضافة إلى أن البرنامج المدبر و المنفذ على مستوى المغفلين و المتتبعين و الخائفين على مصالحهم الضيٌقة التي تحصلووا عليها على ظهر شعوبهم و كرامتهم، غلب كل التطورات المتخذة سابقا و خلقت ظاهرة من تشنج في المعاملات الناقصة انصافا و عدلا بين الفئة المتحضرة في نظرها و باقي المعمورة.
فأما العوامل الجديدة التي أقحمت شارع المدن الغربية بنوع من الإصطدام مع حكامهم، هي النزعة الإنسانية التي هزت الضمائر نتيجة التصرفات اللاإنسانية للحصول على المبتغى المادي دون مراعاة الغير و لو على حساب الروح البشرية البريئة التي تريد أن تعيش في سلام. و التلاعب بالتصرفات التي كانت خفية و مقننة و مكيفة في مدة من الزمن بحجة نشر الديمقراطية والعدل و المساواة و الاستقرار في المعمورة و ظهرت بشكل مفاجئ عبر الوسائل الإعلامية عكس ما كان يريد حكام الغرب و تدفقت حتى أصبحت حقيقتها مرئية و مشهودة و مسموعة على المباشر. فهذا ما أثر على كل قرار متخذ و مسعى من جهة و أيضا من إستجابة الحليف التقليدي المعول عليه للمساهمة و المساعدة بكل طاعة من جهة أخرى. فهذا الأخير لن يكون بقدرته النجاة من العامل الجديد على بيئته و درجة مساندته أو عبوديتة بين قوسين و أصبح يخاف على مكانته و وضعيته في الحكم أو العرش.
وأما الصيغة المطروحة والمروج لها في الآونة الاخيرة هي الإطاحة بالقطب الأحادي و تفكيكه. هل هذا المخطط يغير في المعاملة و العقلية بين المجتمعات و يلبي الطموحات على مستوى الفرد و الأمم و الدول لِما تريد أن تصل إليه من عدل و مساواة و إستقرار؟ تبقي هذه الأطروحة أو الفرضية المحتومة مرهونة بفعاليتها في الميدان و تكون ربما من بين العوامل المسببة لتحويل الحضارة من صورة إلى أخرى و من مكان إلى أخر بقدر الإمكان من الحكمة و من مخرجات التنازل للمهزوم بصيغة المنتصر. غير أن ما ينبغي العمل به اكثر هو إحترام الطبيعة بالدرجة الأولى التي جاء الإنسان ليعيش فيها و هي مكيفة من أجله، و من هذه الزاوية يستلزم أخذ الرؤية كأولوية إن أراد إستمرار الخطة و تحقيق محل التخاصم في الكون بالتي هي احسن.
ومن الحالة التي يعيشها إنسان هذا الكون و يلمسها و يشاهدها و رجوعه إلى أحداث التاريخ المتسلسلة سواء وقعت أو ذكرت في الديانات، أن تصرف فئة قليلة في المعمورة وصلت الى السيطرة على نمط سير ميزان القوة العالمي بطريقتها و أقنعت ما حولها أنها هي الأفضل و الأصلح و المؤهلة على الإطلاق لكل شيئ في العالم. و في حقيقة الأمر هي منبع كل بلاء و فتنة و مكيدة التي وضعت على وجه الأرض الى يوم الدين.